استمرت ثلاثة وأربعين عاما وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما.. الحماية حادثة طريق في مسار أمة
الكاتب :
"الغد 24"
محمد الخدادي
يخلد الشعب المغربي، اليوم الخميس 18 نونبر 2021، الذكرى السادسة والستين لعيد الاستقلال، من براثن الاستعمارين الفرنسي والإسباني...
استغرقت فترة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب ثلاثة وأربعين عاما وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما، امتدت من 30 مارس 1912، تاريخ توقيع عهد الحماية بين السلطان المولى عبد الحفيظ ووزير خارجية فرنسا، في فاس، إلى 18 نونبر 1955، تاريخ عودة السلطان محمد بن يوسف من المنفى إلى المغرب. كما وقعت معاهدة إسبانية فرنسية، بمدريد، في 27 نونبر 1912، مددت مناطق الاحتلال الإسباني بالشمال وجعلت طنجة منطقة دولية، وانتهت هي الأخرى عام 1956.
لأول مرة منذ تشكله ككيان سياسي قبل عدة قرون، فقد المغرب سيادته في ما يمكن اعتباره حادثة في مسار أمة نحتت هويتها الحضارية والثقافية، بالتأثير والتأثر، في حيز جغرافي معلوم، منفتح ومتفتح. وفي فترة الحماية أيضا انتقل المغرب من القرون الوسطى ليقف على عتبة الأزمنة الحديثة، في بداية منعطف جديد من مسار البلد.
يوم 30 مارس 1912 وقعت معاهدة الحماية، في فاس، بين السلطان المولى عبد الحفيظ ووزير خارجية الجمهورية الفرنسية، لينتهي بذلك عهد المغرب المستقل والمقاومة الرسمية من طرف الدولة المغربية، بينما تواصلت المقاومة الشعبية بانتفاضة سكان مدينة فاس ضد الفرنسيين مباشرة يوم 16 أبريل، في بداية مرحلة جديدة من تاريخ المغرب.
لم تكن معاهدة الحماية سوى تتويج منطقي لأزيد من نصف قرن من الضغوط الأوروبية على المغرب، في سياق المد الاستعمار للبلدان الأوروبية في القارة الإفريقية. وقد بدأ الاحتكاك العسكري المباشر بين المغرب وفرنسا غداة احتلالها الجزائر عام 1830، وأدت مساندة المغرب للمقاومة الجزائرية، بقيادة الأمير عبد القادر، إلى معركة وادي إيسلي، عام 1844، التي انهزم فيها جيش مغربي بوسائل عتيقة أمام القوات الفرنسية المزودة بأحدث الأسلحة وطرق القتال المعروفة آنذاك، وترتبت عنها اتفاقية لالا مغنية بشروط قاسية، أسوؤها منح الجيش الفرنسي حق مطاردة الأمير عبد القادر ومقاتليه فوق التراب المغربي.
فتحت هذه الهزيمة شهية البلدان الأروبية إلى المغرب الذي اضطر لتوقيع اتفاق مع بريطانيا عام 1856 حصلت بموجبه على امتيازات اقتصادية وتجارية وقانونية وتجارية، وشكلت الاتفاقية سابقة ونموذجا لبقية الدول الأوروبية التي سارعت إلى التغلغل في البلاد.
على تلك الخلفية احتلت إسبانيا مدينة تطوان بالقوة العسكرية عام 1859، وفرضت على المغرب غرامة حرب باهضة اضطرت معها الدولة المغربية مدخيلا الجبائية من الموانئ لعدة سنوات من أجل الأداء.
على امتداد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقوى النفوذ الأوروبي في المغرب، وخاصة الفرنسي والبريطاني والإسباني، بواسطة اتفاقيات مجحفة، وعن طريق ظاهرة الحماية الفردية التي فرضتها تلك الدول لصالح قناصلها وتجارها ومواطنيها، وهي تقضي بإخراج المغاربة المستفيدين من تلك الحماية من نفوذ السلطان والدولة المغربية، بحيث لا يخضع المحميون للقضاء المغربي في جميع الأحوال ويعفون من جميع الضرائب والتكليفات المخزنية، فشكلوا أداة فعالة لإحكام قبضة الدول الحامية لهم على البلاد. ووصل الأمر إلى بيع مناطق بأكملها لفرنسا ومنحها حق البحث عن المعادن من طرف بعض شيوخ الزوايا.
ظل سلاطين المغرب في هذه الفترة، وخاصة المولى الحسن الأول (1871- 1894) يلعبون على التناقضات بين الدول الأوروبية الاستعمارية لمقاومة الضغوط وتأخير موعد الوقوع حت الاستعمار، كما وقعت الجارة الجزائر ومعظم القارة الإفريقية. لكن الأوروبيين سوف يتمكنون من حسم خلافاتهم لاحقا في سياق سياسة توزيع مناطق النفوذ وتبادل المصالح، ففقد المغرب آخر أوراقه في المقاومة.
توج مسلسل الضغط الأوروبي بمؤتمر الجزيرة الخضراء، عام 1906 الذي جمع جل الدول الأوروبية المتنافسة حول المغرب، وفرض عليه شروطا قاسية ما زالت إلى الآن تتوارد في التعبير المعروف بـ"شروط الخوزيرات". فقد وضع المؤتمر المغرب تحت الوصاية الدولية من خلال شروط حملت شعار إدخال إصلاحات إدارية واقتصادية وجبائية، بينما ظهر لاحقا أن الهدف الحقيقي منه كان هو وضعه تحت الوصاية وخلق آليات كفيلة بضرب ما تبقى له من مقومات السيادة في انتظار أن تتوفر الشروط للإجهاز عليه.
لم تمر إلا بضع سنوات حتى اشتدت وتيرة التكالب الاستعماري على المغرب بمنافسة طاحنة بين كل من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا، بتشديد الضغط العسكري السياسي والمالي، حتى أن أمبراطور ألمانيا، غليوم الثاني، كاد أن يعلن الحرب على فرنسان بسب "الأزمة المغربية"، عندما زار طنجة، في أبريل 1911 حيث أعلن حرص بلاده على استقلال المغرب، بينما كانت البحرية الألمانية تعزز مواقعها في عرض السواحل المغربية بمنطقة سوس، والقوات الفرنسية تهاجم مدينة وجدة وتحتلها وتقصف بحريتها مدينة الدار البيضاء.
ترتّب عن قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء إغراق المغرب بالقروض والديون وإرهاق الفلاحين والصناع والتجار بالضرائب، ما ساهم في تعميق أزمة الدولة في وقت تميز بالصراع على العرش بين السلطانين المولى عبد العزيز وأخيه المولى عبد الحفيظ، بتزامن مع ثورة الدعي الجيلالي بوحمارة شمال شرق البلاد.
أصبح المغرب ثمرة ناضجة للشهية الاستعمارية، ولم يبق للبلدان الأوروبية المتنافسة إلا أن تسوي خلافاتها بصفقات لتبادل مناطق النفوذ، فكان الفوز لفرنسا في وسط البلاد، وإسبانيا في الشمال والجنوب، بعد أن أسكتت باريس الأطماع الألمانية بالتنازل لبرلين عن التوغو، وتخلت عن أطماعها في مصر لفائدة بريطانيا.
فرضت فرنسا نظام الحماية على المغرب الذي أصبح تحت وصاية وزارة الخارجية الفرنسية، قبل أن تلحقه بوزارة المستعمرات، بشعار الإصلاح والتحديث، مع الالتزام بالحفاظ على وحدة البلد وسلامة أراضيه ومؤسساته، إلا أن هذا النظام سرعان ما كشف حقيقته كاستعمار صريح واحتلال مقنع، عندما تنامت مصالح المعمرين في المغرب بتحالف مع مراكز النفوذ في الطبقة السياسية الفرنسية.
لم يستسلم المغاربة لقدر الاستعمار، فكانت المقاومة المسلحة في الريف والأطلس، قبل أن تفرز التحولات الاجتماعية والسياسية مقاومة سياسية، ثم مقاومة مسلحة، ليغلق قوس الاستعمار في مسار الأمة المغربية.
محطات السقوط والنهوض
1906 (16 يناير- 7 أبريل 1906): مؤتمر الجزيرة الخضراء، شارك في المؤتمر 12 دولة أوروبية و شارك الرئيس الأمريكي روزفلت كوسيط. كرس المؤتمر المغرب عمليا كمستعمرة أوروبية، وانعقد بشعار حل الأزمة المغربية الأولى، التي أشرفت على إشعال حرب بين فرنسا وألمانيا. كانت تسوية خلافات القوتين الاستعماريتين على حساب ما تبقى نمن استقلال المغرب بفرض بنود جديدة قاسية، رغم أن الموقعين على الاتفاق النهائي أكدوا جميعا "سيادة جلالة السلطان الشريفة ووحدة أراضيه".
1912(30 مارس): توقيع معاهدة الحماية، في فاس، بين السلطان المولى عبد الحفيظ ووزير خارجية الجمهورية الفرنسية، لينتهي بذلك عهد المغرب المستقل والمقاومة الرسمية من طرف الدولة المغربية، بعد عدة سنوات من الضغط الأوروبي.
1921 (يوليوز): معركة أنوال بين المقاومة المغربية في الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي وجيش الاحتلال الإسباني الذي مني بهزيمة قاسية: مقتل ثلاثة جنرالات وأسر مئات الجنود واستيلاء المجاهدين على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة.
1927 (18 نونبر): مبايعة محمد بن يوسف سلطانا للمغرب، بعد وفاة والده يوسف بن الحسن الأول. راهنت سلطات الحماية على أصغر أبناء السلطان الراحل ليكون طيعا في يدها، لكنه سيكذب حساباتها بالالتحام مع الحركة الوطنية في معركة الاستقلال.
1934( 30 ماي): صدور الظهير البربري، الذي سعت من خلاله سلطات الحماية لتفتيت وحدة الشعب المغربي، لكن المغاربة، من عرب وبربر، أفشلوه.
1944 (11 يناير): تقديم عريضة الاستقلال من طرف قادة الحركة الوطنية بتنسيق مع السلطان محمد بن يوسف، في أول مطالبة رسمية وصريحة باستقلال المغرب.
1947 (10 أبريل): السلطان محمد بن يوسف يزور مدينة طنجة حيث ألقى خطابا عبر فيه عن تطلع المغرب لاستعادة استقلاله وسيادته، وعن انتمائه القومي العربي غداة تأسيس جامعة الدول العربية.
1953 (20 غشت): سلطات الحماية، بتواطؤ مع كبار القواد العملاء، تقدم على عزل السلطان محمد بن يوسف من العرش وتنفيه مع أسرته، لتنفجر "ثورة الملك والشعب" التي عجلت بالاستقلال.
1955 (18 نونبر): يوم عيد العرش، السلطان محمد بن يوسف يعود إلى المغرب من فرنسا، بعد أزيد من عامين في المنفى في جزيرة مدغشقر، معلنا "نهاية عهد الحجر والحماية"، ويصبع في عهد الاستقلال الملك محمد الخامس.
1956 (2 مارس): الإعلان رسميا عن استقلال المغرب عن فرنسا.