الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الباحث المغربي محسين المحمدي ينشر "الحداثة ومركزية الرؤية العلمية"

 
مصطفى الزاهيد
 
نشر الباحث المغربي محسن المحمدي أطروحة إبستمولوجية في كتاب يعرض حاليا بمعرض الرياض بالمملكة العربية السعودية تحت عنوان: "الحداثة ومركزية الرؤية العلمية"، عن دار إثراء للنشر، ويدور هذا الكتاب حول فكرة مركزية، مفادها أن الجذر العميق للحداثة، ومحركها الرئيس، ونواتها الصلبة التي سمحت لها بالذيوع كرؤية للعالم، تتمثل في العلم الحديث، كما تشكل في القرنين السادس عشر والسابع عشر ميلادي، فهو من وجهة نظر الباحث، أساس الحداثة المتين، ومنظار رؤيتها الدقيق للعالم، ومهمازها المحرك لكل ثوراتها وانقلاباتها إلى حدود عصرنا الراهن، وهو الذي مازال يغذيها ويعطيها شروط البقاء والاستمرار، شروط التحكم والسيادة، أو لنقل إن العلم الحديث استطاع أن يطغى برؤيته، ويلون الحياة بلونه، ويهيمن على كل الرؤى الأخرى (أسطورية، دينية، فنية...)، وينازعها بشراسة لا ترحم، بل يجعلها تسبح في فلكه، طامعة في بلوغ مستواه وطامحة إلى دقته ونجاعته ومردوديته، فيكفي النظر إلى الشعب والتخصصات في الجامعات وكذلك مراكز البحوث والمختبرات المنتشرة عالميا، ليتبين لنا أنه لا شيء أصبح يتملص من قبضة النظرة العلمية ذات البعد التكميمي الحسابي، فكل ظاهرة إلا وتساق خانعة لتوضع بين يدي مبضع العالم قصد تشريحها وإزالة غموضها وإبعاد الفوضى في تفسيرها.
 
وقد اعتبر المحمدي أن الحداثة، كمنظومة، ستظل قائمة ومهيمنة لا تهتز وتحتل المركز، تاركة بقية الرؤى الأخرى في الهامش، بل جاذبة ومحتوية لها. وعليه، فالمعركة مع الحداثة، سواء في بعدها الإيجابي أو السلبي، يقول المحمدي متشائما إن: "الحداثة لن تثمر في عالمنا العربي الإسلامي، دونما الخوض في دلالة العلم الحديث، والوقوف عند الزلزال والانقلاب العميق الذي أحدثه في رؤية العالم وفي مناهج التفكير والمعرفة الحديثة والمعاصرة. وهو ما قد يجعل مشاريع عربية عديدة تبتعد عن المقصود، وهي تبحث لنا عن موطئ قدم ضمن الأفق الكوني، إذا لم تقف كفاية عند صلب الحداثة الحقيقي...
 
ويكفي مثلا التذكير بالمشروع الائتماني الضخم للفيلسوف "طه عبد الرحمن" الذي يعد، من وجهة نظرنا، مجرد مقاربة أخلاقية، تُحَقِّقُ في نتائج الحداثة ومآلاتها لا أسبابها وأسسها العميقة، وتعمل فقط على تقديم وصفة يمكن من خلالها ترميم أعطابها ومفاسدها من وجهة نظر عربية إسلامية، وهو بالطبع عمل له وجاهته العالية، الأمر الذي فعله حتى الغرب نفسه حينما هَبَّ لنقد الحداثة ومآزقها وإن بمقاربات ومقاصد مختلفتين، أو لنقل بطريقة أخرى، إن طه عبد الرحمن، باعتباره أحد النماذج العربية، التي عملت على تناول الحداثة بشكل مكثف، قد نستحسن منه التعامل مع مآلات الحداثة خاصة الضارة منها مثل: "القسوة، استباحة الطبيعة، الإباحية ـالتكشف، فقدان المعنى،...". لكن هو، بحسبنا، لم يوفق في التعامل مع جذورها التي نراها علمية، ومن لم يصب الأسس الحقيقية للحداثة، سوف يضرب بمعوله فقط في الطوابق العليا، ولن يتمكن آنذاك من اقتلاعها، كبنية، من جذورها...
 
لذلك لا نزال نرى الحداثة مستمرة، لأن الرؤية العلمية مهيمنة ببساطة، ليصبح الإشكال الحقيقي الواجب التطرق إليه هو: هل يمكن إيقاف العلم وطغيانه؟ وكيف يمكن لجم هيمنة رؤيته على تصور البشر؟ هذا التصور، الذي هو عندنا الحداثة عينها، وهي الأطروحة التي عمل الباحث محسين المحمدي على إبرازها في هذا الكتاب.
 
وجدير بالذكر أن هذا الكتاب سيعيد السجال للمُغيّب في المشاريع الحداثية العربية، وهو البعد العلمي والإبستمولوجي.