الزعيم عبد الرحيم بوعبيد بين بَوْحَيْن للمرادي وبوعيش.. ماذا جرى حتى تشتت حزب القوات الشعبية؟
الكاتب :
جلال مدني
جلال مدني
حلت، يوم أمس الجمعة 8 يناير 2021، الذكرى 29 لرحيل القائد الاتحادي الفذ السي عبد الرحيم بوعبيد، الذي ترك مدرسة حقيقية في السياسة وفي أخلاق الممارسة السياسية، مدرسة نجد جذورها ممتدة على طول وعرض امتداد الوطن، وامتداد النضال الديمقراطي، وامتداد نسائه ورجاله هنا وهناك...
يقول عبد الرحمان اليوسفي في وقفة تأبينه، وتشييع جنازته، التي حج إليها المغاربةمن كل فج عميق، ومن كل تلاوين الطيف السياسي المغربي: "إن سر نجاحك في ترسيخ حزب الصامدين في هذه البلاد هي أخلاقك العالية، تجردك المثالي، إيمانك العميق بالقيم الديمقراطية والإنسانية، قدرتك على المقاومة والصمود، رصيدك ومصداقيتك في الوطن وخارج الوطن"...
روح هذه الكلمات القوية، وجدتها أمس لدى الكاتب والناشر والفاعل المدني والسياسي، حميد أحمد المرادي، في تدوينة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وهو يستحضر واقعة تاريخية تسلط الضوء على جزء مما جرى في فترة التشظي والانشطار، بين "الإخوة" و"رفاق الشهداء" داخل حزب القوات الشعبية. إذ كان المرادي أحد الذين عاشوا وتلظوا مرارات هذه الفترة الدقيقة من الحياة السياسية المغربية...
♦♦♦
هذه الواقعة نجدها في مقطع من كتاب "الرحلة المرادية إلى بيكين الصين الشعبية"، الصادر سنة 2017، يقول فيها حميد أحمد المرادي:
"(...) ولكن آخر مرة قابلت فيها القائد عبد الرحيم بوعبيد، قبل أحداث 20 يونيو 1981، حيث زارني الرفيق المرحوم الصادق العربي الشتوكي، وأخبرني بأن عبد الرحيم بوعبيد يريد أن يلتقيكم كـ"رفاق الشهداء"، وهي التسمية التي كنا قد اخترناها للائحة ما كنا نسميه آنذاك بيسار الاتحاد الاشتراكي، اتفقت مع المرحوم الصادق العربي الشتوكي أن أصطحب معي من اللجنة الوطنية لرفاق الشهداء محمد بوشطو، وذلك ما كان، حيث ذهبنا إلى دار القائد عبد الرحيم بوعبيد في أكدال، أدخلنا الحارس إلى الصالون، حضر القائد متواضعا، ناقش معنا وضعية الشبيبة الاتحادية آنذاك، عبّرنا عن موقفنا من كل ما يجري من أحداث، فكانت الخلاصة: سيذهب عبد الرحيم بوعبيد لإجراء عملية جراحية على عينيه، في فرنسا، وحين عودته ستتم الدعوة لمؤتمر استثنائي للشبيبة الاتحادية، وستتم هيكلة الشبيبة على أسس القواعد الديمقراطية".
وهنا وقف المرادي عن البوح، ليستطرد "انتصرت إرادة تشتيت حزب القوات الشعبية بالكثير من الأيدي، وأتت الرياح في اتجاه ليس بالضرورة هو الاتجاه الصحيح". قبل أن يخلص إلى القول "ما زلت أحمل أجلًّ الاحترام لذالك القائد، الذي مارس السياسة ضمن مشروع اتفقنا أو اختلفنا معه، لكنه مارسه بديمقراطية قلًّ نظيرها..."...
♦♦♦
ومن محاسن الصدف، أن تجد هذه التدوينة من يكمل خلاصتها، ويلقي أضواء على بعض جوانبها، حين علّق عليها الكاتب والمناضل السياسي والحقوقي، مسعود بوعيش، أحد الذين لعبوا دورا حيويا في تحصين موقع ومكانة الشبيبة الاتحادية، داخل الحركة الطلابية، وعانى الأمرين، من الملاحقات إلى أقبية الظلام وراء القضبان.
♦♦♦
يقول بوعيش في تعليقه على تدوينة المرادي:
"الراحل الأخ الاستاذ الصادق العربي الشتوكي حكى لي تفسيره لماذا جرى ما لم يكن متوقعا..
كان ذلك في النصف الثاني من الثانينيات، بمستشفى أندري ماندور بضواحي باريز (كريتاي 94)، حينما كان الصادق العربي الشتوكي نزيلا به لأجل العلاج.. يقول الشتوكي إن السي عبد الرحيم كان استفسر عن نتائج الانتخابات الطلابية لدى المؤتمر السابع عشر، وأخذ علما بما عرض عليه دون تعليق، إذ قال (طيب، أنا أستعد للسفر إلى الخارج لإجراء فحوصات طبية.. وبمجرد عودتي، سنتابع هذا الموضوع...).
قد يكون خبر اللقاء تسرّب خارج القنوات التنظيمية، فبرزت اختلافات من عدة أطراف... قد تكون الرهانات بعد أحداث 20 يونيو 1981 ومستجدات مؤتمر نيروبي 1 وانعقاد المؤتمر الوطني السابع عشر...
المهم خلص الراحل الصادق العربي الشتوكي في تفسيره إلى أن دخول لائحة الطلبة الاتحاديين موحدة إلى المؤتمر السابع عشر له أثر على الرهانات المتناقضة خارجيا، وله تأثير على الديناميكية الداخلية للحزب... وحسب تأويله وقراءته: لو حصل ذلك اللقاء الثاني المتفق عليه بعد عودة السي عبد الرحيم من باريز ستكون النتيجة مغايرة للمؤتمر 17، ولما حصل ما جرى على المستوى الحزبي يوم 8 ماي 1983..."...
♦♦♦
هذا البوح، الذي يخرج إلى العلن هنا وهناك، أليس من الأفضل أن تُرفع السرية عن مجموع الملفات المتعلقة بما جرى لتشتيت حزب القوات الشعبية؟
سؤال يجد راهنيته في ضرورة التحول نحو السرعة القصوى لبناء المغرب الجديد، مغرب الحداثة والديمقراطية...
ولأن ما تم الترويج له تدحضه يوما بعد يوم الأحداث على لسان بعض صانعيها...
ولذلك، من حق التاريخ علينا أن نعرف ما الذي جرى حقيقة...