الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

جميلة وإكرام وأخواتهما.. اختلف السياق والظلم واحد

 
 
حكيمة أحاجو
 
كلما سمعت أن أحد الآباء تنازل عن حق ابنته المغتصب مقابل دريهمات قليلة، تذكرت الآية الكريمة: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"، لا أدري لماذا؟، فرغم أن منطوق الآية 12 من سورة الحجرات يتحدث عن الغيبة، وعن تشبيه المغتاب بتقطيع لحم أخيه، وهو سياق بعيد كل البعد عن اغتصاب الحقوق، إلا أنني أشعر بالامتعاض من سلوك مثل هؤلاء الآباء، فهم يأكلون لحم بناتهم نيئا وهن على قيد الحياة، وإلا ما معنى أن يتنازل والد يملك ذرة عقل عن حق ابنته المغتصبة وهي في عمر الخمس سنوات، بدعوى أنه تعرض للضغط من قبل محيطه الاجتماعي، بدوار "إيمي أوكادير"، في فم الحصن بطاطا، وأنه مجبر على ستر "فضيحة" اغتصاب طفلته.
 
تنازل الآباء عن حقوق مغتصبة لبناتهم يثير الامتعاض لأنه بسلوكهم كأنهم يأكلون لحم بناتهم نيئا وهن على قيد الحياة
 
لقد تناسى والد إكرام أنها طفلة ضعيفة وصغيرة جدا عن إدراك حجم العنف، الذي تعرضت له، ولا تقدر على حماية نفسها، وبالأحرى أن تتحمل وزر فضيحة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وذنبها الوحيد أنها كانت في المكان الخطأ، الأمر الذي استغله "الوحش الأربعيني" جار السوء، لانتهاك حرمة جسدها الغض دون أن يرف له جفن.
 
مغتصب إكرام حصل على تنازل من والدها، الذي من المفروض فيه أن يحمي حقها في الحياة كطفلة، قبل الخوف على عرضها وشرفها من كلام الناس والجيران وسكان القبيلة، فقد كان من المحتمل جدا أن تلقى حتفها بين يدي مغتصبها، بل أكثر من ذلك خرج المغتصب من السجن وهو يلوّح بإذن السراح المؤقت الذي مكّنه منه القاضي، ولولا هاشتاغ "كلنا إكرام"، الذي أطلقه مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، لما عاد للسجن ولبقي حرا ولكان اغتصب طفلات أخريات غير إكرام.
 
ما جرى في قضية الطفلة إكرام يسائل نزاهة القضاء المغربي، ومدى نجاعة قانون الاغتصاب، المتسم أصلا باستسهال الأمور بشكل مشين، بدليل أننا عشنا تجارب عدة تؤكد أن إعفاء الجناة من العقوبة بتنازل ولي أمر الضحية يفتح الباب أمام ازدياد حالات الاعتداء على القاصرات، ويرسّخ مبدأ الإفلات من العقاب في مثل هذا النوع من الجرائم.
 
ما يجري يسائل نزاهة القضاء المغربي إذ إن إعفاء الجناة من العقوبة بتنازل ولي أمر الضحية يفتح الباب أمام ازدياد حالات الاعتداء ويرسّخ مبدأ الإفلات من العقاب
 
أب آخر لا يختلف سياق تنازله عن حق ابنته المتوفاة في التصريح بها في صندوق الضمان الاجتماعي، عن تنازل والد إكرام عن مغتصبها، فقد قرر والد الراحلة جميلة بشر، كاتبة مصطفى الرميد، تبرئة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، من حق تسجيل ابنته التي اشتغلت لديه لعقود في صندوق الضمان الاجتماعي، بدعوى أن الوزير كان كريما مع ابنته ولم يبخل يوما في مساعدتها بما جاد به كرمه، ناسيا هو الآخر أننا نعيش في دولة مؤسسات يحكمها القانون وليس "تكية أو زاوية" يسود فيها البر والإحسان.
 
تنازل والد جميلة عبر بيان جانبَ الحقيقة، تناقله رواد المنصات الاجتماعية، لم ينجح في رتق سمعة مصطفى الرميد، الذي لجأ لتبييض صفحته مع مناضلي حزبه، وذلك بمطالبة لجنة النزاهة والشفافية للتحقيق معه ومساءلته.
 
ورغم أن لجنة حزبه برّأت ساحته وقالت أنه أخطأ ولم يخرق القانون، فقد وجد الرميد نفسه في موقف حرج، لم ينجح بلاغ والد الراحلة جميلة بشر، في التخفيف من حجم جريرته، لأنه عرّض سمعة البلد للبهدلة، فالرجل قضى في المسؤولية الحكومية 8 سنوات، وهو يحمل حقيبتين مهمتين وهما وزارتي العدل وحقوق الإنسان، ومع ذلك خرق القانون وبدا وكأنه لا يعترف بدولة المؤسسات ولا يحترم قانون الشغل.
 
لقد تأكد بالملموس أن بعض الآباء هم من يصنعون مصائر بناتهم، وبالتالي فالأب الذي يحرص على حق ابنته في إتمام تعليمها وفي تكوينها وضمان استقلاليتها وحقها في التعبير، وحقها في العمل، لن يقبل، مهما كانت الإغراءات، بالتنازل عن حقها، سواء تعلق الأمر باغتصاب حرمة جسدها، أو حقها في التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي، حتما لن يقبل لأنه ليس هناك أب سوي يقبل أن يأكل لحم ابنته نيئا مهما كان الثمن.