مخيمات ما بعد كورونا ومستقبل الشراكة ما بين الوزارة وجامعة التخييم
الكاتب :
"الغد 24"
عبد المغيت المحافظ
بعد سنتين من توقف المخيمات الصيفية بسبب جائحة كوفيد 19، استأنف موسم التخييم صيف السنة الجارية بعد إعلان وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الشباب)، رسميا عن انطلاقته بشكل متأخر في أبريل 2022، وتحديد عدد المستفيدين منه في 250 ألفا، ورفع منحة التغذية إلى 50 درهما عوض 30 درهما، والكشف على شبكة المخيمات المفتوحة.
ومن بين الملاحظات المسجلة أن الوزارة قلصت مرحلة التخييم إلى 10 أيام فقط، وبعد ذلك بادرت إلى إحداث لجنة مشتركة مع الجامعة الوطنية للتخييم، تتولى تدبير مراحل التخييم، وتراجع أعداد المستفيدين إلى النصف مقارنة مع مرحلة ما قبل كورونا، انعكس على الحصص التي حددت للمنظمات التربوية الرئيسية بواقع الثلثين عما كان عليه الشأن خلال موسم 2019، أي من 3000 مقعد إلى 1000 مقعد، مما جعل هذه الهيئات غير قادرة على الاستجابة لطلبات فروعها، وبالمقابل حرمان عدد كبير من الأطفال من الأسر ذوي الدخل المحدود التي تعتبر المخيمات متنفسا لهم.
أما فضاءات التخييم فبدورها شهدت تقلصا من خلال عدم استغلال عدة فضاءات كانت ضمن شبكة المخيمات لهذه السنة، ليتم اغلاقها في وجه الأطفال لأسباب قد تختلف من فضاء لآخر (طماريس، الروماني، أجلموس...)، إضافة إلى إدراج "مخيمات الجيل الجديد" وبالموقع الرسمي لقطاع الشباب دون أن يتم فتحها (مخيم أكلو نموذجا). وزاد من تأزيم الوضع قرار الوزارة بعدم السماح باستغلال فضاءات قطاعات عمومية وخصوصية أخرى كما كان معتادا سابقا مما أدى إلى اكتظاظ عدة مراكز (الحوزية، الحاجب...).
في ظل هذه الوضعية، يستلزم التفكير في توفير فضاءات تستجيب للأعداد المتزايدة من المخيمين، مع تسجيل أن الأعداد المخصصة تبقى ضئيلة بالمقارنة مع عدد الأطفال المغاربة في سن التخييم، في الوقت الذي ظلت الجمعيات التربوية تطالب بالرفع من حمولة المخيمات بشكل يضمن حقوق الطفولة المغربية في التخييم.
ونتيجة هذا التراجع في أعداد المخيمين وتقليص فضاءات التخييم نتجت عنه عدة احتجاجات من طرف المنظمات التربوية وحتى المكاتب الجهوية للجامعة الوطنية للتخييم شريكة الوزارة، اتجه بعضها إلى التهديد بمقاطعة المخيمات (جهة الشرق وجهة سوس ماسة).
ويستشف من المواقف المعبر عنها في بلاغات رسمية أن هناك حيفًا طال بعض الجهات والمناطق التي لا تتوفر على فضاءات قادرة على استيعاب أعداد كبيرة للجمعيات المتواجدة بها، مما يطرح تساؤلات حول مدى التوازن في الفضاءات التخييمية بين الجهات.
وفي ظل هكذا وضع، أصدر المكتب الجامعي للجامعة الوطنية للتخييم، شريكة الوزارة في تدبير المخيمات، بيانا وصف فيه حصيلة البرنامج الوطني للتخييم لصيف 2022 بـ"السلبية بفعل الارتباك الذي صاحب عملية تدبير العرض الوطني للتخييم"، محملا القطاع الوصي مسؤولية "عدم ترميم وتأهيل مراكز التخييم خلال سنتي الإغلاق" بسبب فيروس كورونا، فضلا عن "تهميش دورها بشكل واضح ومقصود".
هذا الأمر يطرح تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين الجامعة الوطنية للتخييم والقطاع الوصي، منها هل يشكل هذا التوتر مقدمة لتخلي الوزارة على إشراك الجامعة في تدبير البرنامج الوطني للتخييم؟ وهل الوزارة مقبلة على إعداد سيناريوهات بديلة لشراكاتها وفي معالجة هذا الملف بعيدا عن الجامعة؟
فبغض النظر عن تداعيات هذه الوضعية، فإن مشكل المخيمات التربوية للأطفال بالمغرب يستوجب البحث عن حلول ناجعة بإشراك الجمعيات التربوية والفعاليات المختصة في الشأن التخييمي من أجل وضع تصور للعرض الوطني للمخيمات حاضرا ومستقبلا، يستحضر التحولات التي يعرفها الحقل التربوي والمجتمعي وتعبئة الامكانيات البشرية والمادية.
كما يتطلب الأمر ربط المخيمات بالسياسات العمومية، والعمل على ضمان مقعد تخييمي للأطفال المغاربة الذين هم في سن التخييم، لأن ذلك لن يتأتى إلا من خلال القيام بمبادرة وطنية تُعبَّأ لها الإمكانيات البشرية واللوجستيكية تساهم فيها كل القطاعات الحكومية، وإنشاء صندوق وطني لإنعاش المخيمات، بالموازاة مع إيلاء الاهتمام الكافي لورش تكوين أطر المخيمات التربوية بجعلها تنظم على طول السنة خلال العطل المدرسية وعدم اقتصارها فقط على العطلة الصيفية مع الالتزام بتدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية على مستوى الجهات، وذلك حتى يتسنى للجمعيات المهتمة بالتخييم المنتشرة في مختلف الجهات من الاستفادة من هذا النشاط التربوي وعدم اقتصارها على جهات دون أخرى كما هو واقع حاليا.
فالدراسات النفسية والاجتماعية، تكشف أن للمخيمات الصيفية دورا في بناء شخصية الفرد من خلال تربيته على كسب الاستقلالية والحوار والعمل الجماعي والاعتماد على النفس دون إغفال الجوانب الجسدية والصحية، أثناء ممارسة الأنشطة المختلفة داخل فضاءات المخيمات التربوية، والتعرف على مناطق مختلفة من وطنه سواء الجبلية او الشاطئية.