في ذلك الصباح، أمس السبت، الذي كتب فيه الرفيق مسعود بوعيش، الفاعل السياسي والمدني والناشط الحقوقي والمعتقل السياسي السابق، "خواطره"، وهو مازال "تحت تأثير الانتصار السياسي والديبلوماسي لبلدي المغرب"...
وتحدث عن ذلك الزمن المرير وعن ذلك الجيل، وكتب:
"نحن من أفراد الجيل الذي يشعر بالإنصاف والانتصاف، جيل قال منذ البداية: هذا الاصطفاف الخارجي حول الموقف من قضية وحدتنا الترابية أساسه إيديولوجي، هذا التموقع إيديولوجي، هذا الفرز إيديولوجي، هذه المواقف مصائد، فتلك مصيدة سوفياتية، وذلك مصيدة أمريكية، وتلك قبعة بريطانية، وذلك قفاز فرنسي بِلونين يحملان مجسم براسين... وتلك حجرة نظام عسكري جزائري وضعت تحت الأنظار في حذاء الدولة الوطنية المغربية"...
ثم بعد ذلك يعود إلى الحاضر، تتمازج محطات الأمس باليوم، ويتذكر:
"ودارت الأيام...!!! أيام ممتدة في التحقيب الإيديولوجي، منذ حقبة انهيار جدار برلين قبل نهاية العقد الثامن من القرن العشرين... كان يا ما كان... ومرت الأيام... بحلوها ومرها... آه يا بلدي.. آه يا بلدي... آه يا بلدي... كم عانينا.. وكم تحملنا.. وكم تحمّلنا ما لا طاقة لنا به... لكن صَبَرنا وتعاضدنا وتماسكنا واتحدنا في وجه العواصف الإيديولوجية والرياح المغذية للانفصال...".
وينقلنا بوعيش بين الأمس واليوم، ما إن يحضر اليوم حتى يستدعي ذلك الأمس بكل عنفوانه، ويكتب:
"نحن من جيل شاهد على التاريخ... هذه الـ"نحن"، هنا والآن، لا تعني الفرد الراوي... تعني فردا من جيل الأحلام الكبرى.. كنا راشدين بالغين حينما انطلقت المسيرة الخضراء في نونبر 1975... شاهدين حاضرين فاعلين مشاغبين تائهين في الأحلام الكبرى للمسيرة والمسيرات الأخرى من أجل الديمقراطية والتحرير... مشاركين أقراننا من الأجيال بشعوب وبلدان وقارات أخرى في الأحلام الكبرى للحركات الشبابية العالمية المناهضة للاستعمارين، القديم والجديد وتجلياتهما وتداعياتهما...".
ثم يؤكد مسعود بوعيش بغير قليل من التباهي المستحق: "وأخيرا انتصر الحق والتاريخ..."، وهو يستحضر "تطابق الموقف مع الحقيقة التاريخية والميدانية"، تطابق يمثله "اعتراف "الولايات المتحدة الأمريكية بدَيْنها الذي عمر 243 سنة... دين مسجل في سجلات تاريخ القرن الثامن عشر، أي سنة 1777م"، يكتب بوعيش ويتابع: "الولايات المتحدة الأمريكية تعترف لأول مرة، بعد 45 سنة من الترافع والشرح والتبادل والإقناع، بسيادة المغرب على صحرائه"، ليخلص إلى تأكيد الأمل، الذي كان يغذّي، باستمرار، نضال جيل الأحلام الكبرى، ويقول: "نتطلع إلى مزيد من الاعترافات... نترقب سقوط أقنعة الكبار ليسهل سقوط أقنعة على وجوه الصغار التي مَلتها وكرهتها حتى أقنعتها"...
هذه الخواطر، كما أسماها صاحبها، هي بشكل آخر تعبير عن كلفة التضحيات، التي قدمها شعبنا، وفي مقدمته جيل مسعود بوعيش، جيل الأحلام الكبرى، من أجل انتزاع هذا المكسب، في مسيرة تثبيت الوحدة الترابية للمغرب...
هذه "الخواطر"، التي كتبها مسعود بوعيش صباح يوم السبت 12 دسمبر 2020، وكتب أنها "في مناجاة صباح يوم 12 دسمبر 1981"، هل تعرفون لغز هذا التاريخ: 12 دسمبر 1981؟
لنعد 39 سنة إلى الوراء...
ومن عجائب الصدف أن يوم 12 دسمبر 1981 كان هو، أيضا، يوم سبت...
في ذلك السبت البعيد، كان الرفيق مسعود بوعيش رفقة الرفيق محسن عيوش، ورفيقنا الراحل حسن السوسي، بالزنزانة 27 بسجن لعلو بالرباط، بعد اعتقالهم أيام 2- 3- 4 دسمبر، ثم تقديمهم للنيابة العامة رفقة مناضلات ومناضلي أوطم بالرباط يوم الجمعة 11 دسمبر 1981...
أمرت النيابة العامة بايداعهم السجن ومتابعتهم في حالة اعتقال احتياطي..
وكان سبقهم إلى سجن لعلو معتقلو 20 يونيو 1981..
الجميل في الخريطة أن كل التيارات التقدمية كانت ممثلة في تلك المجموعات.. اللوائح الخمس، التي لم تستطع تحقيق التوافق في المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وجدت نفسها موحدة ومتضامنة لمواجهة ظروف الاعتقال المريرة والمطالبة بتوفير شروط المحاكمة العادلة...
السبت 12 دسمبر كان له تاريخ، وله امتداد، هو الذي حضر لدى الرفيق مسعود بوعيش، وجعلنا، مشكورا، نعيش معه واحدة من اللحظات الكبرى في صيرورة نضال جيل الأحلام الكبرى... وفي هذه الصيرورة، يحضر أيضا النضال الوطني، الذي كان رديفا للنضال الديمقراطي: كان عنوان الصيرورة معركة الوطن ومعركة الوحدة والديمقراطية...
وكان أبرز إيذان لمعركة الوطن والديمقراطية هو الإعلان عن المسيرة يوم 16 أكتوبر 1975، وانطلاقها يوم 6 نوفمبر 1975، وكان مسعود بوعيش آنذاك طالبا بثانوية مولاي سليمان بفاس مستوى بكالوريا... وكانت الثانويات نظمت، آنذاك، مسيرات في يوم واحد، ملأت جنبات مدينة فاس... كان فيها صوت الوطن يعلو في الآفاق، وكان هذا الجيل الأبي يقرنه بصوت الخبز والحرية والكرامة والديمقراطية...
بين ذلك الأمس البعيد واليوم، ينتشي الرفيق مسعود بوعيش، فتضحيات أجيال من المناضلين المغاربة لم تمض هدرا.. فهذا الاعتراف الأمريكي بالوحدة الترابية للمغرب هو تتويج لمجهودات وتضحيات بذلها المغاربة في سبيل ذلك، والمؤكد أن مواقف الدول الكبرى تحكمها مصالح والبحث عن النفوذ، قبل أن يفرض عليها أصحاب القضية مطالبهم المشروعة...