الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الكاتب المغربي إدريس الخوري يغادر الحياة.. "بّا دريس" أيها التعيس لقد حانت نهايتك

 
توفي الكاتب والقاص المغربي إدريس الخوري، مساء الاثنين 14 فبراير 2022، في منزله في الرباط، عن سن ناهزت 83 عاما...
ونعاه اتحاد كتاب المغرب، في بيان، قال فيه "بوفاة الكاتب إدريس الخوري، يكون المغرب الإنساني والإبداعي والإعلامي، قد فقد إنساناً نادراً واستثنائياً، وكاتباً كبيراً، ومبدعاً رفيعاً وملتزماً، وصديقاً وفياً للشعب المغربي، بمختلف شرائحه الثقافية الاجتماعية، وأحد من خدموا الثقافة والصحافة والإبداع الأدبي المغربي، بشكل قل نظيره، على مدى عقود من الكتابة والإبداع والحضور والنضال والسفر والمغامرات وحب الحياة والنقاش والجدل والتضحيات".
وُلد الخوري سنة 1939 في مدينة الدارالبيضاء، وعمل صحافيا في جريدة "المحرر"، ثم بعدها في جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، إلى أن تقاعد، لكنه واصل الكتابة من خلال مقالات صحفية ونصوص قصصية...
انضم إدريس الخوري، الذي كان يناديه كثيرون "بّا دريس"، إلى اتحاد كتاب المغرب في العام 1968، وعُرف أكثر في مجال القصة القصيرة حيث أصدر عدة مجموعات قصصية من أشهرها "حزن في الرأس والقلب" سنة 1973، و"ظلال" سنة 1977، و"البدايات" سنة 1980، ثم "الأيام والليالي" سنة 1980، و"مدينة التراب" سنة 1988، و"فضاءات، دار الكلام" سنة 1989، ثم "يوسف في بطن أمه" سنة 1994.
بدأ الخوري مشواره الأدبي شاعرا في مطلع الستينيات، لكن سرعان ما اتجه إلى كتابة الخاطرة والقصة والمقالة. وله كتابات في إطار السرد الأدبي والنقدي والفني حول السينما والمسرح والتشكيل والرحلة والموسيقى والسياسة، جمعها الخوري في بعض كتبه، مثل: "قريبا من النص.. بعيدا عنه"، و"كأس حياتي: كتابات في التشكيل"...
وقال اتحاد الكتاب في بيانه "هكذا، ظل كاتبنا الراحل قاصاً وناثراً وكاتب مقالة من الطراز الرفيع، يتميز بأسلوبه الخاص في الكتابة وبلغته المميزة له، في التعبير والسرد وصوغ المفارقات الاجتماعية، ما جعل تجربته القصصية وكتاباته عموماً، ذات نكهة ساحرة، بما تضمره من سخرية وصفية ونقدية مبدعة".
كما له كتابات أخرى تندرج في إطار السرد الأدبي والنقدي والفني، وهي حول السينما والمسرح والتشكيل والموسيقى والسياسة، جمعها الخوري في بعض كتبه، من قبيل: "قريبا من النص.. بعيدا عنه"، و"كأس حياتي: كتابات في التشكيل".​​​​​​​​​​​​​​
المثير في أسلوب عيش الكاتب الصاخب، أن إدريس الخوري كتب هذا النص، الذي ننشره أدناه، سنة 2014، ينعي نفسه، بلغته وأسلوبه الخاصين، اللذين يلخّصان حياته الحافلة..
 
♦♦♦♦
 
إدريس الخوري
 
ها قد بلغتَ من الكبر عتيا، فماذا تبقى لك من الوقت لكي تختفي عن الأنظار نهائيا؟ (هذا ما يتمناه بعضهم) تلتفت يمينا وشمالا فلا ترى أحدا بجانبك، الكل منشغل بذاته وبأسرته الصغيرة وأنت قابع في محنتك النفسية والجسدية تجتر آلامك في صمت.
 
من يزرع للفرح في قلبك الآن؟ لا أحد إلا حفنة قليلة من الأصدقاء يملأون عليك وقتك الفائض بحضورهم الجسدي والمعنوي، المقتطع من أوقاتهم، حتى إذا ذهبوا إلى بيوتهم ونسائهم بقيت وحدك تجتر وحدتك القاسية، في بيتك الصغير فوق سطح العمارة.
 
في الصباح تستيقظ شبه متثاقل من دون صداع الرأس، لكن ميزتك الأساسية أن الوقت لا ينفلت من بين يديك وأنك لا تتكربع مثل الآخرين، هي التجربة الطويلة في المعاقرة وفي الحياة، في العلاقات الانسانية الكثيرة والتي لا تحصى، هل تعبت منها؟ أكيد، فكثرة العلاقات مجرد طنين مثل طنين الذباب، لا نفع فيها إلا التشويش!
 
تقوم من فراشك البسيط الواطئ وتستحم بالماء البارد لكي تنتعش، لقد تعودت على الدوش البارد منذ أكثر من ثلاثين سنة، لا زكام يتسلل إلى أنفك، تعود إلى الغرفة وترتدي ثيابك وتنتعل حذاءك البني وتشرع في قضم تفاحة، فتأهب للخروج ففنجان قهوة خفيفة في المقهى القريب من مقر سكناك فامتطاء سيارة أجرة كبيرة والانتقال إلى الرباط وشراء الصحف اليومية، لا شيء سوى بنكيران والمعارضة البرلمانية، سوى العدالة والتنمية والعدل والإحسان، داعش والغبراء!
 
هي ذي كائنات سياسية جديدة وقد أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلا داعي لأن نسميها بأسمائها لأنها بالنسبة إلي لا شيء على الاطلاق، لقد رحل عنا الساسة المحترفون والمثقفون وبقينا أمام الكراكيز، ألم يتحول مبنى البرلمان إلى حلبة الملاكمة بعد خطاب الملك؟
 
مؤسف جدا.
 
لقد تفككت عظامك من كثرة الحوادث المؤلمة وصرت أيها الكاتب - الشيخ عبارة عن أشلاء عظمية قابلة للكسر في كل وقت وحين، أنت الآن تنتظر نهايتك الوشيكة في يوم ما، ولماذا ليس الآن؟
 
بالأمس وأنت في نادي الكرة الحديدية، جالس تتناول طعام الغذاء رفقة أصدقائك الخلص، أصبت بغيبوبة حتى كدت أن تختفي نهائيا. لكن الأمر لم يقتصر على "الجولة" الأولى، بل تلتها "جولة" ثانية من الغياب عن الجلسة، حتى أن ابنك أصيب برعب شديد، لقد غادرته أمه الخائنة منذ سنتين وتركته هو وأخوه في عنقك وذهبت عند عشيقها، هناك خارج الحدود، فكيف عشت كل هذا الوقت التاريخي وأنت مجرد نصف جسد؟ قبلك أنت رحل أعز أصدقائك عن هذا العالم دون استئذان، فهل ستستأذن أصدقاءك الحاليين قبل رحيلك، من يدري؟ قد يدفع بك مرضك إلى الرحيل عاجلا أم آجلا، لكن رغم الإعاقة التاريخية التي ألمت بك، من حيث لا تدري، فقد ظللت لصيقا بالحياة وذهبت معها إلى مداها الأقصى، بل بقيت راسخا في الأرض مثل جذر شجرة عجوز، والآن فأنت مجرد صدى لوحدتك وأنينك.
 
الكل يفكر فيك، ويسأل عنك، أنت محبوب ومكروه في نفس الوقت، الكل يريد السير على منوالك الحياتي المختلف على منوالهم، فهل أنت نموذج يحتذى به؟ في الحقيقة، أنت مجرد كائن بسيط، في حياتك، لكنك عميق في تجربتك بغض النظر عن أنك مجرد رقم في هذه البطاقة الوطنية التي تضعنا في خانة الدولة.
 
اقترنت بالمرأة ثلاث مرات وانتهى ارتباطك بها إلى غير رجعة، هل أنت استثناء أم قاعدة في هذه الحياة؟ ماذا جرى لك حتى تتهرس حياتك في السنوات الأخيرة، بعد أن تقاعدت، بدأ الوهن يدبّ إليك، وصرت لا تفكر إلا في نهايتك، انغمست في العزلة القاتلة، بعضهم يسأل عنك لأن لديه فراغا في وقته، البعض الآخر يقتحم عليك خلوتك دون أن تدري، بعضهم يتهجّم عليك مجانا، لأنك مخلتف عنه، هكذا يتلفنون لك يوميا من حين لآخر ليقتفوا أثرك، هم أصدقاؤك الطيبون الذين لا يخذلونك، أنت مركزهم أحيانا وهم محيطك أحيانا أخرى، هكذا يملأون لك فراغك النفسي، ولولاهم لمت بالفقصة!
 
لقد كتبت كثيرا وماذا من بعد؟ هل أضفت شيئا إلى هذه اللعنة؟ لعنة الكتابة؟ من أنت حتى اصبحت جزءا لا يتجزأ منها؟ لست إلا رقما عاديا من أرقام الكتابة في هذا البلد.
 
أنت كاتب مفترض، هذا لاشك فيه، فقلها للذين يبحثون عن "الخلود"، كل واحد منا كاتب مفترض، يقف بين الحقيقة والادعاء، بين الخيال والواقع، بين المجرد والمطلق، وبيني وبينك، فأنت مجرد كاتب مفترض صنع نفسه بنفسه.
 
أيها التعيس، لقد حانت نهايتك...