الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
أعضاء المجلس والحكومة وشخصيات سياسية لدى افتتاح مقر المجلس الوطني للصحافة

حول النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة

عز الدين بونيت
 
 
حاولت تجاهل التعليق على موضوع مرسوم المصادقة على النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة، لأنه، منذ الوهلة الأولى، عُرض على الرأي العام من طرف بعض المواقع بطريقة تكشف عن عدم استقصاء ولا حرص على تأطير الخبر تأطيرا صحيحا، أو ربما كانت مغرضة في طريقة عرضها للموضوع، لكن عريضة احتجاجية فايسبوكية وصلت إلى حائطي الافتراضي، جعلتني أغير رأيي.
 
مضمون هذا النظام الداخلي لا علاقة لرئيس الحكومة به. ليس هو الذي وضعه ولا صاغ مواده ولا حدد مقتضياته. هذا النص وضعه المجلس الوطني للصحافة نفسه بمقتضى المادة الثانية من القانون 90.13 المنشئ له. وعمل رئيس الحكومة كان فقط هو إمضاء هذا المرسوم، الذي صودق بموجبه على هذا النص، كما هو منصوص عليه في القانون المذكور أعلاه.
 
العريضة ضد المجلس الوطني للصحافة بصيغتها الموجهة إلى رئيس الحكومة هل تخدم استقلالية الصحافة والثقافة الديمقراطية؟
 
ولكي تتضح دلالة هذا التدقيق أكثر، لابد من وضعه في إطاره الأشمل: المجلس الوطني للصحافة ليس مؤسسة حكومية، وليس خاضعا لوصاية الحكومة، بل هو هيئة مهنية مستقلة يشمل نطاق اختصاصها الصحافيين المهنيين والمؤسسات الصحافية وتعنى بقضاياهم المهنية، وهو نتاج نضال طويل للجسم الصحفي الذي ظل يطالب بإنشاء هيئة مهنية يسند إليها على الخصوص وضع ميثاق المهنة والسهر على تطبيقه، عوض تدخل الدولة أو أطراف أخرى في ذلك. ويعد إحداث المجلس خطوة مهمة في اتجاه تعزيز استقلالية الصحافة وحماية المهنة من التجاذبات السياسية أو المالية. وبهذا المعنى، فهو آلية من آليات تعزيز المناخ الديمقراطي، الذي تعد الصحافة أحد ركائزه. يمكن تشبيه هذا المجلس ببقية الهيئات المهنية الحرة التي ينظمها القانون، مثل المحاماة والهندسة المعمارية والمحاسبة والطب والصيدلة وغيرها، مع مراعاة الفروق المهنية بطبيعة الحال.
 
يتشكل هذا المجلس من 21 عضوا منهم أربعة عشر ينتخبهم ناخبون ينتمون إلى هيئتين ناخبتين، ويحدد القانون 90.13، شروط أهليتهم. وهم الصحافيون المهنيون (سبعة أعضاء) والمؤسسات الصحافية (سبعة أعضاء)، أي أغلبية الأعضاء (14/21). أما السبعة الباقون، فيمثلون ثلاث مؤسسات دستورية (المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني للثقافة واللغات)، بالإضافة إلى ممثل عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، واتحاد كتاب المغرب، وصحافي شرفي، وناشر سابق. وتعين الحكومة ممثلا لها لدى المجلس له صفة استشارية (لا يشارك في أي تصويت أو مداولة). ينتخب المجلس رئيسه ونائبه من بين أعضائه المنتمين إلى الهيئتين المهنيتين (لا يمكن للأعضاء غير المنتخبين أن يتولوا المهمتين).
 
نستنتج من هذه المعطيات أن المجلس ليس من ملحقات الحكومة ولا من توابعها، ولا تعين الحكومة أي عضو من أعضائه. ونظامه الداخلي يضعه بنفسه ويصدر في الجريدة الرسمية بمرسوم للمصادقة عليه تطبيقا للمادة الثانية من القانون 90.13 . ومن اطلع على النص في الجريدة الرسمية سيلاحظ ذلك، وسيلاحظ على الخصوص أن توقيع رئيس الحكومة لا يشمل النص نفسه لأن هذا ليس من حقه وانما يقع تحت نص المرسوم مباشرة.
 
لهذه الأسباب، أرى أن العريضة التي تروج في هذه الأثناء، لا سند لها، ومن الأولى سحبها أو تركها جانبا، لأنها ليست متناسبة بتاتا مع طبيعة الملف، وهي بمثابة دعوة لممارسة الحجر الاجتماعي والسياسي على هيئة مهنية مستقلة تمثل مهنيي الصحافة المتوفرة فيهم شروط عضوية المجلس وانتخابه. وهم وحدهم من يملك حق تحديد كيفية تدبير أموره. ولقد عجبت كيف أن محامين ومهندسين معماريين انضموا إلى عريضة الاستنكار هذه أو إلى ما يسير في اتجاه مضمونها، وهم الأجدر بأن يعرفوا ما معنى أن يتدخل متدخلون من خارج المهنة في توجيه الهيئة المهنية، التي ينتمون لها.
 
لا أرى أن توقيع مثل هذه العريضة، على الاقل بصيغتها الموجهة إلى رئيس الحكومة، يخدم استقلالية الصحافة ولا الثقافة الديمقراطية من أساسها. حين ننخرط في مثل هذه الحركة، نكون بصدد نزع الثقة من أعضاء مجلس لم ننتخبهم نحن، ولا صفة لنا للحكم على مصداقيتهم ولا نزاهتهم. والحال أننا لسنا صحافيين ممن تتوفر فيهم شروط صفة الناخب في هذه الهيئة، ولسنا أصحاب مؤسسات صحافية عضو في الهيئة تؤدي واجبات انخراطها. فبأي صفة نسمح لأنفسنا بالطعن في ممثلين مهنيين والحديث باسم مهنة لا نمارسها. وأنا أرى أن أي استنكار لبنود النظام المذكور ينبغي أن يوجه إلى رئيس المجلس وأعضائه رأسا...
===============
كاتب وباحث ومخرج مسرحي