الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني

الملك الفقيه.. ألقى درسا حول قيام الساعة واستشهد بـ"إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها" فحيَّر كبار الفقهاء

 
حسن عين الحياة
 
لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني مجرد منصت لدروس العلماء والفقهاء ممن كانوا يتناوبون على إلقاء الدروس في حضرته كل شهر رمضان، فقد سبق له أن ألقى بنفسه دروسا خلال سلسلة الدروس الحسنية التي كان يقيمها بقصره.
وإلى جانب الدرس الذي ألقاء سنة 1966 حول حديث "من رأى منكم منكرا فليغيره" قام الحسن الثاني أيضا بإلقاء درس كبير ومتشعب حول قيام الساعة، وكان ذلك في نهاية الدروس الحسنية في رمضان 1978.
لقد تمكن الملك يومها من إبهار كبار العلماء والفقهاء الذين حضروا من كل صوب وحدب، خاصة وأن الدروس الحسنية لتلك السنة، عرفت إلقاء علماء كبار دروسا في حضرة الملك، أبرزهم الشيخ المصري متولي الشعراوي وعبد الله كنون أمين عام رابطة علماء المغرب آنذاك، والدكتور الحبيب بلخوجة مفتي الديار التونسية وغيريهم من العلماء. وانطلق الحسن الثاني في درسه ذاك من الآية الكريمة "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت".. وقال الحسن الثاني في بداية حديثه "كان في إمكاني، وفي وسعي أن لا أقوم بأي حديث في هذا الشهر المبارك، كما كان في وسعي أن أختار آية غير هذه الآية، ولكن، ارتأيت أن أدلو بدلوي، حتى أجعل شباب جيلي والشباب المقبل موقنين ومؤمنين بأن الازدواج أو التثليث في اللغة، والتثقيف والتكوين لن يكون عرقلة بين المسلم والمعرفة، بل سيكون جسرا يمكن لطالب العلم أن يسير عليه آمنا من الزلل مطمئنا بعون الله وقدرته على معرفته وحسن معرفته"، قبل أن ينطلق في الشرح بطريقة الفقهاء الكبار..
وقال الملك في درسه الطويل، إن علم الساعة بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن الله فتح لنا حتى في هذه الآية أبوابا ليمكننا ألا نقع في ساعات بشرية هي بيدنا، في انتظار الساعة الكبرى، الساعة الكونية.. ولكي يعمق من شرح الآية استهد بحديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث مع جبريل عليه السلام حول علامات الساعة "أن تطلع الشمس من مغربها، وأن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان".. هنا قال "الفقيه" الحسن الثاني "بهذه العلامات تكون الساعة أصنافا، فهناك الساعة الاجتماعية والأخلاقية، وهناك الساعة الكونية.. فالساعة الأخلاقية والاجتماعية هي أن تلد الأمة ربتها فتنعدم المقاييس والموازين، وتفسد الديار وتتخرب البيوت. وهذا بيدنا وبوسعنا أن نصلحه وألا نقع في الساعة الأخلاقية. وهناك الساعة السياسية وهي أن يُقَلد الناس أمورهم لغير المؤهلين، أي أن يقلدوا أمر المسلمين من ليس أهلا لها فاستشهد بالحديث الشريف القائل "إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فانتظر الساعة".. أما أن الساعة السياسية فهي حسب شرح "الملك الفقيه" تحل عندما تسند الأمور لغير أهلها. وكان الملك في هذا الدرس المرتجل، والطويل جدا، قد أسقط فيه علامات الساعة على مستجدات العصر، منتقلا من حديث إلى آخر، دون أن يغيب عنه الخيط الناظم للدرس، ما حير كبار العلماء آنذاك، الذين سارعوا إلى تهنئته، لأنه عالج الموضوع باستفاضة من كل فروعه.