الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
مجرم الحرب بن بطوش والجنرال الحاكم شنقريحة والرئيس المزور تبّون

من علاماته إفلات بن بطوش.. الدول الأوروبية تتجه للتعايش مع الإرهاب والتطبيع مع طالبان


جلال مدني
 
بعدما ساد، لحوالي عقدين، نهج الحرب على الإرهاب، التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب التفجيرات الإرهابية ليوم 11 سبتمبر 2001، ثم التحقت بها، تباعا، دول العالم، بشعارات كبرى عن حق الدول والشعوب في الأمن والسلام والعيش الرغيد (الرفاه)، بعيدا عن العنصرية والحقد والكراهية والتطرف والعنف والإرهاب، أشّرت الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت هي صانعة القاعدة ثم داعش والحاضنة لقوى الظلام الإخواني، على نهج ذاتي أناني ضيق بوجه مكشوف: "المهم تفوت راسي وتجي فين ما بغات"، وترسيم هذا النهج عبر تسليم أفغانستان لحركة طالبان، وتجسير المحادثات والتواصل الموصول مع قادة الحركة، مع كل التداعيات المفتوحة لهذا النهج عبر تقديم "مساعدات شتى" لهذه الحركة الظلامية الإرهابية المتخلفة، بأسلوب مشابه، مع اختلاف السياقات والرهانات والآليات، لنهج الدعم والاحتضان الذي كرّسه "الديمقراطيون الأمريكان" من أجل التمكين لجماعات الإخوان المسلمين...

الدول الأوروبية القوية سرعان ما التقطت الإشارة، فاختارت مصالحها الذاتية على حساب ما ترفعه من شعارات كبرى عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن كانت الدول الأوروبية الضعيفة، مثل إسبانيا، حسمت اختيارها قبل ذلك، وتهاوت إلى أبشع الممارسات الاستبدادية، بصورة أكثر تخلّفا من الدول الفاسدة المصنفة ضمن "العالم الثالث"، وظهرت أمام كل العالم، وبالخصوص أمام الاتحاد الأوروبي، الذي تعرّت كل أوراق توت شعاراته المزعومة والمضللة، عندما سكت عن أفعال إجرامية، ارتكبتها الحكومة الإسبانية، وأكدت غياب العدالة، مقابل حضور "قضاء الهاتف"، في ضرب صارخ لكل قيم ومبادئ استقلالية القضاء، مما حوّل البلاد إلى "دولة بوليسية"، تسيّرها المخابرات، دون أي فرق بينها وبين الجزائر، كـ"دولة عسكرية"، يسيرها الجنرالات، وفي ظرف وجيز لا يتعدى نصف سنة، بصمت إسبانيا بحكومتها وقضائها، على ثلاث جرائم ضد القانون الدولي:
 

- تواطؤ القضاء مع الحكومة والمخابرات لتسويغ إفلات زعيم عصابات البوليساريو الجرم إبراهيم غالي، رغم متابعاته بجرائم ضد الإنسانية، وحتى رغم دخوله البلاد بهوية مزورة تحت اسم محمد بن بطوش...

- تواطؤ القضاء مع الحكومة والمخابرات في القبض على إبراهيم العلامي، أحد أبرز نشطاء الحراك الشعبي في الجزائر، في يوليوز 2021، وتسليمه إلى "مخابرات عبلة الإرهابية" في دولة "الرئيس المزور اللي جابوه العسكر"، حيث تمارس عليه حاليا أبشع أشكال التعذيب والتنكيل، ونقل معتقلون تمكنوا من رؤيته أنه في حالة صحية متردية تحت تأثير التعذيب، وأنه دخل في إضراب لامحدود عن الطعام، إلى درجة هاشتاغ "إبراهيم العلامي في خطر" أضحى يهيمن على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، حيث مازال نشطاء جزائريون يواصلون حملاتهم من أجل إنقاذ الحراكيين المعتقلين... يقع هذا مقابل سلوك فرنسي على النقيض التام من السلوك الإسباني المتخلّف، إذ رغم الطلبات المتكررة، ومذكرات الاعتقال والتسليم، رفضت فرنسا تسليم رئيس حركة الماك فرحات مهني لدولة الكابرانات رغم علاقة الجزائر الوطيدة بالسلطات الفرنسية، بسبب ما اعتبرته فرنسا "مخاوف من تعرضه للتعذيب ولمحاكمة صورية"...

- تواطؤ القضاء والحكومة في تسليم الدركي الجزائري المنشق، والمعارض الكبير لنظام الجنرالات، الناشط الحراكي والشاب الخلوق محمد عبد الله، إلى "مخابرات عبلة الإرهابية"، رغم أنه كان مقيما في إسبانيا منذ ثلاث سنوات، وأنه قدم للسلطات الإسبانية طلب لجوء، ويخضع لكل القوانين الجاري بها العمل في البلد، له مسكن وزوجة وأبناء صغار، تواطأ القضاء مع المخابرات، وأصدر حكما في وقت قياسي تحسّبا لتنامي احتجاجات الجالية الجزائرية، التي بدأت تنظم وقفات وسيرات واعتصامات في عدد من بلدان العالم، وقضى منطوق الحكم بـ"إبعاد المعارض محمد عبد الله من إسبانيا لأنه يشكل خطرا على البلاد"، وهو حكم لا يعني بالمطلق "التسليم" وإنما "الإبعاد"، وبحكم خضوع القضاء لتوجيهات المخابرات، فبمجرد النطق بالحكم، جرجروه في ما يشبه الاختطاف، دون أدنى مراعاة لزوجته وأبنائه الصغار، وبسرعة "شحنوه" مع عدد من الجزائريين "الحراكة" في باخرة لم تتوقف حتى سلّمت محمد عبد الله لعناصر المخابرات الجزائرية، التي كانت تنتظره في الميناء... وقع هذا يوم الجمعة 20 غشت 2021...

- تواطؤ القضاء والمخابرات عند اعتقال الناشط الحراكي البارز محمد الحمالي، الذي كان بصدد الدخول إلى إسبانيا مع جزائريين آخرين حراگة، وبحكم إخبارية خاصة من "مخابرات عبلة الإرهابية"، لم يكد قارب الحرّاگة الجزائريين يرسو على شاطئ إسباني، حتى كانت عناصر الحرس المدني في انتظارهم، واللافت أنهم أخرجوا الحمالي من وسطهم، ورغم إعلانه، بعبارات واضحة ومؤكدة، أنه طالب لجوء سياسي فار من قمع وبطش جنرالات الجزائر، فقد جرى اعتقاله وتدبير، حاليا، مسطرة التسليم رغم تدخل قوي من محامين ونشطاء جزائريين في إسبانيا، وإذا لم يتجاوز الضغط إلى ساحة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فإن بقاء الأمور على الساحة الإسبانية، حيث القضاء يخضع للمخابرات، فإن مصير هذا المعارض الجزائري أن تسلّمه حكومة إسبانيا المتخلفة إلى "دولة الكابرانات"...

إذا كان هذا حال الدول الأوروبية الضعيفة، فإن الدول الأوروبية القوية استكانت للأمر الواقع، وشرعت في تجسير علاقاتها بحركة طالبان، مثل ما فعلت ألمانيا، الذي خرج وزير خارجيتها، هايكو ماس، أمس الثلاثاء 31 غشت 2021، ليعلن أنه لا بديل عن إجراء محادثات مع طالبان "لأنّنا لا نستطيع مطلقا تحمّل عدم الاستقرار في أفغانستان"، يبرّر رئيس الديبلوماسية الألمانية.

وقال هايكو ماس، خلال مؤتمر صحافي في الدوحة، التي تحتضن كل وجوه الإرهاب الإسلامي في العالم، بمختلف مللهم ونحلهم، من سنة وشيعة: "أنا شخصياً أعتقد أنّ لا بديل على الإطلاق عن إجراء محادثات مع طالبان (…) من أجل حل عملي لقضايا مثل استمرار تشغيل المطار" في كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد.
 
وتابع هايكو ماس، في المؤتمر الصحفي، في الدوحة، مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أحد الوسطاء المسؤولين عن العلاقة مع الإرهابيين: "لكن أيضا لأنّنا لا نستطيع مطلقا تحمّل عدم الاستقرار في أفغانستان، لأن ذلك من شأنه أن يساعد الإرهاب، ويكون له تأثير سلبي كبير على الدول المجاورة".
 
وقال ماس، بمناورة الديبلوماسي، إنّه بالنسبة للعلاقات مع طالبان في هذه المرحلة: "نحن لا نبحث في مسائل الاعتراف الرسمي، لكننا نريد حل المشاكل القائمة في ما يتعلق بالأشخاص في أفغانستان والمواطنين الألمان، ولكن أيضًا الموظفين المحليين الذين يرغبون في مغادرة البلاد". وتابع مؤكدا: "إذا كان ذلك ممكنا على الصعيد السياسي، وإذا سمح الوضع الأمني بهذا، فعندئذ ستكون لألمانيا سفارة خاصة بها مرة أخرى في كابول".
 
وكشف الديبلوماسي الألماني أنه يجري التشاور مع الشركاء الأوروبيين حول هذا الموضوع في الوقت الراهن.
 
وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قالت، الأسبوع المنصرم، إنه "بات واضحا أن طالبان هي الحقيقة الواقعة الآن في أفغانستان.. إنه واقع جديد مرير، لكن علينا التعامل معه". وهو موقف يعكس المنحى، الذي تذهب إليه الدول الأوروبية، وستلحق بها أغلب دول العالم، لتركب معها قافلة الولايات المتحدة الأمريكية...