خطاب الملك محمد السادس، أول أمس السبت، بمناسبة الذكرى 23 لتولي العرش، أعاد طرح سؤال جوهري سبق أن طرحتُه في مقال نُشر قبل شهر من الانتخابات التشريعية لثامن شتنبر 2021، وكان السؤال هو: هل يُقْدم الملك على تعيين امرأة على رأس الحكومة المقبلة؟
كنت قد قلت وقتها إن تعيين الملك لامرأة على رأس الحكومة المقبلة سيكون حدثا سيجعل من المغرب أول دولة عربية تجلس فيه امرأة على كرسي رئاسة الحكومة، كما سيكون المغرب سبّاقا لذلك قبل عدة دول عظمى تتغنى بالانفتاح.
في المقال ذاته، ذكّرتُ بالعقلية الذكورية التي مازالت سائدة لغاية اليوم في معظم الدول المتقدمة كفرنسا، التي ترشحت فيها للانتخابات الرئاسية كل من سيگولين رويال سنة 2007 ، ومارين لوبان سنتي 2016 و2022، لكن دون جدوى.
كذلك أمريكا التي لم تستطع امرأة الفوز بالرئاسيات، منذ 200 سنة، الشيء الذي دفع بايدن أن يعِد بالتخلي عن مقعده الرئاسي بعد نصف الولاية لنائبته كمالا هاريس.
وهي نفس العقلية الحزبية الذكورية التي سادت وتحكّمت في تشكيل الحكومات المغربية ورئاستها، منذ أول حكومة بعد الاستقلال السياسي للمغرب في سنة 1956، وإلى حدود اليوم، لم يفكر "أحد" في اختيار امرأة لتكون على رأس الحكومة المغربية؟
شخصيا، أرى أن هذا الأفق اليوم، أي تولّي امرأة رئاسة الحكومة لأول مرة، هو تطلّع مشروع، فيه توجّه ملكي، وفيه تنفيذُ لمبدأ دستوري...
قبل التوقّف عند هذا الأفق، نشير أولا إلى العناية، التي أولاها الملك لوضعية المرأة، سواء في صدارة خطاب العرش 2022، أو في حجم الحيّز، الذي خصّصه لها في مساحة هذا الخطاب، إذ شدّد الملك محمد السادس على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات، مستعرضا أبرز محطات الإصلاحات للنهوض بوضعية المرأة في المغرب، ومنها بالخصوص مدونة الأسرة سنة 2004، ثم الدستور الجديد لسنة 2011، الذي كرّس، في الفصل 19، المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في الحقوق والواجبات، ونصّ على مبدأ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه، باعتبار أن تقدم المغرب، يقول الملك، يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية.
نحن اليوم في صيف غضب مغربي يطالب رئيس الحكومة بارون المحروقات عزيز أخنوش بالرحيل...
إن ذهاب أخنوش وتولّي امرأة رئاسة الحكومة سيكونان "الحدث المغربي الثوري المنشود"، والذي من شأنه إطفاء الشرارة التي أشعلها أخنوش دون أن ينصف المرأة، تنزيلا للدستور، كما من شأنه تفعيل توجيهات الجالس على العرش، التي تؤكد، باستمرار، على ضرورة "النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها"... والمكانة، التي تستحقها اليوم هي تكسير الجدار الذكوري، الذي مازال يطوّق رئاسة الحكومة، إذ إن المرأة، حاليا، اقتحمت كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والتربوية، إلا رئاسة الحكومة، التي ظلّت حكرا على الرجال، و"محرّمة" على النساء، وكان عزيز أخنوش سيكون كبيرا، بل وعملاقا، لو أنه تصرف بعقلية السياسي حماية لنفسه من الاصطدام مع الشعب، واقترح على الملك امرأة لتولي رئاسة الحكومة، لكن السي عزيز كان منتشيا بنتائج انتخابات ثامن شتنبر، فلم يقرأها جيدا، فغرق في اللحظة عوض النظر إلى المستقبل، فلم يرتح له بال ولا مال ولا أعمال حتى استبد بكرسي رئاسة الحكومة، الذي أوصله اليوم إلى حملة شعبية متصاعدة ترفع في وجهه هاشتاغ الرحيل، وإلى خطاب الملك، الذي ينصت إلى نبضات المغاربة، ليندد مباشرة بالمضاربات والتلاعبات في الأسعار... بعدما ذكّر الملك بمرحلة جائحة كورونا العصيبة التي دبرها بنفسه وقال: "تمكنا، والحمد لله، من تدبير هذه المرحلة الصعبة، بطريقة فريدة، بفضل تضافر جهود المواطنين والسلطات"... وعلى خلاف عدم تدخل حكومة أخنوش في الزيادات الصاروخية للأسعار، قال الملك عن مرحلة تدبيره: "لقد بذلت الدولة مجهودات جبارة،.. كما عملت على توفير المواد الأساسية، دون انقطاع، وبكميات كافية، في كل مناطق البلاد...".. والخطير هو أن يتكلم الملك، في خطابه، عن أناس يسعون وراء "أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة"، وختم الملك بقوله: "وهو ما يجب محاربته".
الملك، في خطاب العرش، قال، كذلك، وبكثير من الحسم: "في مغرب اليوم، لا يمكن أن تُحرم المرأة من حقوقها"...
إن المأمول أن تكون مضامين الخطاب الملكي مناسبة لكي يلتقط الملياردير عزيز أخنوش الإشارة، ويفهم الرسالة، ويبادر بالاستقالة، قبل أن يتعرّض للإقالة.