الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

كفى! الانسحاب من مؤتمر "الوطنية للتعليم" فعل ديمقراطي مسؤول ومضاد لعقلية الاستبداد

 
محمد المرابط
 
أعتقد أن انسحاب الرفاق من مؤتمر "الوطنية للتعليم" هذا، فِعلٌ ديمقراطي مسؤول، وجوابٌ عن عقلية استبدادية سائدة، منذ تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وليس الآن فقط.
 
الانسحاب، أيضا، رسالة موجهة لطرفين، داخلي وخارجي. الطرف الداخلي هو الحزب بقواعده وهياكله القيادية على كل المستويات، والطرف الخارجي يتعلق بالكدش ونقاباتها، والدولة وأجهزتها.
 
فرسالة الانسحاب للداخل تقول إن كرامة قيادتنا ورفاقنا ورفيقاتنا، المؤتمرين/ات منهم والمنخرطين/ات، وعموم الأعضاء والعضوات، فوق كل اعتبار، من جهة، ومن جهة أخرى، علينا جميعا أن نستعد للآتي، الذي لن يكون أقسى من السابق، لأننا اكتسبنا مناعة حقيقية بفعل تصدينا ومقاومتنا للضربات، والنكسات، والخيانات، رغم تعددها وتواليها، وكنا دائما نخرج منتصرين، نضمد جراحنا، نعتني بذواتنا، فنسترجع قوانا، ونشهر سلاحنا ونقاوم...
 
لا الفكرة تعوزنا، ولا التجربة تنقصنا، ولا الرؤية تخوننا، ولا القدرة تعجزنا، ولا العدد يشلّنا، ولا الحُكم يرهبنا
 
الرسالة للداخل تريد أن تعطي معنى لهذا الانسحاب، أن يكون وليداً مُوَلِّداً، لا يتيماً عقيماً. فلا عيب ولا ضير إن أعلنّا نفيرا عاما لانسحاب عام جماعي من كل المركزيات النقابية، التي يتواجد بها رفاقنا ورفيقاتنا، وبعد فترة بياض نقابي، نعمل على تأسيس مركزية نقابية بقرار حزبي. لا الفكرة تعوزنا، ولا التجربة تنقصنا، ولا الرؤية تخوننا، ولا القدرة تعجزنا، ولا العدد يشلنا، ولا الحُكم يرهبنا...
 
بعد كل هذه العقود من النضال والممارسة العملية، والشد والجذب مع الحكم والقوى المحافظة، وغير ذلك، فإننا قادرون/ات حقاً وفعلاً على استقلالنا النقابي بتأسيس مركزية جديدة جادة. وهذا لن يعني بتاتا العمل على تفتيت صفوف الطبقة العاملة، إذ لم يحدث في التاريخ النضالي للطبقة العاملة أن اكتفت بإطار واحد ووحيد. فعملية المد والجزر مستمرة في الزمان والمكان بفعل دوام الصراع الطبقي وحِدته، حسب ميزان القوى ومن يتحكم فيه.
 
أما رسالة الانسحاب للخارج، فإنها تقول للحكم، أولا، إننا قوة من قوى المجتمع، لنا ذاتنا وتاريخنا، برنامجنا وسياستنا، استراتيجيتنا وتكتيكاتنا، نتحكم فيها كما نريد، وليس كما تريد. فلا تنتظر منا، أيها الحُكم، لا خنوعا، ولا مهادنة، ولا ننتظر منك لا ريعا، ولا امتيازا، بيننا البرزخ...
 
ولإخواننا في المركزيات النقابية والأحزاب، تقول رسالة الانسحاب، انتهى زمن المساكنة، فإن اشتغلنا معكم، فبقناعة ووعي منا وتكتيك. لم نطمع يوما في امتياز نقابي أو محاباة، إلا ما صدر من ضعاف النفوس، بل كنا وما زلنا مناضلين من أجل الطبقة أو الفئة التي نؤطر. ولقد علمتنا الأدبيات الماركسية، زادُنا وموردُنا على الدوام، أن لا نقابية دون خلفية سياسية، وأن تاريخ الحركة النقابية في العالم لم يشهد أن كانت فيه النقابة مستقلة عن هذا الإطار السياسي أو ذاك، حتى في إسبانيا وإيطاليا لما كان للفوضويين (أو اللاسلطويين كما يسمون أنفسهم ولا يقبلون كلمة "فوضويين") سلطة على النقابات، لم تسلم هذه الأخيرة من التوجيه السياسي البيّن، مما اضطر الشيوعيين، في إسبانيا، مثلا، للتنسيق مع الفوضويين لقيادة المركزيات النقابية. كان هذا فترة بين الحربين أساساً. فانسحابنا إذن لم يكن رد فعل، ولا خلافا حول عدد ما، أو كوطا ما، ولكنه رفض لذبحٍ لمبدأين مؤسِّسَيْن، الديمقراطية والاستقلالية، أنتم من وضعتموهما إلى حانب المبادئ الأخرى، الجماهيرية والتقدمية و... عند التأسيس. ولعلمكم، فإننا لم ننخدع يوما بهذه المبادئ، لذلك فإن سكتنا أو غضضنا الطرف عن سلوك ما، فليس خوفا من فقدان مقعد أو منصب أو طمعا في شيء ما، فلأننا نعلم جيدا مدى "حقوق الملكية". أما الآن، فكلمة واحدة تفي وتكفي، ألا وهي كفى!
 
بني ملال - 24/05/2022