الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عبد الرفيع الجواهري.. بالشفاء العاجل للشاعر المغربي الكبير والكاتب الصحافي الساخر

 
جلال مدني

يمر الشاعر المغربي الكبير والكاتب الصحافي الساخر، عبد الرفيع الجواهري، بـ"وضعية صحية صعبة"، في مدينة مراكش، وفق ما أفاد أحد "جنود الظل" من روّاد الصحافة المغربية، محمد نجيب كومينة، في تدوينة على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"...
 
يقول كومينة في تدوينته: عبد الرفيع الجواهري "الشاعر، الذي ترك بصمة خاصة في الشعر المغربي، بغنائية نادرة، والقلم الجسور، الذي استمر حضوره المميز في الصحافة الوطنية، حتى بعد انتقاله الى مهنة المحاماة، والمناضل التقدمي، الذي استحق موقعه القيادي، وكان له إشعاعه الخاص بمراكش وعلى المستوى الوطني، والمحامي ذو الكفاءة القانونية والترافعية، التي عاينتها عندما تولى الدفاع عني أثناء محاكمتي سنة 1980، يمر بظروف صحية صعبة. لا أملك إلا أن أتمنى له الشفاء العاجل والصحة الجيدة، والتعبير له، كصديق ومحامي وأستاذ، عن العرفان في هذا الوقت بالذات".
 
ولعل بعضًا مما قاله كومينة يجسّده التتويج المستحق للشاعر والرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب، عبد الرفيع الجواهري، من قبل الكتاب العرب، سنة 2017، حين منحوه "جائزة الحريات"، التي يمنحها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
 
وقال اتحاد كتاب المغرب، في بلاغ له، إن هذه الجائزة "جاءت نظير دفاع الجواهري المتواصل، سواء في أشعاره أو في مقالاته، وأيضا في مواقفه العديدة المدافعة عن الحريات في العالم العربي"...
 
شاعرنا الجميل عبد الرفيع جواهري ولد بمدينة فاس سنة 1944، وتابع تعليمه بالمدارس الحرة التي أنشأها رواد الحركة الوطنية المغربية لتدريس اللغة العربية، التحق بالإذاعة الوطنية سنة 1960، وحصل على الإجازة في القانون سنة 1967. كما أحرز على شهادة الدروس المعمقة (استكمال الدروس) من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة مراكش، التي يعمل بها محامياً. وانتخب الجواهري رئيساً لاتحاد كتاب المغرب سنة 1996.
 
ارتبط اسم عبد الرفيع الجواهري، فنيا، بقصائده الشعرية المغناة، التي لحّنها الفنان المغربي الراحل عبد السلام عامر، وأشهر هذه القصائد: "راحلة" و"قصة الأشواق"، اللتين غنّاهما محمد الحياني، و"القمر الأحمر" و"ميعاد"، اللتين أداهما عبد الهادي بلخياط... صدرت له أربعة دواوين: 1- "وشم في الكفّ"، بيروت، دار ابن رشد 1981. 2- "شيء كالظل"، مراكش للطباعة والنشر 1994. 3- "كأنّي أفيق"، الرباط، دار أبي رقراق 2010. 4- "الرابسوديا الزرقاء"، الرباط، وزارة الثقافة 2010.
 
كما ارتبط اسم الجواهري، إعلاميا، بزاويته الأسبوعية "نافذة" في جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، التي استقطبت اهتمام أوسع قرّاء المرحلة، حتى أن عدد الجريدة ليوم الأربعاء، حيث يطل الجواهري من نافذته في الصفحة الأخيرة، كان ينفذ سريعا، وبفضل الجواهري، استقطبت الصحافة الوطنية عموما، وليس "الاتحاد الاشتراكي" وحدها، عشرات الآلاف من القراء...
 
لم يكن تميّز "نافذة"، فقط، بمضامينها الساخرة، التي كانت ومازالت تعتبر"رائدة" في الصحافة الساخرة، بل أيضا في فرادة الإبداع في صياغة العنوان، فبعدما تربّعت جريدة "أنوال" على عرش صياغة العناوين القوية والمستفردة، خصوصا تلك التي كان ينحتها الإعلامي والسياسي الكبير العربي مفضال، سيدخل الجواهري على خط "العناوين الاستثنائية"، إذ كان يكتفي في العنوان، أحيانا، بكلمة واحدة، مثل: "التشييرة"، و"البعبعة"، و"الفاكانس"، و"الصيلانص"، و"اللاص"، واللقمة"... وعندما يستعمل عناوين مركّبة، كان يصوغها بفنية عالية مستوحاة من التراث المغربي الشعبي، في الأمثال وفي المتن الغنائي، من قبيل: "التقرقيب والزديح والبرامل عامرة بالريح"، و"الباك حاول علي عافاك"، و"العايلا جرحتيني"، و"شكل ثاني حبك إنت"، و"السماوي .. الله يداوي"...
 
كانت نافذة تتميز بلغتها ومعانيها الساخرة، التي كان الجواهري ينسجها بكثير من الإبداع، وبخلفية شعبية، في ممارسة نقد لاذع للأوضاع السائدة، التي كان ينخرها الفساد والاستبداد، إلى درجة أن قراءها كانوا يرون أنفسهم فيها، لقد كانت صوتهم المبحوح بفيض من القمع ومن أجهزته وأدواته، التي كانت تضيّق الأنفاس على الناس...
 
ورغم فاسية المولد، فقد استفاد الجواهري كثيرا من "تمراكشيت" وقوالبها في النكتة والتناول والنقد اللمّاح، حتى أن أكثر انفلاتاته "السياسية"، كان الجواهري يعرف كيف يصوغها بـ"الزوغان"، فلا يجد "المحقّق" أمامه أي نافذة أو منفذ لإدانة الكاتب الصحافي الساخر...
 
مرّة، استدعته النيابة العامة للتحقيق، وفي جلسة استمرت ست ساعات متواصلة، حاول وكيل الملك أن "يقبض" على "أداة جرم" في "نافذة" كانت بعنوان "شكل ثاني حبك انت"! وحين سأله وكيل الملك: ماذا تقصد من وراء عنوان نافذتك؟ رد عليه الجواهري بسرعة بديهة: اسْألْ صاحب الأغنية! وكانت الأغنية من كلمات حسين السيد، وألحان محمد عبد الوهاب، وأداء نجاة الصغيرة...
 
وقال زميله ورفيقه في الشعر وفي النضال الاتحادي، محمد الوديع الآسفي، يوما، متحدثا عن "نافذة" عبد الرفيع الجواهري، إن جريدة الاتحاد الاشتراكي كانت تجبر قراءها على البدء في قراءتها من الصفحة الأخيرة، حيث يجد القراء ضالّتهم...
 
متمنياتنا الصادقة بالشفاء العاجل لأستاذنا الكبير عبد الرفيع الجواهري، وأملنا الكبير في مبادرة ستكون جليلة من الجهات المعنية، إعلامية وسياسية وثقافية، لتنظيم تكريمٍ مُستحقٍّ، في الأيام المنظورة، لشاعرنا وأستاذنا، وواحد من رموزنا الثقافية والإعلامية في النضال الوطني الديمقراطي...