الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني والشيخ الشعراوي

حينما فاجأ الحسن الثاني الشيخ متولي الشعراوي في بيت جنراله ليلا بالهرهورة واستماعه لشرح سورة الفاتحة

 
إنصاف الراقي
 
كان الملك الراحل الحسن الثاني بحسب الذي عايشوه عن قرب، شغوفا باستضافة كبار العلماء في قصره، والنهل من معين فقههم والارتواء من شهد معرفتهم الدقيقة بأصول الدين.. فإلى جانب استضافته للعديد من الفقهاء، من مختلف الجنسيات، استقبل أيضا فضيلة الشيخ الراحل متولي الشعراوي، وهو أحد أكبر علماء الإسلام في العصر الحديث، وكان وقتئذ وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر الشريف، فأصبحت علاقته بالمغرب وطيدة أكثر، حيث ظل يتردد على المملكة بين حين وآخر.
ذات مرة، زار الشعراوي المغرب ووقف بين يدي الملك، وكانت المرة الأولى التي يحط فيها رحاله بالمملكة، لكنه فاجأ الحسن الثاني بطلب رآه الملك غريبا بعض الشيء، حيث طلب منه زيارة ضريح المعتمد بن العباد في أغمات بنواحي مراكش، وزيارة قبر الوالي الصالح سيدي عبد السلام بن مشيش، إضافة إلى زيارة "سبعة رجال" في مراكش.. وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا، عجب الحسن الثاني أن يقوم شيخ كبير ذاع صيته في العالم بأسره بزيارة القبور والأضرحة، قبل أن يعلم أن الشعراوي من مريدي الطريقة الشاذلية، وأنه سبق له أن حفظ كثير من أوراد الشيخ أبو الحسن الشاذلي، لذلك، وضع الحسن الثاني مروحية خاصة رهن إشارة الشعراوي، وكلف وزير القصور الملكية والتشريفات والأوسمة آنذاك، الجنرال مولاي حفيظ العلوي أن يرافقه لزيارة الأماكن التي يرغب فيها..
بعد هذه الزيارة، كان الشعراوي وفق المعطيات ذاتها قد اشتد عليه المرض في مصر، وكان يعاني آنذاك من مرض الربو، فنصحه البعض أن يحل بالمغرب، وأن يستقر مؤقتا بشاطئ الهرهورة.. لذلك، حل الشيخ بالمملكة، وأقام في منزل صغير، لكن عندما علم الجنرال مولاي حفيظ العلوي بوجوده في المغرب استدعاه لتناول وجبة العشاء في بيته، وهكذا لبى الشيخ الدعوة بالنظر إلى وجود علاقة سابقة بين الرجلين، تعود إلى تلك اللحظات التي رافقه فيها لزيارة بعض الأضرحة في المملكة..
حضر الشيخ الشعراوي إلى بيت الجنرال وكان معهم رجل ثالث هو محمد التازي.. تناول الثلاثة وجبة العشاء، لينطلق الشعراوي في شرح المعاني الحقيقية لكلمة "بسم الله الرحمان الرحيم (البسملة)"، وأخذ يطوف من مصدر إلى آخر، مبينا فضلها وأجرها وأحاديث العلماء حولها.. فجأة، تقول المعطيات ذاتها، دخل عليهم رجل رابع لمشاركتهم الحديث، ولم يكن سوى الملك الحسن الثاني، وكان يرتدي جلبابا أبيض و"رزه" خضراء، فعانق الشيخ قبل أن يلومه عن عدم إخباره بمجيئه، ليعرض عليه الانتقال من الشقة البسيطة في شاطئ الهرهورة والإقامة في "فيلا" مجهزة على شرفه، لكن الشيخ اعتذر، بداعي أنه سينتقل إلى العاصمة البريطانية لندن للقيام ببعض الفحوصات الطبية..
كان الحسن الثاني مهووسا بمجالسة العلماء الكبار وإكرامهم أيضا، لذلك، بمجرد توصله بخبر وجود الشيخ الشعراوي ببيت جنراله مولاي حفيظ العلوي، حتى ألغى كل مواعيده في تلك الليلة، وغير هندامه، وتوجه سريعا إلى بيت الجنرال بمفرده.. هدفه الوحيد هو قضاء وقت ثمين مع شيخ يعد واحد من كبار علماء الإسلام في عصره.. لذلك، لما تأكد أن الشيخ سيغادر المملكة في اتجاه لندن، جلس الحسن الثاني على كرسي في الصالون وقال للشيخ "أتمنى أن تكمل حديثك"، فاسترسل الشيخ حديثه حول البسملة وقال "كنت أقول يا جلالة الملك، إن سورة الفاتحة اشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء وهي، الله والرب والرحمان، وأبرزتِ السورة، الإلهية والربوبية والرحمة، فإياك نعبد مبني على الألوهية، وإياك نستعين مبني على الربوبية، وطلب الهداية مبني على الرحمة".. وكان الحسن الثاني وفق المعطيات نفسها مشدوها بشرح الشعراوي لسورة الفاتحة..
إنه الشغف للعلم من ملك حير كبار الفقهاء، بالرغم من كونه لم يكن يضيع الفرص لنهل الفقه من أصوله، خاصة وأن الراحل الشعراوي يعتبر من مفسري القرآن في العصر الحديث، وأكثر العلماء خطابة وشعرا واسترسالا في اللغة من خلال الكلمات المسجوعة.. وهذا ما كان يهيم فيه الحسن الثاني.