طرائف واقعية مرتبطة برمضان في مكان ما في مقدمة الريف، بعضها برواية موثوقة عن أشخاص عاشوها، وأخرى من الذاكرة الشخصية.
لخبار يجيبها الكار
إلى حدود منتصف ستينيات القرن الماضي، كانت الساعة (La montre) نادرة، قليل من يملك ساعة يدوية، أو ساعة الجيب، وكان إمام المسجد يتوفر على ساعة المنبّه، المعروفة محليا باسم "الساعة دالرّيفاي" (Le réveil).
أما الراديو، فكان بمثابة لوكس، صندوق كبير يوضع بعناية فائقة في بيت الضيوف، لا يتوفر إلا لدى بعض المتقاعدين من الجيش الفرنسي، جلبوه عند عودتهم إلى البلد، أو عند معلم المدرسة، قبل أن ينتشر الترانزستور في أواخر الستينيات.
يضبط الناس أوقات أنشطتهم على حركة الشمس، ويراقبون ظهور الهلال في بداية الشهور القمرية، فإذا ثبتت لديهم رؤيته صاموا في اليوم الموالي، وإن لم يظهر يصومون من باب الشك، إلى أن يأتي الخبر اليقين.
وكان الخبر يصل من مدينة تازة عند اقتراب منتصف النهار، بواسطة حافلة المسافرين، كار بلون أحمر من نوع فولفو، يسع 50 راكبا.
شمس بعد الغروب
تزامن رمضان مع شهر أبريل بنهاراته الطويلة وجَوّه المتقلّب. الفقيه، الوافد من مسافة حوالي 15 كلم، من بني كْرامة إلى باب جنان، صلى العصر وصَرَف لَمْحاضرة (تلاميذ لمسيد)، ثم خلد إلى النوم في انتظار موعد المغرب.
لما استيقظ، وجد وجبة الإفطار موضوعة قربه، أحضرها صاحب "النُّوبة" دون أن يوقظه، والجو مظلم والمطر يتساقط، فهب مسرعا لأذان المغرب.
أفطر الناس. توقف المطر وانقشعت الغيوم، فرأوا الشمس ماتزال مشرقة على قمة الجبل.
عند صلاة العشاء، أفتى عليهم الإمام بقضاء صيام النهار المبتور بعد رمضان، ومن لم يستطع، يصوم هو نيابة عنه!
مول الفردي
شخص تيسر له أن يتوفر على راديو وعلى فردي (بندقة الخيّالة). يسكن في مكان مرتفع يطل على القسم الأكبر من الدوار. يصعد إلى سطح البيت ويطلق ثلاث طلقات، إعلانا عن رؤية الهلال، حسب تأويله لما سمعه في "الخطبة" (نشرة الأخبار).
في مرات كثيرة، كان يخطئ التقدير والتأويل أمام عبارة "عدم رؤية الهلال"، فيسارع إلى إطلاق البارود.
ومرة سمع المعلم صوت البارود، فخرج مسرعا ينقذ الموقف: ولاّ لاّ... ما كاينش العيد غدا!
ما زااااااال!
كان جماعة يعملون في بناء بيت لرجل خلال رمضان، بعد منتصف نهار أوقفوا العمل بسبب المطر، ولجأوا إلى حجرة في انتظار المغرب.
انقشعت السحب وظهرت الشمس، فأمر صاحب الدار ابنا له بالخروج لمعاينة أين وصل النهار.
عاد الابن وقال: مازااااااال!
رد عليه الأب: الله يعطك اللقوة لفاك، قولْ غي مازال، لاش مازاااااال!
سيجارة عائمة
أوائل السبعينيات، في داخلية ثانوية علي بن بر بتازة... سيجارة وحيدة تبقّت لِما بعد المغرب من علبة أولمبيك الزرقاء، ولا يريد أن يشاركه فيها أحد، بعد أن تبرّع في الليلة السابقة بأعداد منها على عدد من الشركاء من عشيرة المدخنين.
بعد الإفطار، أسرع إلى المرحاض وأغلق الباب جيدا. السيجارة مثبتة بين الشفتين، واليدان تبحثان عن عود ثقاب في الجيوب... حركة طائشة فتقع السيجارة قبل إشعالها في فتحة مجرى الماء!
أطلق الماء، وخرج يبحث بين أفراد العشيرة عن نجدة محتملة.