الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تدوينة/أرضية "اليسار الوحدوي" والتيار/القبيلة المتحالف مع حركة اتحادية يمينية

 
عبد الغاني أوشعيب
 
 
منذ تسرب خبر تأسيس تيار جديد داخل الحزب الاشتراكي الموحد والاتصالات مكثفة من أجل إقناع الأعضاء بالانضمام إليه، كنا نتوق للاطلاع على أرضيته التأسيسية متوسمين منها خلق نقاش فكري وسياسي حقيقي داخل الحزب يساهم في تجويد الحياة السياسية الحزبية وإخراجها من حالة الضحالة والتردي الذي تعيشه منذ مدة، لكن كانت صدمتنا قوية ومزلزلة عندما اطلعنا على تلك "التدوينة الفايسبوكية"، التي وُصفت بـ"الأرضية"، والتي جاءت موغلة في "البوليميك" المركز على أحداث ووقائع وأسئلة وأشخاص، والتي تناسى من صاغها أنه جزء فاعل فيها جميعا ويتحمل مسؤوليتها بنفس القدر والحجم كغيره.
 
سيصعب إذن إطلاق نقاش حول أفكار هذه التدوينة/الأرضية، ولنترك الأمر لمن وقّع عليها واقتنع بها أن يفعل، إن هو وجد فيها ما يُناقش، يكفي أن نشير إلى أن التحدي الأكبر الذي ستواجهه ليس انخراط شباب فيها والتحمس لها والدفاع عنها، ولا تبنّيها من طرف بعض وجوه وأعضاء مكون منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أو مكون الحركة من أجل الديمقراطية سابقا، التحدي الأكبر أن تجد وجها واحدا، أقول واحدا، ينتمي لمكون الوفاء للديمقراطية أو مكون الديمقراطيين المستقلين خارج هذا الأرضية أو يعارضها، هذه ملاحظة فقط لمن ينعت الآخرين بـ"القبيلة" و"عبادة الأشخاص"...
 
لابأس إذن، في ظل غياب ما يناقش، من إنعاش ذاكرة مناضلات ومناضلي الحزب الاشتراكي الموحد بسياق هذه الخطة التنظيمية، التي تأتي، ويا عجباه، عشية التحضير للاستحقاقات الانتخابية، التي من المفترض أن ينصب جهد الجميع فيها، في حين فضل "الوحدويون" خلق اصطفاف تنظيمي جديد داخل الحزب وإلهاءه واستنزافه داخليا مقابل التنسيق مع المكونين الآخرين للفدرالية في كل ما هو انتخابي، بل وتهريب ومصادرة القرار الانتخابي الحزبي لفائدة "تحالف الفدرالية الرباعي".
 
قبل المؤتمر الرابع للحزب تعرضت نبيلة منيب لهجوم حاد من طرف عناصر محسوبين على تيار/قبيلة الديمقراطيين المستقلين، والذي كان قد سبقه هجوم حاد على عمر "بلافريج" كما كانوا يسمونه، وكريم التازي عند التحاقه بالحزب، ومحمد الساسي، هذا الأخير الذي كانوا يصرحون بأن نبيلة منيب مجرد ظل له وهو الذي يحركها في الخفاء، تحول الهجوم بعد ذلك لبعد تنظيمي بسحب التوقيعات على أرضية الأغلبية، ثم عرقلة عقد المؤتمر والرغبة في تأجيله بأي ثمن.
 
عقد المؤتمر وتم تسريب لائحة سرية مغلقة لهذا التيار/القبيلة حضرت بليل فكان رد فعل المؤتمرين ضد هذا السلوك المنافي لقيم الوحدة التي بني عليها الحزب وكانت النتائج التي تعرفونها والتي ساهم فيها جميع من هم في المسؤولية اليوم.
 
كانت نهاية المؤتمر بمثابة إعلان لبداية استراتيجية الهدم لدى هذا التيار/القبيلة، كان الهدف واضحا كما صرح أحد قادته "لن تنجح هذه التجربة ولو على جثتي"! ومع الضعف التنظيمي الداخلي لهذا التيار/القبيلة كان البديل الأول الأمثل له لتحقيق استراتيجيته من الداخل هو الفايسبوك، وإطلاق حملات تشويه مستمرة ولكن موجهة ومضبوطة، تارة ضد المكتب السياسي ككل، وتارة ضد مكون من مكوناته، وتارة أخرى ضد أشخاص بعينهم لمحاولة عزلهم وإبعادهم من الحزب، وقد كان مجموعة من الشباب حطبا لهذه المعركة...
 
أما البديل الثاني، فهو التحالف من الخارج مع المكونين الآخرين في الفدرالية ضد الحزب وإعطائهما التزامات وضمانات بجر الحزب للاندماج ولو قسرا، لكن الشرط هو أن يأتي ضعيفا ومنهكا حتى لا يبتلع الفدرالية، وهذا ما كان قد عبّر عنه أمين عام أحد أحزاب الفدرالية عندما خاطب نبيلة منيب في اجتماع رسمي "علينا جميعا أن نتوقف عن تقوية أحزابنا وأن الأولوية لتقوية الفدرالية"، الموقف نفسه دعمه أحد قادة الحزب الآخر بالقول "الحزب الاشتراكي الموحد هو الوحيد الذي استفاد من الفدرالية"، كرد فعل على موجة الالتحاقات بالحزب بعد انتخابات 2016.
 
استمرت حرب الاستنزاف هاته لمدة طويلة ليقتنع في مرحلة ما قادة هذا التيار/القبيلة بأن اللحظة قد حانت للمرور إلى تفكيك تحالف الأغلبية، الذي أفرزه المؤتمر، فبدأت الاتصالات تتكثف بعمر بلافريج أولا، الذي كان أول من عانى من حملة التشويه من طرفهم، ليصلوا معه إلى اتفاق مرتبط بترتيبات مرحلة ما بعد الاندماج، ولأنه كان مؤمنا بمشروع الاندماج قرر الانخراط في المعركة راميا كل بيضه في سلتهم بعدما أوهموه بقدرته التنافسية الإعلامية لنبيلة منيب، والتي سيكون لها حتما انعكاس تنظيمي، قبل أن يصطدم بحقيقة الحزب التنظيمية وطبيعة مناضلاته ومناضليه فيتوراى إلى الوراء.
 
بعدها سيتم الاتصال بمحمد حفيظ، الذي بدوره عانى ويلات السب والتخوين من نفس عناصر التيار/القبيلة عندما تمت إضافة اسمه للائحة الخمسين في المؤتمر هو وزوجته من طرف نبيلة منيب شخصيا، وتم وصفه آنذاك بسفير الأمير هشام داخل الحزب، وكذلك عندما وقّع نداء "توقيف المقاطعة" الشهير، وكان الهدف طبعا شق صفوف أحد مكوني الأغلبية خاصة للمكانة الاعتبارية لحفيظ كنائب للأمينة العامة، اقتنع حفيظ بالعرض المقدم، وانخرط في المعركة بكل حماس، غير أنه أضاف إليها لمسة إعلامية خاصة عبر التسريبات المتتالية للإعلام، والضغط المستمر على الحزب في موضوع الفدرالية...
 
لتأتي بعد ذلك الحلقة الأخيرة من استراتيجية الهدم الداخلي باللعب على اختلافات التدبير العادية للأغلبية وتحويلها لتناقضات، بل والترويج لفكرة تغوّل "تيار اليسار المواطن داخل مؤسسات الحزب"، وخلق استقطابات داخل المكتب السياسي...
 
تغيرت شعارات وتكتيكات ومناورات هذه الاستراتيجية لكنها بنيت على عمادتين أساسيتين:
 
- عزل الأمينة العامة نبيلة منيب وإضعافها لعلمهم بأنها مصدر القوة داخل الحزب والقادرة على إعطائه دفعة تنظيمية قوية ولا يمكن إضعاف الحزب دون التخلص منها...
 
- اللعب على وتر الفدرالية والوحدة واعتبار نبيلة منيب ومكتبها السياسي في البداية وجزء منه في ما بعد هم المعرقلون لهذا المسار.
اليوم وصلت استراتيجية الهدم هاته لمرحلتها النهائية بخلق اصطفاف جديد وتقسيم الحزب إلى يمين مخزني تقوده منيب ويسار ممانع يقوده هذا التيار/القبيلة، الذي أعد العدة للإعلان عن نفسه رسميا ولكن بتحالف مع من طالما اعتبرهم حركة اتحادية يمينية داخل الحزب وفق منطق "عدو عدوي صديقي".
 
بعد اللقاء، الذي عقده الأخ الساسي مع الهمة سنة 2007، خرج بتصريح بليغ وهام جدا قال فيه "يخطئ من يعتقد بأن الدولة ليس لديها استراتيجية، بالعكس لديها استراتيجية ورؤية واضحة، لكننا كحزب لدينا استرتيجية مغايرة لها"، لذا لا يمكن نفي أن هذا التيار الجديد لا استراتيجية له، ولكن ما هو مؤكد أن لنا استراتيجية مغايرة تماما، وهي بناء الحزب وتقويته وحماية خطه السياسي ومشروعه المجتمعي التغييري الحقيقي.