الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الوالي والعمدة

إحداث شركة للتنمية للنقل في فاس.. العمدة يأتمر بالشفوي من الوالي ويبصم على قرار أهوج

 
هل كنتم تتصوّرون يوما أن يتفق الخصمان اللدودان في فاس حميد شباط وإدريس الأزمي الإدريسي؟ لقد اتفقا، يوم أول أمس الاثنين 7 فبراير 2022، عند اجتماع الدورة العادية لمجلس جماعة فاس، كل من زاويته، على قضية واحدة وهي أن العمدة الجديد لا يفقه في التدبير شيئا ويتّخذ إجراءات خطيرة في ملف النقل الحضري دون تفكير في العواقب...
 
وقد تبيّن، من خلال الملابسات العاصفة لهذا الاجتماع، أن عمدة فاس عندما كان يقمع ويصرخ في وجوه المستشارين، كان في الوقت ذاته ينفذ خطة مدروسة، أعد لها بلطجية جاهزون لتنفيذ أوامر الطرد من الاجتماع، لجعل الجميع يرضخون لإرادته، وإلا "الباب عرضْ من كتافهم"، حتى يخلو له الجو، ويتخلّص من مناهضيه في ملف النقل الحضري، ويمرّر النقطة، التي له فيها مآرب شتى، وهي إحداث شركة التنمية للنقل والتنقل، فكان له ما أراد، وصادق العمدة وأتباعه، سواء من حزبه أو من أحزاب حلفائه الخنوعين، في غياب كامل ومطلق لمستشاري المعارضة، الذين انسحبوا احتجاجا على تدبير متخلّف ينتمي إلى القرون الوسطى...
 
العمدتان السابقان اللدودان يتفقان
 
قبل مناقشة هذه النقطة، لنستعرض، وإن بعجالة، مواقف العمدتين السابقين لمدينة فاس... في تدخّل العمدة الأسبق حميد شباط، كشف بالتفاصيل والأدلة، فشل تجربة شركات التنمية، وقدم لذلك مثال الدارالبيضاء وأيضا فاس، قبل أن يخلص إلى أن المستفيد من شركات التنمية ليس جماعة فاس ولا سكان فاس... وسنعود إلى فشل هذه التجارب عند تعليقنا على هذه النقطة...
 
وبالنسبة للعمدة السابق إدريس الأزمي الإدريسي، فقد أوضح موقفَه نائبه في الرئاسة السابقة لمجلس المدينة، محمد الحارثي، الذي قدّم توضيحات تفنّد ما جاء في جواب العمدة الحالي عبد السلام البقالي ردّا على بلاغ شركة سيتي باص فاس...
 
وأبرز الحارثي أن الأزمي "دخل، بمشاورة مع وزارة الداخلية، وبكل حكمة وتبصر، في مفاوضات ماراطونية مع الشركة، تروم تمكين المدينة من نقل حضري في المستوى".
 
طمع في الاستفادة من "عائدات"
 
وقال نائب عمدة فاس السابق إن المجلس طلب تقديم تشخيص للوضع من لدن مكتب دراسات، ووصل مع الشركة إلى حل يقوم على إعداد ملحق مع الشركة، يروم خلق التوازن المالي للشركة، وفي الوقت نفسه الاستثمار في تحسين الأسطول.
 
وفي هذا الصدد، كان العمدة السابق صرّح، في حينه، أن جماعة فاس غير قادرة على تحمل الخسائر الضخمة، التي ستنسف ميزانية الجماعة، وأن المخرج الوحيد من المشكل يكمن في الملحق.
 
وتابع الحارثي موضحا أن الأزمة اليوم بدأت مع لجوء الرئيس الحالي للمجلس الجماعي إلى التهديد بالغرامات وإجبار الشركة على سحب عدد من الحافلات، الأمر الذي دفع الشركة إلى الحديث عن مبلغ 280 مليار سنتيم لأجل تحقيق توازنها المالي، علما، يقول الحارثي، أن "العمدة الجديد ضرب بعرض الحائط كل ما تم التوصل إليه بين الجماعة والشركة من توافق تحت إشراف وزارة الداخلية خلال الولاية السابقة".
 
ثم انتقل نائب العمدة السابق إلى الكشف عن الخلفيات وراء مواقف العمدة الحالي، واصفا أسباب تحركاته في هذا الملف بأنها "في المجمل غير معقولة، فهي إما بسبب غياب الوعي بخطورة ما يقوم به، أو أنه تمت مغالطته من طرف بعض الموظفين أو المستشارين، أو طمعا في الاستفادة من عائدات فك التعاقد مع الشركة الحالية والتعاقد مع شركة جديدة"... وفي هذه الجملة الأخيرة يظهر كل شيء، وينفضح المستور، ولو أدى الأمر إلى توريط الجماعة في خيارات غير محسوبة، من قبيل نقطة إحداث شركة للتنمية للنقل والتنقل، التي سنناقشها أدناه..
 
شركة التنمية ومخاطر تهدد مستقبل النقل الحضري
 
لم يسلك العمدة المتلوّن السياسي المسطرة الطبيعية لمشروع إحداث شركة للتنمية المحلية خاصة بالنقل والتنقل، بتشاور أو بمبادرة مع المستشارين، والاتفاق على برمجتها في جدول الأعمال، وإنما، كما هو حاله وديدنه، لجأ إلى الخيّار السهل، أن يكون "قطا" مع الوالي، و"سبعا" مع المستشارين المنتخبين، و"اللي دوا يرعف"، أي "يخرج برّا"! كل ما خسره على المستشارين وعلى المسار الديمقراطي المحلي هو جملة واحدة مهينة يقول فيها إنه "تلقّى أوامر بإحداث شركة للتنمية المحلية خاصة بالنقل والتنقل"، في إشارة إلى والي جهة فاس مكناس...
 
مشروع محكوم عليه بالفشل
 
عندما نقول، مع القائلين من أهل فاس الذين عبّروا عن هذا الموقف، إن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل، منذ البداية، فذلك قياسا على تجارب ومشاريع مماثلة سبقت محاولة زرعها في مدن رائدة في مجال النقل الحضري في المغرب، وكان مآلها الى الفشل، هنا أبرز نموذجيْن...
 
المحاولة الأولى في مدينة الدارالبيضاء: تم خلق شركة لتنمية النقل والتنقل في مدينة الدارالبيضاء للعمل على تنفيذ مشروع الترامواي بميزانية وأهداف محددة من وزارة الداخلية وباقي الأطراف. وهذه الشركة لم تقم قط بتسيير النقل الحضري بواسطة الحافلات الذي يرجع اختصاصه لمجموعة الجماعات البيضاء.
 
المحاولة الثانية في مدينة مراكش: هناك شركة التنمية المحلية للنقل مراكش المسماة "بيس سيتي متجددة"، وقد منيت بالفشل. وقد سبق لها اقتناء حافلات كهربائية متدنية الجودة، وهي حاليا موضوع متابعات قضائية لعدة مسؤولين جماعيين من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والعدالة. فالنقل الحضري في مراكش يتم تدبيره اليوم من طرف مجموعة الجماعات مراكش الكبرى، وليس من طرف شركة التنمية المحلية.
 
وراء الأكمة ما وراءها
 
هاتان التجربتان، ونتوفّر على تفاصيل وافية حول فشلهما، تكشفان أنهما جاءتا ضمن حالات خاصة، ولا تمس التسيير في جماعة فاس. إذن، ما هي دواعي خلق شركة للتنمية المحلية بفاس في الوقت الذي تعتزم جماعة فاس تنفيذ مشروع الترامواي إلى غاية سنة 2036 في حال توصلها بميزانية من لدن الدولة، وقبل ذلك إقناعها بهذا المشروع؟ وبالتالي، يطرح الأمر سؤالا قويا حول أسباب استعجال العمدة، وبكثير من العصبية والحدة، في بالجماعة إلى خلق هذه الشركة؟ لعل الجواب يوجد في مكان آخر عبر تصريحات العمدة لبعض الأطراف: يبرمج الرئيس خلق شركة التنمية المحلية للنقل والتنقل من أجل طرد شركة سيتي باص فاس من مدينة فاس وإسقاط العقدة لكي يتكفل بالنقل مباشرة. وهذه الحالة لم تشهدها أي من مدن الدارالبيضاء أو مراكش أو أكادير في نموذجهم!!!
 
إن فرض هذه النقطة في جدول أعمال الدورة، بقدر كبير من الحدة، يؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، فهذا المشروع، الذي أدرجه العمدة دون علم العديد من أعضاء مجلسه، قد صوتت ضده اللجنة المختصة. ورغم هذا التصويت الرافض للمشروع، فقد أصر العمدة على إدراج هذه النقطة في جدول أعمال الدورة، معللا ذلك بأوامر شفاهية توصل بها من السلطة المحلية، والمقصود هنا هو الوالي.
 
إن العمدة، بهذا القرار غير المدروس، سيخلق لا محالة زعزعة في الأمن والاستقرار بمدينة فاس، وبميزانية الجماعة، وجب أن ينتبه إليها المسؤولون والمنتخبون، ويتحملوا كامل مسؤولياتهم في الموضوع لما فيه مصلحة المدينة.