الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

في آخر لقاء تلفزيوني.. رئيس القوة الجزائرية المضروبة يتحدث بحقد ويحقّر الأفارقة

 
محمد نجيب كومينة
 
 
اللافت أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، من النوع الذي لا يقيم اعتبارا للغة الديبلوماسية أو لآداب الخطاب الموجه للغير، ولا يهمه أن تصدر عنه كلمات وصيغ من شأنها أن تستفز الآخرين، وليس هناك من ينبّهه، فيما يظهر أن فلتات اللسان (Lapsus linguæ) تُحلَّل باعتبارها معبرة عن حقيقة موقف المتكلم.
 
لقد كان لقاؤه مع صحافي جزائري، بُث مساء يوم الأحد 31 يوليوز 2022، بعد تسجيله في وقت سابق، مليئا بفلتات اللسان التي سينتبه إليها لا محالة محللو الخطابات، وستستفز من دون شك القادة الأفارقة، نظرا لفجاجتها وانطوائها على ميل إمبريالي واضح يعيدنا إلى الحديث عن إرث الجزائر الفرنسية المستمر في لاوعي ووعي من يزعمون انهم ورثة حركة تحرر وطني قاومت الاستعمار.
 
ذلك أن رئيس القوة الضاربة والقوة العظمى، كما يسميها هو نفسه، لم يتردد في القول بصراحة، لا تختلف عن الوقاحة: "نريد حصتنا من أفريقيا"، هكذا، وكأن أفريقيا بقرة تم ذبحها بغرض اقتسام لحمها.. وهو قول يذكّر بما قاله قادة الدول الإمبريالية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في مؤتمر برلين وبعده، حين اشتد الصراع بين من يملكون مستعمرات كثيرة ومن ينافسونهم للفوز بحصص من القارة (Having vs No having) وأدى إلى الحرب العالمية الأولى.
 
وزاد الرئيس تبّون على ذلك أن عيّن من يحق لهم في القارة اقتسام البقرة المذبوحة وحددهم في ثلاثة لا شريك لهم: الجزائر في الشمال ونيجيريا في الوسط وجنوب أفريقيا في الجنوب، مستشهدا، للمرة الثانية، في خرجاته الإعلامية، بدراسة أعدتها جهة أمريكية سنة 1994 حسبه، ولا أحد عرف عنها شيئا ولا وجود لها إلا لديه ربما، نظرا لكونها مرجعيته ومرجعية السياسة الأفريقية والخارجية للنظام الجزائري، والبيّن أن اختياره للدول الأفريقية الثلاث لا ينطلق من حجم الثروة الوطنية، لأن الناتج الداخلي الخام المصري مثلا يتجاوز الناتج الجزائري بكثير بدون البترول والغاز، أو من عدد السكان، إذ إن عدد سكان مصر يتجاوز ضعفي سكان الجزائر، أو من القوة العسكرية، لأن قوة مصر العسكرية متفوقة، كمًّا ونوعًا، على القوة الجزائرية حسب التصنيفات العالمية.. وأتحاشى هنا المقارنة مع المغرب واختلاف الديناميات ومستوى تطور البنيات التحتية والقطاعات الإنتاجية وغير ذلك. الرئيس الجزائري يفكر من داخل منطق الجزائر الفرنسية، كما أسلفت، ويُمنّي النفس أيضا بأن يكتسب الوضع الإقليمي لجنوب أفريقيا في جنوب القارة، حيث تفرض هيمنتها على محيطها الغارق في التخلف والفقر وعدم الاستقرار، دون أن تكون له قدرات بلد نيلسون مانديلا على أي صعيد أو مستوى، وفي هذا السياق كانت إشارته إلى مصر "في الجهة الأخرى" مشحونة بحقد لم يستطع إخفاءه على مصر التي تمثل بالنسبة إليه، ولنظام الجنرالات الفاشل، عقدة، ليس بسبب دورها في ليبيا حيث تواجه وتُفشل العمل التخريبي للمخابرات الجزائرية وأذنابها، بل وأيضا لأسباب أخرى، تندرج ضمنها التحالفات الإقليمية والعلاقات مع المغرب، كما تندرج ضمنها الديناميات الاقتصادية والتنموية في مصر.
 
وحين تحدث رئيس القوة المضروبة بهذه الطريقة الإمبريالية عن أفريقيا، فإن المغرب كان حاضرا في خلفية كلامه بقوة، إذ يقارن في العمق بين نجاح الاستراتيجية الأفريقية القائمة على منطق التنمية المشتركة ورابح-رابح، وبين فشل الجزائر حتى في تسيير خط بحري إلى موريتانيا، والفشل في أن تكون الجزائر فاعلا في تنمية التنمية في القارة، التي انطلقت فعليا في بداية الألفية الجديدة وما تزال تواجهها تحديات كبيرة، وهو ما اعترف به، وهذه أيضا من فلتات لسانه التي تقود إليها الثرثرة، عندما أشار إلى أن الجزائريين لم يستثمروا في أفريقيا، وكأنهم يستثمرون أصلا في الجزائر دون خوف من انتقام الجنرالات، وهي إشارة تحيل على تصريح سابق لتبّون قال فيه "المغاربة كلاونا فـأفريقيا"... ويعترف رئيس القوة المخروبة أيضا بأن المغرب يحظى اليوم بثقة واحترام الدول الأفريقية... وهو موقع تأتى للمغرب نظرا لدوره الاستثماري والتنموي المنتج للقيمة المضافة، وأيضا نظرا لكونه يتعامل باحترام كامل مع أشقائه الأفارقة ويعاملهم على قدم المساواة ويبتعد عن أي أحلاف تروم السيطرة على القارة أو انتهاك سيادة دولها واستقلالها، وهذا ما انعكس بوضوح على التوازنات داخل الاتحاد الأفريقي منذ عودة المغرب وما من شأنه أن يضع نهاية لخرق المقبور إيدم كودجو، الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية في ثمانينيات القرن الماضي، الذي ترتب عليه إدخال كائن مصنوع في مكاتب مخابراتية ومسخر لأهداف مكشوفة، إلى المنظمة القارية، ضدا على كل مقتضيات القانون الدولي، التي تعرف الدول وخصائصها.
 
وقد بات مؤكدا أن جزءًا من أجوبة الرئيس تبون على أسئلة الصحافي متعلقًا بالمغرب قد حذف بعد خطاب الملك محمد السادس، الذي فاجأهم باستمراره في اليد الممدودة، ولا أستبعد أن ذلك الجزء، الذي قيل إنه غطى 20 دقيقة، كان مليئا بفلتات اللسان وبالكلام الذي لا يليق أن يصدر عن رئيس دولة، أو عن أي مسؤول في دولة، إذا كانت هذه الدولة مسؤولة فعلا، وكان مسؤولوها يعون ويقدرون مسؤولياتهم، ولننظر كيف يتحدث بوتين ورؤساء الدول والحكومات في الغرب، وكيف تلجأ الإدارة الامريكية إلى تصحيح فلتات لسان بايدن.
 
لست أدري كيف سيكون رد فعل عدد من الدول الأفريقية على الكلام التحقيري الذي قاله الرئيس الجزائري في حقها، لأنه اعتبرها لا شيء وقابلة للاقتسام كبقرة مذبوحة أو كعكة، بلا أدنى احترام لسيادتها وشخصيتها الوطنية والدولية، لكنه من المؤكد جدا أن الجميع سيمج هذا الأسلوب الجارح الذي ينتمي إلى زمن مضى، زمن الاستعمار...