الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الحزب الشيوعي الصيني من ماو إلى شي.. 100 عام من العمر.. 100 عام من النضال المستمر

 
أحمد نشاطي
 
 
100 عام من العمر
72 عاما في الحكم
100 مليون عضوة وعضو
هذه الأرقام، حتى دون استقراء دلالاتها، تعبّر عن ثورة حقيقية، واستثنائية، في مسيرة عظيمة لأعرق وأكفأ وأقوى حزب شيوعي في العالم... إنه الحزب الشيوعي الصيني...
أن تكتب عن الصين، وعن الحزب الشيوعي بالذات، هو نوع من الكتابة عن الذات، عن جيل من اليسار المغربي تكوّن وتأثّر بتجربة الحزب الشيوعي الصيني، وبفكره وفلسفته وسياساته، وباجتهاداته، في التكتيك وفي الاستراتيجيا، التي ستبقى موشومة في الذاكرة وفي الروح...
في تدوينة فايسبوكية قديمة من تلك الشهور الفبرايرية، كنت كتبت في رد على من يههم الأمر: "أعتز أيّما اعتزاز أن الظروف أسعفتني لأتتلمذ على جزء من تراث العظيم ماو تسي تونغ، وعلى أمثاله الكبار، وليس على المجرم ابن تيمية، أو الظلاميين سيد قطب أو حسن البنا، أو على خرافات صحيحي مسلم والبخاري"...
كانت الماركسية اللينينية تُسلّحنا برؤية أخرى، علمية وفكرية وطبقية، لفهم العالم، وجاء الكبير جوزيف ستالين ليمكّن التنظيمات الشيوعية من الأداة التنظيمية، الكفيلة بتحصين الذات أمام اختراقات وضربات الأعداء الطبقيين والسياسيين، إذ يعود له الفضل في بلورة الهيكل التنظيمي، الذي اعتمدته الأغلبية الساحقة من أحزاب اليسار، والذي ينبني على "المركزية الديمقراطية"...
إذا كان لينين أعطى للماركسية بُعدها السياسي والاقتصادي، وستالين أعطى للينينية مخرجها التفسيري وبُعدها التنظيمي المركزي، فإن ماو هو الذي أعطى للماركسية بعدها الديمقراطي فكريا وسياسيا واقتصاديا وتظيميا، فالماوية هي التجسيد الحي والمتقد لأرقى ما وصلت إليه الماركسية اللينينية، وبسبب هذا البعد الديمقراطي، كانت تحدث الخلافات مع الأحزاب الشيوعية الكلاسيكية، التي كانت أغلبيتها تحت همينة الحزب الشيوعي السوفياتي آنذاك... لم يكن بمقدور أي حزب شيوعي تقليدي أن يوجّه ولو نقدا خفيفا للأب، الحزب الشيوعي السوفياتي، في حين كان جزء كبير من اليسار الجديد يجد نفسه أقرب إلى الماوية، ولا يتردد، عند الحاجة، في توجيه النقد الصريح للحزب الشيوعي السوفياتي...
هذا اليسار وجد ضالته في ماو تسي تونغ، وكنا نتباهى بماركسيتنا بكثير من الاعتزاز، ونردد مقولة ماو: "في صيف 1920، أصبحت ماركسيا في النظرية، وأيضا، إلى حد ما، في الممارسة. وانطلاقا من هذا الوقت، اقتنعت بأن الماركسية تقدم تفسيرا صحيحا للتاريخ، فلم أتردد أبدا بعد ذلك..."، وبعدها بسنة، في يوليوز 1921، كان ماو وثلة من رفاقه الماركسيين يؤسسون الحزب الشيوعي الصيني...
كانت قوة فكر ماو تسي تونغ هي التحفيز على إعمال العقل والنقد، وعلى العطاء بكل نكران الذات، ما زلت أستحضر إحدى مقولاته حرفيا، إذ استعملتها في غير ما مناسبة، تلخص هذا البعد الديمقراطي في بناء التنظيم السياسي، يقول ماو تسي تونغ: "لا يستطيع الحزب الشيوعي الصيني، وهو يخوض هذا النضال العظيم، أن يحقّق النصر إلا إذا دعا جميع أجهزته القيادية وجميع أعضائه وكوادره إلى بذل أقصى ما لديهم من الحماس.. وهذا الحماس يجب أن يتبلور في قدرة الأجهزة القيادية والكوادر والأعضاء على العمل الخلاّق، وفي استعدادهم لتحمّل المسؤولية، وفي الحيويّة الدافقة التي يظهرونها في أعمالهم،، وكذلك في شجاعتهم وحنكتهم في إثارة الموضوعات وإبداء الاّراء والملاحظات ونقد النقائص، في ممارسة المراقبة الرفاقية على الأجهزة القياديّة والكوادر القياديين... وإلاّ، كان حماسهم شكلا بلا موضوع.. بيد أن إظهار هذا الحماس يتوقّف على تنمية الديمقراطية في حياة الحزب.. فإذا لم تتوفّر الروح الديمقراطيّة في حياة الحزب، فإن غرض إظهار الحماس لن يتحقّق.. وكذلك لا يمكن تكوين أعداد كبيرة من الكوادر الأكفّاء إلاّ في ظلّ الحياة الديمقراطيّة..."...
هنا قوة الحزب الشيوعي الصيني، وهي قوة مستمدة من عدة عوامل مركّبة، من ضمنها قادته، الذين يعتبرون من كبار المفكرين والسياسيين، وهذه القوة هي التي يجسدها، اليوم، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، شي جين بينغ، الذي سيعطي للماركسية معناها الإنساني والاجتماعي والتنموي، ولن نبالغ إذا قلنا إن هذا البعد المتعدد هو السر وراء الثورة الجديدة، التي تعيشها الصين اليوم، في شتى المجالات، ثورة جعلت من الإنسان هو المبتدأ والمنتهى، الذي لا يترك الرئيس شي جين بينغ فرصة دون بلورتها، في الفكر والنظرية والممارسة، من خلال شعار "الشعب أولا.. والحياة أولا"...
الحزب الشيوعي الصيني ليس مجرد هيئة لتأطير المواطنين الصينيين، بل هو قوة اقتراحية بيد الدولة والمجتمع معا، في المؤتمر الوطني الأخير، التاسع عشر (2017)، للحزب الشيوعي الصيني، بلور الشيوعيون الصينيون مخططا لبناء دولة حديثة اشتراكية قوية، وفي مؤتمرهم المقبل، العشرين، سيسائل الشيوعيون أنفسهم عن مخططاتهم، وعن الأهداف التي رسموها لمستقبل الصين والعالم، وسيكون بإمكانهم أن يحسوا بالفخر والاعتزاز لما صنعته أيديهم...
الحزب الشيوعي الصيني، سيبلغ عمره يوم فاتح يوليوز 2021، مائة عام بالكمال والتمام، ليجد نفسه أكبر وأرقى وأقوى حزب في العالم، لقد رأى النور في عام 1921، ليتطور من حزب صغير يتألف من 50 عضوا، إلى أكبر حزب حاكم على مستوى العالم، يضم في صفوفه أكثر من 100 مليون عضوة وعضو، وتتحلق حوله الأغلبية الساحقة من جماهير الشعب الصيني العظيم، ويرافق، عن كثب، مواطنيه في كل مواقع وجودهم، في المدن والأرياف، ويشارك الجميع في خلق التنمية والتخلص نهائيا من الفقر المدقع، وفوق هذا وذاك، أضحى الحزب يرافق شعوب العالم بإنجازاته المثمرة والمتلاحقة، التي تساهم في تنمية الدول، ومساعدتها على مواجهة مشكلاتها التنموية، دون أي اعتداء على الدول ونهب ثرواتها، ومع ذلك، تحقق الصين معدلات قياسية في التنمية المجتمعية...
هذا الوضع يؤكد أن وجود الحزب الشيوعي الصيني هو ضرورة قصوى، سواء للصينيين، باعتباره حزبا قائدا من المستحيل، في غيابه، أن تنضبط الصين وتصبح دولة بهذه القوة، أو سواء للعالم من أجل خلق حد أدنى من التوازن لحماية الدول المتوسطة أو الفقيرة من الاستغلال الفاحش الذي تمارسه الرأسمالية المتوحشة...
لكل ذلك، يقدّم الحزب الشيوعي الصيني نموذجا ناجحا في التسيير والتدبير والتأطير، وفي قيادة الدولة والمجتمع، وفي تحقيق ازدهار مضطرد للاشتراكية، والحجر الأساس في هذا النجاح، موجود أيضا في وضع شي جين بينغ فى القلب من الحزب، وضع قدّم قيمة مضافة للحزب، وللمصالح الأساسية للدولة الصينية، وجعل الحزب يلعب دوره بالكامل الممكن كحزب ماركسي حاكم يتسم بالقوة والفعالية والخلق والإبداع في قيادة الصين لتكون الدولة الأكثر تأثيرا في العالم بنموذجها الفكري والسياسي والتنموي والميداني.
وفضلا عن كل ما تقدم، فإن الإقرار بوضع شي جين بينغ فى القلب من اللجنة والحزب، هو أصلا انعكاس للإرادة المشتركة للحزب الشيوعي الصيني، وللجيش الصيني، وللشعب الصيني بمجموعاته العرقية المتعددة...
في أول خطاب شعبي له عقب انتخابه أمينا عاما للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر عام 2012، قال شي: "لكي تطرق الحديد، يجب أن تكون قويا". وذلك ما كان، لقد حفّزت كلمات شي جين بينغ الحزبَ بأسره لتنفيذ الإصلاح الذاتي، مما أمّن له النجاح في مواجهة تحديات التنمية في الصين، فقد قضى الحزب والدولة نهائيا على الفقر، فالصين، اليوم، من دون فقراء، وتمضي قدما لتحقيق المزيد من الرفاه والرخاء، وحين بلور الحزب الشيوعي الصيني تصورا مجتمعيا ينبني على "المصير المشترك للبشرية"، وعلى تدعيم مبادرة "الحزام والطريق"، فهذا، أيضا، تأكيد على إرادة الحزب الصادقة والعميقة على مشاركة فوائد التنمية الصينية مع العالم.
هذه الصورة الجديدة للصين اليوم، يعود الفضل الكبير في تبلورها إلى وجود شي جين بينغ، في قيادته للحزب وللدولة، وتأمينه لمستوى متقدم من الانسيابية والفعالية والسرعة والمردودية في تدبير الحكم أو السلطة، مع مواجهة صارمة لكل سلوكات البيروقراطية وسوء التسيير والفساد... فضلا عن تمكين الحزب من مثلثه القوي الضارب: أولا، المواكبة الفاعلة والمستمرة للعصر في كافة المجالات، وثانيا، القدرة على المراجعة المتواصلة لاستراتيجياته وخططه لضمان التنفيذ السلس لها، وثالثا، الانضباط التام لأعضاء الحزب والمواطنين...
لكل ذلك، من الطبيعي أن يحقق الحزب الشيوعي الصيني، وفي القلب من لجنته المركزية الأمين العام شي جين بينغ، نجاحات باهرة وساحقة في شتى المجالات...
في مقال مقبل، نتوقف عند آخر نموذج لهذه النجاحات، من خلال النجاح المشهود في المعركة ضد وباء كوفيد-19، وبعدها ننتقل إلى معركة الفقر...