الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

استهداف جمعيات حماية المال العام.. وزير العدل تنكّر للإرادة الشعبية وأصبح رهينة لوبيات الريع والفساد

 
محمد الغلوسي
 
يبدو ظاهريا أن تصريحات وزير العدل حول حرمان جمعيات حماية المال العام لها أبعاد قانونية صرفة تهدف إلى تنظيم حق التشكي القضائي بخصوص شبهة فساد المنتخبين، ذلك أن هذا الأمر لا يجب أن يكون مفتوحا، ولذلك فإن وزارة الداخلية هي المؤهلة قانونيا للقيام بذلك!
 
إنها إرادة لا تحتاج إلى جهد كبير لإظهار تهافتها وتعارضها مع مقتضيات الدستور والقانون والمواثيق الدولية ذات الصلة، إرادة تكشف كيف أن وزير العدل تنكّر للإرادة الشعبية التي أوصلته إلى البرلمان وبعده إلى الحكومة، وأصبح رهينة لوبيات مستفيدة من واقع الريع والفساد، وتحوّل إلى ناطق رسمي باسمها ومدافع شرس عن مصالحها الضيقة، ضاربا عرض الحائط المكتسبات الدستورية ذات الصلة بتعزيز أدوار المجتمع المدني في تخليق الحياة العامة وتثمين الديمقراطية التشاركية، كما أن ذلك يشكل مسا خطيرا بموقعه الوظيفي كوزير للعدل والذي يفرض عليه أن ينحاز للشرعية الحقوقية والدستورية...
 
لكن، عوض ذلك، ولأول مرة، سيسمع المغاربة من مسؤول ورجل دولة وأمين عام حزب سياسي أن "مكافحة الفساد ليست شأنا مجتمعيا وإنما شأنا مؤسساتيا"، كأن هذا الفساد يوجد في السماء وليس جزءا من بنية اجتماعية واقتصادية وثقافية يتطلب محاصرته تظافر جهود كل الفاعلين من مختلف المواقع، وأن انخراط المجتمع في هذه المعركة بكل فئاته يعد حاسما في ربح هذا الرهان...
 
إن تصريحات وزير العدل، وبغض النظر عن جانبها القانوني، فإنها في عمقها السياسي تشكل تعبيرا واضحا عن انزعاج وتضايق مواقع ومراكز تنتعش من الريع والفساد من دينامية المجتمع المدني بخصوص مكافحة وفضح مظاهر الفساد، مع تنامي وعي مجتمعي رافض للفساد والريع ونتائجهما الكارثية على الأوضاع العامة، وعي يتخذ أشكالا وتمظهرات متعددة وبصيغ مختلفة يعبر عن نفسه من خلال مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي... لذلك بدا لتلك المراكز والمواقع أن فرملة هذا التوجه والوعي المجتمعي يبدأ من "تقنين" من له الصفة والمصلحة في تقديم الشكايات ذات الصلة بفساد بعض المنتخبين في انتظار خطوات ومبادرات اخرى، لأن تقدم الوعي المجتمعي وتبلور الأشكال النضالية المتنوعة من خلال آليات الاحتجاج والترافع والاقتراح تارة وتقديم الشكايات ذات الصلة بنهب واختلاس أموال عمومية تارة أخرى، وابتداع أساليب متقدمة لفضح المفسدين ولصوص المال العام من شأنه أن يضيّق الخناق على الجهات والمواقع ذات المصلحة في إدامة واقع الفساد والرشوة والريع، وهو توجه مغامر ستكون تكلفته باهظة على كافة المستويات!!!