الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل المفكر والمؤرخ التونسي الكبير هشام جعيط الذي أعاد النظر في مسلمات التاريخ


حسونة المصباحي
 
 
كتب الروائي التونسي الكبير حسونة المصباحي، اليوم الثلاثاء فاتح ماي 2021، تدوينة مطوّلة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أورد فيها حوارا مفصّلا عن آخر زيارة قام بها إلى الراحل هشام جعيط...
في ثنايا الحوار، نتعرّف، وعن قرب، على العديد من أفكار هذا المفكر والمؤرخ الكبير، الذي اعتبر أن الحداثة عند العرب ظلت دائما معطوبة ومترددة وعاجزة بالتالي عن اختراق المجتمع، والانغراس في تفكير الناس وفي سلوكهم، وأنه في كل مرة تحاول الحداثة ذلك، تتصدى لها القوى المحافظة لتشلّها، وتحد من تأثيرها...
 
وداعا صديقي العزيز الكبير هشام جعيط
كنتَ رجلا نبيلا بالمعنى العميق للكلمة 
وكنت وطنيا صادقا ومفكرا مرموقا 
منذ أن تعرفت عليك في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لم أنقطع أبدا عن زيارتك وعن التحدث إليك في شؤون فكرية وأدبية 
ولا أنسى النص البديع الذي خصصته لروايتي: أشواك وياسمين 
في آخر زيارة لك أخذتُ خطأ نظارتك وأعدتها إليك بواسطة سائق الصديق فاضل الجزيري 
رحلت.. وكم أوجعني رحيلك من دون أن أراك
 
زيارة إلى المفَكّر التونسي هشام جعيط
منذ وفاة زوجته الفاضلة في ربيع عام 2015، لم أزر صديقي المفكر التونسي الكبير د.هشام جعيط في ضاحية المرسى شمال العاصمة. كما أنني تجنّبت مهاتفته لأنني أعلم أن المصاب أوْجعه كثيرا. وكما هو حاله في الأزمات، هو يحب أن يتوحّد بنفسه لكي يتمكن من تجاوز المحنة، والتخلص من تبعاتها النفسية.
 
رحيل مؤرخ مفكر أعاد النظر في مسلمات تاريخية
توفي، اليوم الثلاثاء فاتح يونيو 2021، المفكر والمؤرخ التونسي المخضرم هشام جعيط، عن عمر ناهز 86 عاما، بعد مسيرة حافلة أصدر خلالها العديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية...
ولد جعيط في تونس العاصمة في 6 دسمبر 1935، ونشأ في عائلة مرموقة تضم مثقفين وقضاة ورجال علم ودولة، وهو حفيد الوزير الأكبر يوسف جعيط، وابن أخ العالم والشيخ محمد عبد العزيز جعيط.
كان أستاذا فخريا لدى جامعة تونس، وأستاذا زائرا بعدة جامعات عربية وغربية. كما شغل منصب رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) بين عامي 2012 و2015.
وكان جعيط أيضا عضوا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون، وتخطت مؤلفاته حدود العالم العربي، ناقش فيها العديد من القضايا المرتبطة بالتاريخ الإسلامي، وأهم مكونات الموروث الحضاري، وكانت له الجرأة في إعادة النظر في العديد من المسلمات التاريخية، المتعلقة بالتاريخ الإسلامي بالخصوص، مما عرّضه للعديد من الهجومات من الإسلامويين...
ومن أبرز المؤلفات التي قدمها جعيط: "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر"، و"أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة"، و"أزمة الثقافة الإسلامية"، و"الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي"، و"تأسيس الغرب الإسلامي"، إضافة إلى ثلاثية "في السيرة النبوية"...

وفي الربيع الماضي، قامت الجامعة التونسية بتكريمه إثر صدور كتاب تضمّن دراسات وأبحاثا عن مسيرته الفكرية. وقد حضر حفلَ التكريم عددٌ كبير من الباحثين والأكاديميين. وفي نهاية الحفل، وعدته بزيارته، إلاّ أن ظروف العمل والأسفار فرضت عليّ تأجيلها أكثر من مرة. ولم أتمكن من القيام بذلك إلاّ في الخامس عشر من شهر غشت 2018.

استقبلني د.هشام جعيط في مدخل بيته الجميل مستندا إلى عكاز، وعلى وجهه رسمت الشيخوخة آثارها بشكل جلي. جلسنا في مكتبه العامر بالكتب والمجلات والوثائق. وبعد أن وضعت الخادمة أمامنا فنجاني قهوة، سألني عن أحوالي، وعن كتاباتي الجديدة، وقال لي:
هشام جعيط: المشكلة في تونس هي غياب المتابعة النقدية الدائمة والمستمرة للإصدارات الجديدة في أي مجال من المجالات. وغالبا ما تكتفي الصحف بنشر أخبار مُختصرة جدّا عن هذه الإصدارات بحيث لا يجد فيها القارئ ما يحفّزه على اقتنائها. ومعنى هذا أنه ليس هناك نقاد في تونس، لا في مجال الرواية، ولا في مجال الفنون التشكيلية، ولا في مجال الفكر، ولا في مجال المسرح والسينما، ولا في أي مجال آخر. وعندما يغيب النقد، تصاب الثقافة بالتسطح، وينعدم الجدل الجاد والمفيد بين الفاعلين فيها... وهذا أمر خطير للغاية خصوصا في هذه المرحلة التي نعيشها راهنا، والتي سمّاها أهل السياسة بـ"مرحلة الانتقال الديمقراطي". وهذه المرحلة التي بدأت بعد سقوط نظام بن علي ولا تزال مستمرة إلى حد الآن موسومة بالصراعات والنزاعات السياسية والإيديولوجية والعقائدية والدينية وغيرها. وما لفت انتباهي هو أن حضور النخبة المثقفة في هذه المرحلة ضعيف، بل إنه يكاد يكون منعدما أحيانا...

قلت له: الأحزاب السياسية التي فاق عددها 200 حزب لا ترغب في تشريك النخبة المثقفة في بلورة مشروع الانتقال الديمقراطي... لذلك تسعى بوسائل مختلفة لإبعادها، وإقصائها...
هشام جعيط: أعلم ذلك... وهذا ليس جديدا... فأهل السياسة في أغلب البلدان، وفي جميع العصور يحاولون دائما إبعاد وإقصاء النخب المثقفة لكي تكون لهم الكلمة الأخيرة لهم وحدهم... ولكن على النخبة المثقفة في بلادنا أن تستغل الحرية المتاحة راهنا لكي تفرض وجودها بالنقد البناء وبطرح أفكار تنير الشعب، وتحفزه على إنجاح المسار الديمقراطي... ولا يمكن أن يتحقق للنخبة المثقفة هذا الحضور إلا ببعث منابر يثار فيها الجدل، وفيها تولد الأفكار والمشاريع الجديدة... وهذا غير موجود وغير متوفر إلى حد الآن... 
توقف د.هشام جعيط قليلا عن الكلام، ثم أضاف قائلا: 
- حضور النخبة المثقفة في المرحلة التي تعيشها تونس راهنا أمر مهم للغاية... وأنا أعتقد أن الديمقراطية التي نطمح إليها لن تتحقق على أرض الواقع من دون هذا الحضور... في ألمانيا مثلا كان للمثقفين والمفكرين والكتاب والشعراء دور كبير في إرساء الديمقراطية بعد انهيار النازية. وكذا كان الحال في إسبانيا بعد فرانكو، والبرتغال بعد سقوط الديكتاتورية... لذلك أنا أطلب من كل المثقفين، الذين يزورونني، بأن يعملوا على توحيد صفوفهم لكي لا يظلوا مبعدين عن الأحداث التي تعيشها بلادنا...

سألته: وهل أنت متفائل بخصوص مستقبل تونس؟
هشام جعيط: إلى حد هذه الساعة أنا متفائل، لأن تونس لم تسقط في الفوضى العارمة والمدمرة التي سقطت فيها بعض بلدان "الربيع العربي". وصحيح أن هناك نزاعات بين الأحزاب ولكنها لم تؤدِّ إلى حد الآن إلى العنف والتطاحن. أعلم أن المراحل الانتقالية صعبة وخطيرة، ولكني أعتقد أننا قادرون على تجاوزها من دون أن ندفع ثمنا باهضا، أو نغرق في حرب أهلية. المهم هو أن يكون الحوار الإيجابي هو العنصر الأساسي في كل عمل نقوم به. من دون هذا الحوار لن تتحقق الديمقراطية...

قلت له: ولكن هناك قوى تعمل على إعادة تونس إلى الوراء...
هشام جعيط: أعلم ذلك... ولكن لا مناص من الحوار معها...

قلت له: وإذا ما رفضت الحوار ماذا نفعل؟ 
هشام جعيط: بحسب ما أعلم الذين رفضوا الحوار هم المتطرفون الأصوليون. وهؤلاء ارتكبوا جرائم إرهابية، ولا يزالون يعتقدون أن إقامة حكم إسلامي في تونس أمر ممكن. أما النهضة فهي متمسكة بالحوار. وكذلك حركات أقصى اليسار. وهذا أمر إيجابي...

قلت له: وما رأيك في الجدل القائم الآن حول تقرير لجنة المساواة والحريات الفردية؟
هشام جعيط: لقد قرأت التقرير. وهو يتضمن نقاطا إيجابية. وثمة نقاط أنا محترز بشأنها... المجتمع التونسي لا يزال مجتمعا محافظا وتقليديا رغم المجهودات الهائلة التي بذلها المصلحون التونسيون منذ خير الدين باشا إلى حد هذه الساعة بهدف انتزاعه من الماضي... مع ذلك، لابد من الجرأة لفرض بعض الإصلاحات. ففي البلدان الأوروبية لم تتحقق الإصلاحات إلاّ بفضل قادة يتحلون بالشجاعة وبالإقدام وبالحزم...

سألته: وما جديدك؟
هشام جعيط: الحقيقة أن وفاة زوجتي التي رافقت مسيرتي منذ سنوات الشباب أوجعني كثيرا، بل شلني فكريا حتى أنني لم أكتب شيئا على مدى سنتين ونصف. لكن قبل أشهر ازدحمت أفكار جديدة في رأسي. وقد تكون هذه الأفكار ثمرة قراءاتي المتنوعة والمتعددة. وذات صباح جلست أمام مكتبي وشرعت في الكتابة بشكل يومي وبحماس وتركيز سنوات النضج والعطاء. وبعد مرور بضعة أسابيع تمكنت من كتابة أزيد من 100 صفحة... وقد أسعدني ذلك كثيرا. ومؤخرا توقفت عن الكتابة لأن ابني الذي يعيش في باريس جاء لزيارتي. كما أن حرارة الصيف خفّفت من حماسي للكتابة...

قلت له: أنت بصدد إعداد كتاب جديد إذن؟ 
هشام جعيط: نعم...

سألته: وما موضوعه؟
هشام جعيط: أنت تعلم أن جل مؤلفاتي السابقة تمحورت أساسا حول مواضيع تتصل بالتاريخ العربي-الإسلامي، مثلما هو الحال في كتابي عن الكوفة، وفي الأجزاء الثلاثة التي خصصتها لظهور الإسلام، ما رافقه من أحداث، وبالشخصية العربية وخصائصها الثقافية والحضارية والاجتماعية. كما كتبت عن النهضة العربية وإنجازاتها في المجال الفكري والسياسي، منتقدا جوانبها السلبية المتمثلة في ضعف وغياب الجرأة النقدية. أما الكتاب الذي أعده الآن فمختلف عن كتبي السابقة... في الجزء الأول منه أتحدث عن مفهوم الغرب والشرق. وأنا أعتقد أن الغرب ليس أوروبا كما هي بحدودها الجغرافية الراهنة، بل إن الغرب يمتد ليصل إلى الهند. واعتمادا على ذلك يمكن القول إن العالم العربي بمغربه ومشرقه ينتمي هو أيضا إلى الغرب. وقد اهتم طه حسين بهذا الموضوع في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" مثيرا غضب المحافظين والرجعيين. وأنا أردت الحفر في نفس الموضوع مقدما رؤى وأطروحات غير مسبوقة. وهذا أمر مهم للغاية في هذه الفترة التي تتصادم فيها رؤيتان متعارضتان: الرؤية الأولى هي الرؤية التي يعرضها المحافظون واليمينيون الأوروبيون الذين يرسمون حدود الغرب اعتمادا على المسيحية، واعتمادا أيضا على العرق. أما الرؤية الثانية، فيمثلها الأصوليون الإسلاميون، والقوميون. وهؤلاء يرون أن الإسلام هو العنصر الأساسي الذي يعتمد عليه في التعريف بالشرق نافين التاريخ القديم المتمثل في الحضارة الفرعونية والحضارة البابلية والحضارة القرطاجنية. وكانت هذه الحضارات مؤثرة في أوروبا في الزمن القديم. وكان الحوار قائما بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. والدلائل على ذلك كثيرة. فالقديس أوغسطين الذي ولد على الحدود التي تفصل راهنا بين تونس والجزائر، وعاش في قرطاج طالبا ثم أستاذا، هو أحد رموز الفكر المسيحي منذ القرن الخامس وحتى زمننا هذا. وأبوليوس الذي ولد في نفس المنطقة التي ولد فيها القديس أوغسطين لا يزال مؤثرا في الرواية الغربية من خلال رائعته "الحمار الذهبي". وفي الإسكندرية عاش كبار فلاسفة وعلماء المسيحية الأوروبية مثل أوريجيوس، وهو أحد أقطاب اللاهوت. كما عاش فيها الفيلسوف أفلوطين الذي كان له تأثير كبير على البعض من كبار الفلاسفة المسلمين. ومعنى هذا أن العالم العربي هو جزء من الغرب في العديد من جوانبه الحضارية والثقافية. أما الشرق في نظري فهو ما يسمى جغرافيا بـ"الشرق الأدنى"، الذي يشمل الصين واليابان وكوريا بشطريها وفيتنام وبقية البلدان.

قلت له: أظن أن هذا الجزء من كتابك سيثير غضب اليمين الأوروبي والإسلاميين الأصوليين...
هشام جعيط: فليكن... أنا مؤرخ ومفكر ولي أدلة تثبت بطلان نظرياتهم. وعلى أية حال أنا لا أرغب في استفزاز أحد. وهدفي الأساسي هو إثراء الجدل الفكري والفلسفي حول قضايا نعيشها راهنا. إن الفصل بين الشرق والغرب بحسب مفاهيم واعتبارات دينية أو عرقية أو عنصرية كان دائما مضرا ومفسدا للعلاقات بين الشعوب والأمم. وقد أدى في كثير من المراحل إلى التصادم والتناحر والحروب المدمّرة مثلما هو الحال خلال الحروب الصليبية، وخلال الحقبة الاستعمارية. كما أدى إلى التنافر بين الحضارات والثقافات. لذلك يجدر بنا أن نسعى إلى إبراز جوانب جديدة تساعد على مدّ الجسور بين أوروبا والعالم العربي، وتخفف من حدة التوتر بينهما...

سألته: وما هو المحور الأساسي في الجزء الثاني من كتابك؟
هشام جعيط: الجزء الثاني سأخصصه للبحث في قضية الحداثة في مختلف مراحلها التاريخية. وقد أكون أول مفكر عربي يهتم بهذه القضية. وكان عليّ أن أقرأ وأعيد قراءة كل رموز الحداثة منذ هيغل وحتى زمننا هذا. لماذا هيغل؟ لأنه كان أول من وضّح أن صيرورة التحرر التاريخي للبشرية لا علاقة لها إطلاقا بالمسيرة الواثقة والخطية للعقل الكلاسيكي، عقل "فلسفة الأنوار". ولهذه الصيرورة لحظات تقهقرها، وسلبيتها، المتمثلة بحسب هيغل في الحروب، وفي الانفعالات الإنسانية. كما يرى هيغل أن الشعوب يقودها العقل لكن كما لو أن ذلك يتمّ رغما عنها. والعقل يتجلى في الدولة الحديثة التي من خلالها تتشكل عمليا وفعليا النتائج التجريدية مثل الحرية والعدالة والمساوة. وكان عليّ أن أقرأ أيضا مؤلفات "الهيغليين الجدد"، خصوصا ماركس في فترة الشباب قبل أن ينقلب على ديالكتيك هيغل. وكان لابد من العودة إلى نيتشه وفورباخ وهايدغر وفلاسفة ألمان آخرين تطرقوا إلى قضية الحداثة بطرق وأساليب متنوعة...

سألته: لماذا هذا التركيز على الفلاسفة الألمان؟ 
هشام جعيط: لأنهم، حسب رأيي، أفضل من وضع الأسس للفلسفة الحديثة، ومن خلالها تطرقوا إلى قضايا العصر الكبرى...

سألته: وما هي خصائص الرؤية النقدية للحداثة كما بلورها نيتشه؟
هشام جعيط: قضية الحداثة، كما تعلم، برزت بقوة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واهتم بها شعراء وكتاب من أمثال بودلير ورامبو الذي كتب في نهاية "فصل في الجحيم" يقول: "علينا أن نكون حداثيين بشكل مطلق". وكان نيتشه من بين أبرز الفلاسفة الذين اهتموا بقضية الحداثة في نفس هذه الفترة. ومرة تساءل قائلا: "هل يجوز القول إن ثقافتنا تحتاج إلى فلسفة؟". وهو يعني بكلمة "فلسفة" هنا تلك الفلسفة القوية، القادرة على تأكيد إيجابية الحياة والقيم الرفيعة. وكان نيتشه يرى أن هناك عللا ثلاث تهدد الحداثة وهي: التشاؤم، والنسبية، والعدمية. وهو يعتقد أن فكر "الإنسان الأخير"، كما يسميه، يمكن أن يشير إلى أن كل شيء إلى الخراب والانهيار والأفول. وهذا الموقف الذي يتخذه "الإنسان الأخير" يعكس، بحسب نيتشه، "ضعف الشخصية التي يتميز بها العصر الحديث". وهذا الضعف دليل على عجز الإنسان الحديث عن إثبات ذاته، وعن اتخاذ موقف وعن التحلي بـ"إرادة القوة" لمواجهة القضايا الشائكة والحارقة.

سألته: وماهي المصادر الأخرى التي اعتمدت عليها؟
هشام جعيط: المصادر كثيرة كما ذكرت... لكن كتاب الفيلسوف وعلم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس "فلسفة الحداثة" كان من أبرز ومن أهم المصادر التي اعتمدت عليها. وفي هذا الكتاب هو حاول أن يثبت أنه يواصل ما كان قد طرحه كبار الفلاسفة من أمثال كانط، وهيغل، وماركس. كما يواصل مشروع فلاسفة الأنوار لكن انطلاقا من طرق لم يعتمدها هؤلاء. بهذا المعنى يمكن القول إن كتاب هابرماس ليس فقط تاريخ فكرة، أي فكرة الحداثة المنغرسة في العقلانية الغربية، وانما هو أيضا فلسفة تسعى إلى توضيح وتفسير نموذج جديد.

قلت له: ولكن ليس الفلاسفة وحدهم هم الذين اهتموا بقضية الحداثة، بل أيضا الشعراء والكتاب. وقبل حين ذكرتَ بودلير ورامبو... لكن هناك أيضا فلوبير وإدغار ألن بو وهولدرلين...
هشام جعيط: هذا صحيح... وفي كتابه يتحدث هابرماس عن شيلر الذي كان يرى أن الفن يمتلك القدرة على التوحيد، وعلى تغيير أشكال الحياة التي يتقاسمها الأفراد...

سألته: وماذا عن الحداثيين العرب؟ 
هشام جعيط: ما أنا أسعى إلى توضيحه في كتابي هو التالي: لماذا ظهرت الحداثة في أوروبا وليس في مكان آخر؟ وهذا أمر في غاية الأهمية. وصحيح أن الحداثة الأوروبية اكتسحت العالم لكن ليس بإمكاننا أن ننكر المكان الذي فيه ولدت، وفيه نشأت وتطورت... وقد استفاد العرب فكريا وثقافيا من الحداثة.. وهذا ما يبرز في أعمال طه حسين، جبران خليل جبران، ونجيب محفوظ، والطيب صالح، وعبد الله العروي، وفي شعر بدر شاكر السياب، وأدونيس ومحمود درويش وآخرين... لكن الحداثة عند العرب ظلت دائما معطوبة ومترددة وعاجزة بالتالي عن اختراق المجتمع، والانغراس في تفكير الناس وفي سلوكهم. وفي كل مرة تحاول فيه ذلك، تتصدى لها القوى المحافظة لتشلها، وتحد من تأثيرها...

سألته: هل تقرأ الشعر العربي؟ 
هشام جعيط: طبعا... لكن ليس بانتظام كما هو حالي مع الرواية...

سألته: وهل هناك شاعر عربي يحظى باهتمامك؟ 
هشام جعيط: قرأت أدونيس... تعجبني الأفكار التي يطرحها في شعره وفي مقالاته النقدية...

سألته: وكيف تقضي وقتك؟ 
هشام جعيط: أغلب الوقت أقضيه في القراءة... لكن يروق لي أحيانا أن أخرج لألتقي بأصدقاء معهم ألعب الشطرنج... هذه لعبة أحبها كثيرا...

قلت له: سعدت بزيارتك والتحدث إليك.
هشام جعيط: وأنا أيضا... أرجو أن أراك مرة أخرى...

قلت له: سأكون سعيدا بزيارتك بعد أن تكمل كتابك الجديد...
هشام جعيط: أظن أني سأكمله قبل نهاية العام الحالي...