الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الحركة الديمقراطية في آسفي تفقد مناضلها النقابي واليساري الكبير مصطفى حتّا

 
أحمد نشاطي
 
فقدت الحركة الديمقراطية المغربية المناضل النقابي واليساري الكبير الفقيد مصطفى حتّا، الذي وافته المنية، مساء أمس الأربعاء 19 يناير 2022، بعد معاناة مع المرض...

تعرّفتُ على الفقيد السي مصطفى بداية ثمانينيات القرن المنصرم، كنت في بداية العشرينيات من عمري، وكان عمره يضاعف عمري، وكانت علاقتنا وطيدة ومتينة، وكانت مثار عَجَب لدى العديد من الرفاق والأصدقاء، خصوصا أن مواقفنا من الوضع الراهن آنذاك كانت متقاربة، وأحيانا متطابقة، وكنّا نُنْعت أحيانا بالتشدد، والميل إلى مواقف متطرّفة من الأحداث... وكان الفقيد السي مصطفى "يسمع" مني، إذ كان، أحيانا، يثور ويتذمّر، فينادون علي، فأنتقل من مراكش أو اليوسفية إلى آسفي، فألتقيه، وكنت أنجح دائما في لجم عنانه وعناده، فقد كنت محل ثقته المطلقة، ونعود إلى المنزل ونحن في حالة جميلة من الصحو والصفاء، وأنتشي عندما تنفرج بسمةٌ على محيّا زوجته، المرأة الشامخة الصبورة الطيبة الحنونة، للامينة...

كان السي مصطفى، في عيني، نموذج المناضل الديمقراطي الشعبي النزيه، كنت ما أزال طالبا جامعيا، وكان هو عاملا فوسفاطيا، كنا نحلم بسيادة الطبقة العاملة، وكنا نفتخر عندما نجد بين صفوفنا عددا من العمال والحرفيين، وكان في مقدمتهم السي مصطفى حتّا، لا يختبئ ولا يتراجع ولا يجبن على الإطلاق، كان دائما في المواجهة وفي الواجهة، في مختلف المحطات النضالية، التي عرفتها مدينة آسفي، وكان على استعداد متواصل للتضحية، من أجل التنظيم ومن أجل الرفاق، ولا يمكن أن يكون هناك إضراب، أو مسيرة، أو احتجاج، أو حركة مطلبية، دون أن تجد فيها المناضل الأبي السي مصطفى حتا...

كان الفقيد السي مصطفى حتّا من المجموعة الأولى من الرفاق في منظمة 23 مارس، الذين أسسوا منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في آسفي، وكان أكبرهم سنّا، ويحكي الرفيق عبد الهادي الزوهري، الذي يعدّ كتابا عن منظمة 23 مارس ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي في آسفي، أنه قبيل شهرين من الحصول على الشرعية القانونية للمنظمة، وانعقاد ندوتها الوطنية الأولى في الرباط يومي 21 و22 ماي 1983 تحت شعار "دمقرطة الدولة دمقرطة المجتمع"، قام الرفيق الأمين العام محمد بنسعيد بزيارة شبه سرية إلى مدينة آسفي، ليلتقي بمناضليها، يوم 20 مارس 1983، في إطار الإعداد لتأسيس منظمة العمل بآسفي، والانتقال من السرية إلى العلنية، وللمزيد من الاحتياط وضمان نجاح اللقاء، اختارت اللجنة التحضيرية التأسيسية الثلاثية، التي كانت تتشكل من الرفاق عبد السلام الرجواني ومحمد بولامي وعبد الهادي الزوهري، أن يكون مكان اللقاء هو منزل السي مصطفى، حيث سهر على توفير أفضل الشروط لتأمين اللقاء، هو وزوجته للامينة، وبناتهما وأبناؤهما رشيدة وسعيدة ومنى وعادل...
 
هذه الأسرة الصغيرة قدمت للرفيقات والرفاق أجلّ الخدمات، وسخّرت منزلها لعدد بلا حصر من اللقاءات المرتبطة بالمنظمة، دون أن ننسى تضحيات زوجته، التي كانت بمثابة والدتي، للامينة، كانت تسهر على التنظيم، بكل التفاصيل، ومع الأسف، تاريخنا السياسي لا نتحدّث فيه إلا على أولئك الوجوه، التي تتصدّر الواجهة، ولا نتحدّث عن جنود الخفاء، وللامينة كانت أكثر من مجرد جندية خفاء، لقد كانت هي أمّ التنظيم، كانت في صدارة كوكبة من أمهاتنا وآبائنا، الذين لم يكونوا يشتكون، كانوا يعانون ويتعبون ويضحون لكنهم لا يشتكون، ولا يرفعون الراية البيضاء، ولا يرعبهم تهديد أو ملاحقة أو تضييق أو حصار، وهؤلاء هم من كان السند والحضن الدافئ للرفيقات والرفاق، لهن ولهم كل المجد وكل الحب...
 
المناضل الفقيد السي مصطفى حتّا يتمتع بشخصية قوية، ومحبّبة، إذ تجتمع فيه خصال المرح، والعفة، والطيبوبة، وفي الوقت نفسه كان يتمتع بشخصية حديدية، مقدامة، وجريئة، وبينهما، عندما ينتزع وقتا من الانشغالات الضاغطة، كان يمارس الفن فيه، من خلال إباع منحوتات فنية... ولذلك، عندما فكّرت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وهي حديثة التأسيس، أن تقدّم ترشيحات رمزية للانتخابات التشريعية لسبتمبر 1984، حظي السي مصطفى حتّا بالإجماع ليكون مرشح المنظمة في دائرة آسفي الجنوبية، ورغم حداثة التأسيس، ورغم ما شهدته هذه الانتخابات من تزوير ممنهج، فقد أكدت نتائجها الموقع المؤثّر للمنظمة في آسفي...
 
أتذكّر عندما كنت أحلّ بآسفي، لم أكن أذهب إلى أحد منازل العائلة، وواحد منها كان في تراب الصيني على مقربة من منزل حتّا، الذي كان هو بيتي الثاني، الواقع، آنذاك، في شارع طريق سيدي واصل، عمارة رقم 155، القريبة من محطة القطار، إضافة إلى بيت ابنته الرائعة، الفاعلة المدنية والسياسية والمناضلة النسائية رشيدة حتّا، وزوجها الأعز المناضل السياسي والنقابي عبد الصادق السعيدي... كان هؤلاء هم أسرتي الثانية بعد أسرتي الصغيرة...

قليلا ما كنا نفترق أنا والفقيد السي مصطفى، كان والدي وابني في الآن نفسه، كان رفيقي وصديقي، كان أستاذي وتلميذي، وسواء كنا في آسفي أو في اليوسفية، كنا نتحرك معا، نخرج ونتجول في دروب المدينة معا، ونجلس في المقهى معا، ونادرا ما كنا نفترق إلى أن فرّقتنا المسافات وظروف العيش...

بهذه المناسبة الأليمة، نتقدم بأحر التعازي والمواساة، في وفاة فقيد الحركة الديمقراطية في آسفي السي مصطفى حتّا، إلى زوجته للامينة، وإلى بناته رشيدة وزوجها عبد الصادق السعيدي، وسعيدة وزوجها حميد الساطوري، ومنى وزوجها عبد الإله الزهراوي، وإلى ابنه، الذي كان بمثابة شقيقي الأصغر، عادل وزوجته نجاة الناصري، وإلى كل أفراد العائلة الكريمة، وإلى أسرته الكبيرة...
 
الفقيد في مسيرة لفاتح ماي وابنته رشيدة كانت تشارك مع إخوتها في كل تظاهرات آسفي منذ نعومة أظافرهم
الفقيد بين فلذتي كبده رشيدة وعادل