الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

فضيحة مندوبية الكثيري.. استنساخ وثائق في الخارج بنصف مليار وأسرار الحموشي في كف عفريت

 
قبل الوقوف عند الفضيحة، لنبدأ من البداية: في خريف 2008، أوفد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الاتحادي مصطفى الكثيري، في إطار صفقة نقابية غير معلن عنها، إطارين من الإدارة لرصد الوثائق المتعلقة بالمغرب في الأرشيف الفرنسي، واستنساخها وتجميعها في قرص صلب.
 
رحلات للخارج كلّفت خزينة الدولة نصف مليار
 
ثم تواصلت هذه المهمة، خلال السنوات الموالية، بواسطة ثلاثة أطر إلى غاية سنة 2014، قاموا خلالها بحوالي 20 رحلة، استغرقت كل واحدة منها ما بين 54 و60 يوما. وقد كلّفت هذه المهمة خزينة الدولة حوالي 500 مليون سنتيم (5 ملايين درهم).
 
وقد روّج المندوب مصطفى الكثيري لهذه المهمة بأسلوب دعائي مادح مدّاح، سواء في حواراته، التي يهرول إليها (...) مع الصحافة، أو من خلال تسريبات متعمّدة (...) في الصحافة تشيد بالمهمة للتغطية على واقع مرير جدا في إدارة مندوبية المقاومة وجيش التحرير!!!
 
لكن اللافت للانتباه هو أن الإدارة، من خلال عملية استقصائية قمنا بها، لم يكن لها نفس الموقف داخليا، سواء لدى المندوب السامي، أو لدى المدير السابق للأنظمة والدراسات التاريخية المكلف إداريا بالملف في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
المعطيات، التي نتوفر عليها تفيد وقوع مشادة كلامية عنيفة وصاخبة بين هذين المسؤولين في مكتب المندوب السامي، تبادلا خلالها الاتهامات حول إطلاق العنان لهذه الأطر للقيام برحلات مبالغ فيها لاستنزاف ميزانية المندوبية، دون أن تحقق الهدف المأمول منها، وأن بعض هذه الرحلات لم يُنجز، أو لم ينجز إلا يوما أو يومين والعودة إلى المغرب دون الالتحاق بالإدارة انتظارا لانتهاء الأجل المحدد للمهمة، وهو ما يعتبر مغادرة غير مبررة للعمل خلال المدة المخصصة للرحلة.
 
إن تلك الرحلات لم يكن لها من نتيجة تُذكر غير تحصيل المكلفين بها لتعويضات سخية ودسمة من ميزانية الإدارة طيلة ست سنوات.
 
وخلال أحد اجتماعات ما يسمى باللجنة العلمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، سنة 2014، بحضور عبد الحق المريني مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ومحمد القبلي، مدير المعهد الملكي لتاريخ المغرب آنذاك، أثير موضوع هذه الرحلات، وكان العضو الرئيسي من القائمين بها حاضرا في الاجتماع. وقد سجل مدير الأنظمة والدراسات التاريخية آنذاك اختلالات شابت هذه الرحلات، سواء في توقيتها أو مدتها أو في تكاليفها أو في أهدافها وحصيلتها. كما سجّل استغلال الرحلات بطرق التوائية في أهداف وغايات لا علاقة لها باستنساخ الوثائق أو رصدها، وسجل كل المآخذ التي أفصح عنها للمندوب السامي خلال اجتماعهما الثنائي الصاخب في الموضوع. وظهر أن تلك الاختلالات حصلت بعلم وبتغاضٍ من المندوب السامي، الاتحادي مصطفى الكثيري...
 
لكن الإدارة طوت الملف، دون مساءلة المعنيين بالأمر رغم أن شخصيات رسمية حضرت الاجتماع وسجلت المآخذ، وشهدت على ما دار حول الموضوع والاختلالات التي شابته. وبعد أن سحبته من الفريق المكلف به منذ 2008، تم إسناده مباشرة لمدير الأنظمة والدراسات التاريخية، الذي غادر الإدارة في يونيو 2017.
 
وعقب ذلك، وُضع الملف رهن الصمت، لا وجود لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في المندوبية، والمآل نفسه للملفات الأخرى، التي تتعلق بفساد المؤسسة، بعضها ذُكر في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018، وتتعلق بالتغطية الصحية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وزوجاتهم وأراملهم، أو بصفقات أخرى منها واحدة ملفها يوجد لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والنيابة العامة المختصة، بناء على خلاصات تقرير المجلس الأعلى للحسابات السالف الذكر، والذي سنعود إليه في مقال لاحق. لكن الإدارة تضرب صمت القبور دون أن تقدم للرأي العام أي توضيح حول ملفٍّ كلف دافعي الضرائب المغاربة نصف مليار ستنيم دون حسيب أو رقيب.
 
الوثائق السرية للأمن الوطني والقرص التالف
 
وعلاقة بموضوع رصد واستنساخ الوثائق، قام نفس الإطار الرئيسي في الفريق السابق المكلف برصد وتصوير الوثائق بالخارج بمهمة أخرى، داخليا، لدى الإدارة العامة للأمن الوطني بمباركة مباشرة من المندوب السامي الاتحادي مصطفى الكثيري، وذلك برصد واستنساخ آلاف الوثائق والملفات السرية بأرشيف الأمن المغربي. وقد تم تخزين الآلاف من الوثائق والملفات داخل قرص صلب. لكن هذا القرص اختفى بذريعة تعرضه للتّلف. وهذا أمر يبعث على الارتياب، إذ كيف تطلع الإدارة على ملفات حساسة ثم تتملص في ما بعد بذريعة إتلاف القرص الذي يحتوي على صور تلك الوثائق؟
 
وهذا أمر في حاجة إلى توضيحات بخصوص الغاية من هذه العملية لدى المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. فإذا كانت الوثائق سرية فلم يكن من الضروري إطلاع الغير عليها، وإذا كانت مفتوحة للاطلاع، فليس من حق المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمسؤولين فيها حرمان الغير من الاطلاع عليها، عملا بحق المواطن في المعلومة المنصوص عليه دستوريا وقانونيا...