الحسن الثاني الفقيه الذي حيَّر الفقهاء.. كان يقرأ ما في العقول وهكذا فاجأ كبير شيوخ تونس بامتحان عسير
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
لفهم سر الإلمام الواسع للملك الراحل الحسن الثاني بأمور الدين، ينبغي الإحالة في البداية إلى ما قاله أحد رموز الفكر الإخواني في تونس الشيخ عبد الفتاح مورو حول الحسن الثاني.. وهذا الشيخ بالمناسبة ذراع من أذرع تنظيم الإخوان المسلمين، ويشغل منصب نائب رئيس حركة النهضة، كما تقدم للانتخابات الرئاسية التونسية التي فاز بها قيس السعيد، كنوع من التكتيك.
ذات مرة كان يتحدث عبد الفتاح المورو عن أحد الشيوخ الكبار الذين تفضلوا بإلقاء درس حسني أمام الحسن الثاني، فاستدرجه الحديث بتلقائية ليقدم شهادته حول الملك الراحل الحسن الثاني، فقال عنه "كان فقيها وعالما وذكيا وجهبذا، هذا الرجل قبل أن تتكلم سيجيبك عما ستقول.. عجيب، عجيب جدا، فهو ألمعي، يقرأ في عقول الناس"...
مناسبة هذا القول، هو أن مورو حضر ذات مرة إحدى الدروس الحسنية التي ألقاها الشيخ محمد الفاضل بن عاشور أمام الحسن الثاني، وكان هذا الشيخ الذي توفي سنة 1970، أحد اكبر علماء تونس في القرن العشرين.. وحسب مورو، كان الشيخ بن عاشور أول المشاركين في الدروس الحسنية، التي كان يشرف عليها المرحوم الحسن الثاني، وحدث أن أحبه الملك..
لكن لماذا أحبه؟ يتساءل مورو، قبل أن يجيب، أن الحسن الثاني كان فقيها وعالما وذكيا وجهبذا يقرا ما في عقول الناس فيجيبهم بما يودون قوله قبل أن ينطقوا به، وهو ما دفعه إلى وصف ذلك بالعجب العجاب.
عموما أحب الحسن الثاني الشيخ بن عاشور بعدما سوَّدَ بعض علماء المغرب المحيطين بالملك صورة الشيخ عند الحسن الثاني.. يقول مورو إن الملك "أحبَّه.. لأنه أمام الحظوة التي لقيها من العلماء، أوعز بعض علماء المغرب إلى الملك أن هذا الرجل ليس عالما، وأنه مجرد ناقل للكلام فقط، فلماذا هذه الحظوة؟ فأراد الملك أن يمتحنه".. وقبل ليلة من إلقائه الدرس الحسني، حدد له المشرفون موضوعا ليعده، وهكذا، لما صعد الشيخ بن عاشور المنبر في اليوم الموالي ليلقي الدرس الذي أعدَّه ليلا، وقال بسم الله الرحمان الرحيم، استوقفه الملك أمام الجميع، وذلك ليختبر فقهه، وأيضا ليختبر صدق العلماء الذين استصغروا الشيخ أمامه.. فقال له "يا فضيلة الشيخ، حصل بيني وبين السادة العلماء خلاف في مسألة معينة".. وأتى له الحسن الثاني على حين غرة بمسألة من خفايا علم الأصول، منسية لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، فسأله "ما هو القول السديد في هذا؟" ليجيبه الشيخ بن عاشور حسب مورو "بسم الله الرحمان الرحيم، ولم يتوقف الشيخ إلا بعد ساعتين اثنتين، بعد أن قرَّر المسألة بأصولها وفروعها وتفاريعها وردود العلماء فيها، كما أحال على الكتب التي نقلتها كما لو أنه يقرأ في كتاب"، فكانت ردة الفعل حسب مورو أن وقف الحسن الثاني شخصيا وتوجه إلى المنبر، فقبل الشيخ بن عاشور من رأسه.. وكان ذلك بمثابة تكريم للشيخ بن عاشور، لأن الحسن الثاني لم يكن قد اختبر الشيخ بقدر ما اختبر العلماء الذين استصغروه في حضرته.. وهذا دهاء خارق من الفقيه الحسن الثاني.