الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
المسيّرة "بيرقدار تي بي 2" (Bayraktar TB2) في شوارع العاصمة الأوكرانية كييف

الحرب الروسية الأوكرانية.. أقوى تحليل عسكري استخباراتي مغربي وحدود جاهزية الجيش الملكي

 
مع إطالة أمد الحرب الروسية في أوكرانيا، يمكن للمتابع أن يستنبط عدة دروس وعِبر، بالتأكيد ستنفع المغرب في مواجهة أعدائه، وهذا ما شرع "منتدى فار-ماروك"، ذي الصلة الوثيقة بالقوات المسلحة الملكية، في إنجازه... الدرس الأول ركّزه "منتدى فار-ماروك" على تعزيز قدرات المغرب الردعية العسكرية...
 
هذا رابط الدرس الأول
 
والدرس الثاني ركّز على معركة الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، مع الوقوف عند علاقة هذا الدرس بالمغرب اليوم وضرورة أن يعي أهمية الإعلام بمختلف وسائطه، في التعريف بالمملكة وبعدالة قضاياها.
 
هذا رابط الدرس الثاني
 
واليوم نلتقي مع الدرس الثالث...
♦♦♦♦
 
تتوالى أيام الحرب الروسية الأوكرانية دون أن تتمكّن الجهود الدبلوماسية من توقيفها، فيما تكشف لنا تحوّلاتها عن دروس مهمة على عدة مستويات.
 
عسكريا، وقّع الطرفان على عدة نقاط إيجابية وسلبية، في ما يلي تلخيص لبعضها من وجهة نظر "منتدى فار-ماروك"، مع ما قد يهمّ منها المغرب عسكريا.
 
*من الجانب الأوكراني
 
رغم أن الجيش الروسي احتشد لأسابيع بالقرب من الحدود الأوكرانية، إلا أن الاستعلامات لم تأخذ ذلك على وجه الجد، وأظهر الجيش الأوكراني حالة ذهول في اليوم الأول للحرب لعدم استعداده للهجوم، مكتفيا بتتبع البيانات الإعلامية وتصريحات بوتين، التي كانت تنفي نية الحرب، وهو الأمر الذي سيبقى وصمة عار على جبين القيادة العسكرية الأوكرانية.
 
هذا التهاون أفقد الجيش الأوكراني قدراته الدفاعية الرئيسية في الساعات الأولى للحرب، حيث أدت الهجمات الروسية الصاروخية والجوية إلى تحييد كافة الدفاعات الجوية الأوكرانية، وأصبحت قواتها الجوية خارج الخدمة، أما تلك التي استطاعت الإقلاع من مقاتلات، فقد اضطرت إلى الهبوط في مطارات دول الجوار.
 
ابتداءً من اليوم الثاني للحرب، قام الجيش الأوكراني بإعادة الثقة إلى عناصره، وبدأت الآلة الإعلامية في بث صور دفعت فئات عديدة من الشعب للتحول إلى حمل السلاح، كما نزع جنود الجيش زي القتال لارتداء الزي المدني لإدارة المقاومة الشعبية بالمدن، الأمر الذي عقّد من تقدم القوات الروسية داخل المدارات الحضرية.
 
أظهرت الحرب قدرة الأوكرانيين على أخذ زمام الأمور في الحرب الإلكترونية، حيث أظهرت أنظمة التشويش ومحاربة المُسيَّرات نتائج جيدة في تعطيل التقدم الروسي. نظام Bukovel AD، الذي اقتناه المغرب سابقا من أوكرانيا، أظهر فاعلية كبيرة ضد المسيّرات الروسية، خصوصا تلك الخاصة بالمشاة.
 
استخدام "بيرقدار تي بي 2" (Bayraktar TB2)، أعطى للقوات الأوكرانية القدرة على خوض معركة نفسية مهمة ضد الوحدات الروسية، مما مكّن من تحييد بطاريات كاملة من الدفاعات الجوية الروسية.
 
ويبقى أن العامل النفسي والدعم الإعلامي الدولي، يشكلان فارقا مهما في دعم المقاومة العسكرية والشعبية الأوكرانية، التي لم يقم الروس بتوقّع قدراتها بالشكل اللازم.
 
* من الجانب الروسي
 
قامت القوات الروسية بالبدء بتوجيه ضربات مركزة، متبعةً تكتيكًا روسيًا قديمًا، حيث بدأت بهجمات صاروخية مكثفة استهدف الدفاعات والقواعد العسكرية والمنشآت الحساسة في أوكرانيا، قبل أن يقوم سلاح الجو بالتقدم لفتح المجال لإنزال جوي وبحري في جبهات متعددة لتهيئة الطريق للهجوم البري المدرع.
 
هذا الهجوم الهائل كان له الفضل في تحييد خطر الدفاعات الجوية البعيدة ومتوسطة المدى الأوكرانية وكذا سلاحها الجوي وجزء من مدفعيتها الصاروخية. لكنه وإن شتّت صفوف الجيش الأوكراني، فإنه لم يقم بالقضاء على جزء مهم من قواته البرية، التي سرعان ما أعادت رص صفوفها للدفاع عن المدن الرئيسية والمنشآت الحوية.
 
ورغم تفوقها العددي الجوي، فإن قوات روسيا الجوية لم تستطع فرض سيطرتها التامة على الجو، وظهرت مشاكل حساسة أدت إلى خسائر مهمة، منها سقوط قاذفتها النفاثة SU34، التي رفضت بيعها حتى لأقرب حلفائها الجزائر بشكل مهين.
 
غياب أجهزة لتحديد الأهداف البرية وكذا ذخائر ذكية، فرض على الطيارين الروس خوض عملياتهم على ارتفاع منخفض مما جعلهم في مرمى الدفاعات الجوية المحمولة على الكتف، بل حتى الرشاشات المضادة للطائرات. وغياب حلول بديلة لدى الروس ما زال يدفعهم إلى تكرار نفس الخطأ منذ بدء الحرب.
 
من جهة أخرى، أظهرت أجهزة الحرب الإلكترونية الروسية ضعفا كبيرا في حماية قواتها من خطر الدرونات، خاصة "البيرقدار"، التي لم يستطع لا نظام تونغوسكا ولا نظام بانتسير منع هجوماتها كذلك.
 
فضلا عن الجانب الإلكتروني، هناك العامل اللوجستي، إذ يمكن القول إن أهم ما ميّز هذه الحرب أنها أظهرت عدم قدرة روسيا على خوض حرب بهذا الحجم، حيث بدأت تظهر صور لوحدات روسية كاملة تم تركها لغياب الدعم اللوجيستي. فالخطوط اللوجيستية هي شريان الجيش، وفي هذا الصدد، جرى تداول صور لجنود في الحرب بدون أكل وعربات عسكرية متطورة غير قادرة على التقدم لغياب البنزين أو الذخيرة في أيام معدودة للحرب، وهذا يشكل ضربة قاصمة لصورة روسيا.
 
الألوية المدرعة الروسية، خاصة دبابات T90 المجهزة بنظام SHTORA (أهم دبابات الفرق المدرعة الجزائرية)، لم تصمد كثيرا أمام الصواريخ المضادة للدروع مختلفة المصادر لدى الوحدات الأوكرانية.
 
ما ميز الروس، كذلك، في هذه الحرب، عدم قدرتهم على التقدم داخل المدن، حيث يظهر جليا أن للقوات الروسية أوامر بعدم استهداف المدنيين (بعيدا عن الصور المفبركة للآلة الإعلامية الدعائية). كما أن عدم خوضهم حروبا واسعة منذ سنوات أفقد الجيش الروسي قدرته على إحداث الفرق في ساحة القتال وتكتيكاته ضد حرب العصابات، فصور التشكيلات المدرعة وهي تتقدم داخل المدن تكاد تكون نوعا من التهور من الجانب الروسي (سنعود بالشرح والتحليل في هذه النقطة لاحقا).
 
لكن أهم نقطة يمكن الإشارة إليها، هي أن معنويات القوات الروسية لم تتأثر لا بصور الخسائر ولا بما أبانت عنه استراتيجياتهم من نقائص، وهو ما يفسر تقدمهم اليومي واحتلالهم نقاطا تلو الأخرى يوما بعد يوم. الرغبة في الدفاع عن الروس المضطهدين في أوكرانيا وإعادة المجد والكرامة إلى روسيا والحفاظ على أمنها الاستراتيجي، من أهم الدوافع التي تحفزهم على القتال...
 
* خلاصة
 
تشكل كل هذه النقاط دروسا مهمة للقوات المسلحة الملكية سبق أن تهيّأت لها بشكل كبير، حيث:
 
- يعتبر الجانب اللوجيستي أهم عامل لقوة الجيش المغربي، الذي اكتسب خبرة كبيرة بفعل عمليات الدعم للقوات المرابطة بالجنوب. يبقى أنه لابد من تقوية الأساطيل اللوجيستية الجوية والبحرية، التي تشكل شبه إعاقة اليوم بفعل تقادم أسطول النقل الجوي وتواضع الأسطول البحري اللوجيستي.
 
- تتمتع فرق المشاة المحمولة بسرعة تحرك مهمة وقوة نارية محترمة، وتتميز بتنوع تسليحها المضاد للدروع ما يجعلها عائقا لتقدم أي قوة مدرعة، إذا ما صاحبت الفيالق الملكية المدرعة وبدعم ناري للمدفعية الملكية ولسلاح الجو المجهز بتكنولوجيا جد متطورة تسمح له بأداء مهامه القتالية بعيدا عن مدى الدفاعات الجوية المعادية، وهي قدرات تغيب عن الوحدات المعادية.
 
- كانت المملكة سباقة إلى إدخال الدرون في العمليات العسكرية، واليوم يشكل سلاح المسيّرات جزءا هاما في القوات الملكية الجوية، وهو ما يظهر الحس الاستباقي للقيادة لتعزيز ترسانة المملكة العسكرية بالأسلحة النوعية المهمة. اليوم يجب تسريع مخططات اقتناء المسيّرات القتالية والانتحارية، وتنزيل المشاريع الصناعية، في هذا الشأن.
 
- إذا كانت وحدات المدفعية الملكية تتميز باحتوائها على دبابات أثبتت فاعلية مهمة في الميدان أمام تنامي خطر الصواريخ المضادة للدروع، فقد يكون من الضروري اليوم التفكير في تعاون مغربي إسرائيلي من أجل تزويد مدرعاتنا القتالية بأنظمة دفاع نشطة ضد هذه التهديدات.
 
- التكوين والاعتناء بمعنويات الجنود أهم أولويات القيادة، حيث يُظهر جنودنا دائما جاهزية وكفاءة ميدانية كبيرة وقدرة على التأقلم نادرة في كافة الميادين، ولعل أبرز دليل على ذلك دروس العملية الأمنية في الصحراء.
 
- أخيرا، لا يمكن ترك الفرصة للعدو للمناورة وحشد قواته قبل بدء حرب على الحدود، وضرورة رفع حالة التأهب فور بروز أي تهديد...