الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

محمد الخدادي: الكَّرن.. ولَقْرينة

 
محمد الخدادي
 
 
الكَرن تقليد قديم لدى المغاربة الأمازيغ.. والغالب أنه لم يكن شائعا لدى القبائل العربية الوافدة من المشرق، ولو أن تسميته تعرّبت بنطق أهل اليمن، الذين يجعلون صوت "القاف" مرخما، بنطقه من مقدمة الحلق، مثل الجيم عند المصريين.
 
الكَرن خصلة شعر تُترك على الجانب الأيمن في أعلى الرأس لدى الرضيع الذكر. فجاءت التسمية، بالإحالة على مكان القرن لدى المجترات.
 
بالإضافة إلى وظيفة الزينة، فالكَرن يرتبط بمعتقدات شعبية، باعتباره تميمة واقية، خاصة من أمراض "لقرينة"، التي يشترك معها في الجذر الاشتقاقي للتسمية (ق.ر.ن).
 
حسب هذا الاعتقاد، توجد لكل امرأة "قَرينَة" (مثيلة، صنوة) في عالم الجن، تتربص بأطفالها وتريد بهم شرا، ومن شأن الكَرن أن يصد هذه "القَرينة" عندما تهم بالنيل من الطفل، لأنه يُذكّرها بعهد على السلم والسلام بينها وبين أمه، أقيم بحليب الرضاعة.
 
لهذا كان شعر الرضيع (ذكر وأنثى) يُرطب بحليب أمه عند أول حلاقة لشعر رأسه. وتتمتم الأم بكلمات هذا العهد مع "القرينة"، من قبيل "هذا حْليبي عهد بيني وبينك، يرضعوه اولادك، واولادي ف التيقار عليك".
 
هذه دعوة من الأم إلى "قرينتها" بألا تصيب ابنها أو ابنتها بسوء، مادام شعر الحليب على رأسه، يذكرها بالعهد، الذي جعل الرضيع أخا لأبنائها بالرضاعة، فلا تؤذيه.
 
وكان مصطلح "لقرينة" يطلق على كل مرض مجهول يصيب الأطفال الرضع. من هذا المنطلق كان الكَرن يلازم الرجل أحيانا طيلة حياته كشاهد على "العهد"، يلف حول الرأس مع الرزة.
 
والمرأة لا تحلق شعر رأسها أصلا، بعد الحلاقة الأولى. استمر هذا التقليد لدى بعض الأسر في مقدمة الريف، شمال مدينة تازة، إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
 
مع فَوْجي الدراسي، التحق طفل بالمدرسة بكَرنه. وبعد بضعة أيام أزاله المعلم بمقص ووضعه له في قب جلبابه، وأوصاه أن يسلمه لوالديه كي يدفناه في مكان نظيف، حسب تقليد كان معمولا به عند فك ارتباط الطفل بتلك الخصلة من الشعر، عندما يكبر قليلا ويبدو أنه اجتاز مرحلة الخطر.