الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الحسن الثاني والبابا يوحنا بولس الثاني

الذكاء الخارق للحسن الثاني.. وصف نفسه بـ"زعيم الضالين" والبابا بـ"زعيم الكافرين" وخرج من مأزق كبير

 
حسن عين الحياة
 
كان الملك الراحل الحسن الثاني، بحسب الذين عايشوه عن قرب، على دراية واسعة بأدق الجزئيات في الدين الإسلامي، بل وحتى الديانات الأخرى، بالقدر الذي جعله محط إعجاب كبير من قِبل "بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني" حين قضيا زهاء ساعة زمنية معا في حديث ثنائي حول الإسلام والمسيحية.
وكيف لا يقطف الملك هذا الإعجاب، وهو الذي قرأ الأناجيل بكل مصادرها. وهنا قال الحسن الثاني ذات مرة "لقد قرأت العهد الجديد وجزءا من التوراة وزابور داوود وحِكم سليمان وزكرياء، ويمكنني أن أقول إن الإنجيل الذي فهمته جيدا أكثر من جميع الأناجيل الأخرى، هو أنجيل سان ماتيو".
لم يحير الملك الراحل الحسن الثاني فقهاء وعلماء الإسلام وحدهم، بل حيَّر حتى بابا الفاتيكان "يوحنا بولس الثاني" أيضا.. فعندما زار الملك هذا البابا في ثمانينيات القرن الماضي بمقر الفاتكيان، أحدث للمسؤولين هناك خلالا في البروتوكول، حيث أصروا على أن يستقبله أولا كاتب الدولة "المونسنيور كازارولي" كما جرت العادة بالنسبة لضيوف مقر عاصمة المسيحيين في العالم. وكان أن تقدم إلى الحسن الثاني أحد المسؤولين آنذاك بالقول "تعلمون يا صاحب الجلالة أن جميع رؤساء الدول يفعلون هكذا، فإذا لم يتم الأمر على هذا النحو فسيخلق سابقة"، فلم يكن الملك ليقبل بهذا الأمر ليجيب الحسن الثاني بدهاء "بالفعل، ليست هناك سابقة، إنها المرة الأولى التي يزور فيها الفاتيكان رئيس دولة إسلامية، فضلا عن كونه سبط الرسول وأمير المؤمنين. إنني جئت هنا لأقابل البابا وليس المونسنيور كازارولي الذي يمكنه أن يلتحق بنا فيما بعد".. وبالفعل استقبل البابا الحسن الثاني دون أن يمر من مكتب المونسنيور، لتكون سابقة في تاريخ الفاتيكان.
الأكثر من ذلك، أنه خلال زيارة البابا يوحنا بول الثاني المغرب سنة 1985، طُرح مشكل عويص بالنسبة للحسن الثاني، ولم يكن يخرج من هذا المأزق لو لم يكن خارق الذكاء، مسجلا بذلك سابقة أخرى تضاف إلى سابقة الفاتيكان. فحينما قدم الأسقف المكلف بحماية البابا والتحضير لزيارته للمغرب، قال للمسؤولين المغاربة "إن البروتوكول يقتضي أن يدخل البابا وحده إلى ملعب الدار البيضاء" وهذا طبعا لن يقبل به الحسن الثاني، وكان البابا وفق الاتفاق سيلقي خطابا لوحده بمركب محمد الخامس، وأضاف الأسقف للمسؤولين المغاربة "هذا أمر يجري في كافة البلدان التي يزورها قداسة البابا".
وبهذا الخصوص قال الملك حول هذه الواقعة "لقد وُضعت بذلك مصالح التشريفات والأمن عندنا في موقف حرج، لذلك، ردت عليه بقولها : (يتوجب علينا أن نستشير جلالة الملك في هذا الأمر)". فكيف خرج الحسن الثاني من هذا المأزق؟
استقبل الحسن الثاني الأسقف في قصره، وقال له بطريقة لبقة غاية في الدهاء "مونسنيور، لا يوجد سكان مغاربة مسيحيون، إذن أصغوا جيدا لما سأقوله لكم، فنحن نمثل بالنسبة إليكم أناسا ضالين، بينما نحن نعتبركم كفارا، فكيف تريدون أن يدعو زعيم الضالين السكان للخروج لتحية زعيم الكفار. هذا أمر مستحيل" يقول الملك، قبل أن يضيف، فسألني الأسقف "أليست لديكم سيارة مصفحة" ليجيبه "لا. أبدا أنا لا أركب سيارة مصفحة".. وهكذا توصل الأسقف والملك إلى حل وسط، يقول الحسن الثاني "امتطينا سيارتين من طراز مرسيديس 600 سقفاها قابلان للانفتاح، وتقرر أن يستقل البابا واحدة واستقل أنا الأخرى، على أن نسير جنبا إلى جنب مسبوقين بفرقة من رجال الأمن الممتطين لدراجات نارية".
بمجرد ما أذيع الخبر "حتى احتشد مليونا نفر على جنبات الطريق الذي سيمر منه الموكب الملكي انطلاقا من القصر الملكي بالدار البيضاء إلى ملعب محمد الخامس، حيث تجمع مائة ألف شاب كانوا في غاية الانسجام والتجاوب"، يقول الحسن الثاني، ليضيف إن البابا فوجئ بهذا الاستقبال، حيث قال للملك "مواطنوكم يفهمون جيدا اللغة الفرنسية، فقد تتبعوا خطابي بدقة". وكانت الجماهير بـ"سطادنور" قد صفقت بحرارة للبابا آنذاك.. وتعليقا على هذا الحدث قال الحسن الثاني "وهكذا تمكن زعيم الضالين من استقبال زعيم الكافرين وشرفه أعظم تشريف".