آن الأوان لتحرك رسمي وشعبي من أجل تحرير النقل الحضري المغربي من الاستعمار الإسباني
الكاتب :
جلال مدني
جلال مدني
أضحى قطاع النقل الحضري، منذ عدة سنوات، يترنّح للانهيار تحت ثقل الخروقات والانتهاكات، منذ دخول شركة النقل الإسبانية "ألزا" إلى المغرب، وتمدّدها من مدينة واحدة إلى الهيمنة على خمس مدن مغربية كبيرة، بفضل تحركات مريبة للوبي الاستعمار الإسباني في المغرب...
ولعل أبرز نموذج لهذا اللوبي هو نجاح شركة "ألزا" الإسبانية في التباهي والتنمّر بآخر صفقة هي الرابحة فيها الأولى والأخيرة، بالتحوّزعلى تدبير قطاع النقل الحضري عبر الحافلات في مدينة الدارالبيضاء، حيث تجني أرباحا ضخمة دون أن تستثمر شيئا، إذ تكشف وثائق عقد هذا التدبير المفوض أن الشركة تحصّل أرباحا صافية تصل إلى 100 مليون درهم في السنة الواحدة، بما يفوق مبلغ الاستثمار برمته الذي خصصته الشركة للفوز "المدبّر" بصفقة النقل الحضري للمدينة، والذي لم يتجاوز 80 مليون درهم، بمعنى أن شركة "ألزا" تحصل على ذلك المبلغ السنوي بشكل مباشر من مجلس مدينة الدارالبيضاء، من دون أن تتحمل أي مصاريف استغلال أو تشغيل أو أجور العاملين!
وفوق هذا وذاك، فإن مقتضيات العقد إياه تنص على أن جماعة الدارالبيضاء هي التي تتحمل كل نفقات الاستثمار من خلال نظام "النفقات الجزافية"، بما في ذلك شراء الحافلات والمباني، إضافة إلى نفقات التسيير من أجور وصيانة وتسويق، فضلا عن الرسوم والضرائب وغيرها من نفقات التشغيل، إذ إن الشركة تستردها في رأس كل شهر من مالية الجماعة!!؟؟
هذا نموذج واحد ومصغر عن واقع مر، مليء بنماذج أخرى بلا حصر من خروقات وانتهاكات هذه الشركة الإسبانية، الأمر الذي أصبح يطرح، بقوة، أكثرَ من سؤالٍ حول الجدوى الوطنية من تسليم مقاليد مرفق النقل الحضري بكبريات المدن المغربية، إلى ما يمكن تسميتهم بـ"المستعمرين الجدد"، القادمين على "صهوة" شركة إسبانية للنقل متهافتة على "المال المغربي السائب"! كما أوضحت ذلك تقارير قضاة الحسابات وتقارير مصالح المراقبة، علاوة على تقارير حماة المال العام؟!
لقد كشفت هذه التقارير أننا أمام أخطبوط استعماري يستعمل النقل الحضري لامتصاص المال العمومي، ويتكرّس ذلك عبر ثلاثة مظاهر:
المظهر الأول أن الشركة الأجنبية تمتص المالية العمومية باستغلال ضعف وثغرات آليات المراقبة والتتبع لدى الجماعات المحلية، وافتقارها إلى الوسائل المادية والضرورية، وعدم القدرة على نقل المعرفة التكنولوجية وتأهيل الموارد البشرية، وهي أمور تكشف الفشل الذريع للأحزاب في إنتاج مستشارين جماعيين بكفاءات مؤهّلة وقادرة على رفع تحديات التدبير الجماعي، بما في ذلك إبداع حلول مبتكرة للإشكالات البنيوية التي تعاني منها الجماعة، وعلى رأسها معضلة النقل الحضري، ومدى انفتاحها على الفاعلين المغاربة، وهذا هو المظهر الثاني، الذي يتمثل في إقصاء الشركات الوطنية، واستعمال الذباب الإلكتروني لتحريض السكان على الشركات المغربية المستهدفة، في هذه المدينة أو تلك، حسب مخطط التمدد والهيمنة، الذي تدبّره الشركة الاستعمارية الأجنبية مع طابورها الخامس المغربي...
ونصل إلى المظهر الثالث، وهو في غاية الأهمية لأنه يهم مصالح السكان، ويتمثل في طابعين: من جهة خروقات الشركة، ومن جهة ثانية الاستهتار بمصالح المواطنين وحتى المستخدمين...
فالشركة الأجنبية تتمتّع بامتيازات القروض وإعفاءات جبائية، فيما تراكم الاختلالات والتجاوزات التدبيرية المفوضة للنقل الحضري، بإخلالها ببنود الاتفاقيات وعدم وفائها لوعودها وتجاهلها للشروط والبرنامج التعاقدي للشركة مع الجماعة، مقابل مضاعفة معاناة السكان من رداءة خدمات الشركة، والاستهتار بحقوق ومستحقات العاملين والمستخدمين بقطاع النقل الحضري، في ضرب صارخ للمقتضيات المنصوص عليها في دفتر التحملات.
وفي هذا الصدد، لنستحضر، أولا، روح ومتطلبات المشروع التنموي الجديد، الذي اعتمدته بلادنا، وجوهره التأهيل الذاتي الشامل، في جميع المجالات، ويأتي النقل الحضري ضمن الأولويات، وهذا ما يقتضي، ثانيا، أن تبادر مختلف الجهات المسؤولة، من الحكومة إلى الجماعات ومختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة، إلى مراجعة جدية وحقيقية لواقع وأفق التدبير المفوض للنقل عبر الحافلات، في أفق طي صفحة الشركات الأجنبية والتحرر من خروقاتها البنيوية وانتهاكاتها المزمنة وإعادة الاعتبار للشركات المغربية والوقوف إلى جانبها، مثلما تفعل هذه الشركات عندما تحتاج السلطات إلى خدماتها، من أجل تكاثف الجهود مع الفاعلين الوطنيين في إنتاج نقل حضري بديل، يكون أكثر جدوى وفعالية، وأكثر التزاما بتعداته، وأكثر قدرة على توفير شروط نقل آمن وكريمٍ للمواطنين...
لسنا ضد الشركات الأجنبية عندما يكون لوجودها قيمة مضافة، لكن في قطاع حيوي، يتعلّق بانشغال يومي للمواطنين الذين يستعملون النقل الحضري، فإن الجهات المسؤولة مطالبة، انسجاما مع مقتضيات النموذج التنموي الجديد، بتحرير هذا القطاع من الشركات الأجنبية، وفتح الباب أمام الشركات المغربية، التي أثبت الكثير منها أنها في مستوى النهوض، بشكل أفضل، بهذه المسؤولية الحيوية، التي تتعلق بمصالح السكان في احترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وصون كرامتهم الإنسانية...
لقد آن الأوان ليتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية: السلطات العمومية بمراجعة المقتضيات القانونية للتدبير المفوض عبر الحافلات لوضع حد للتدخّلات الأجنبية وفتح الباب أمام الشركات الوطنية، ومؤسسات الرقابة الدستورية بتتبّع ومراقبة الصفقات الممنوحة لشركة "ألزا" الإسبانية، من قبل المجالس الجماعية في كل من مراكش وأكادير وخريبكة وطنجة والرباط والدارالبيضاء، لتخليص القطاع من مظاهر الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام وتحقير المواطنين...
من أجل كل ذلك، لنرفع في وجه هذه الشركة الاستعمارية الإسبانية: