الملك الراحل الحسن الثاني بإحدى البوادي دون بروتوكول
ملك غريب الأطوار.. حينما كان الحسن الثاني يفاجئ الجميع ويظهر في الدواوير والأسواق والزوايا الصوفية
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
يرى الدكتور سعيد هبال، من خلال اتصاله بالعديد من الشخصيات التي كانت تدور في فلك الحسن الثاني، أثناء اشتغاله على كتابه "أصدقاء الملك"، أن الملك الراحل كان يتميز بشخصية غريبة الأطوار، إذ بالقدر الذي يستحضر فيه البعض صرامته و"تشدده"، ليس مع الشعب فحسب، بل حتى مع أسرته، بالقدر الذي يتميز فيه بعمق إنساني أيضا يضفي على شخصيته نوعا من التاقض، مثلا، يقول هبال، عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني يخرج في رحلة للصيد، كان يتوقف عند أحد الدواوير، ويسأل حاشيته "كيفاش هاذ الناس معندهومش الضو..؟"، وأنهم يقتصرون على الشمع والفتيل للإنارة فقط، كان بحسب هبال يسأل أيضا عن سبب انعدام الطرق أو الماء الصالح للشرب، وكان لا يبرح مكانه حتى يفك بعض العزلة عن هذا الدوار أو ذاك، ورغم أن الحسن الثاني كان ملكا تدور الأشياء من حوله، إلا أنه كان حسب المتحدث، مثل جميع المغاربة يجاهد من أجل الوصول إلى المعلومة، بدليل أنه غضب أكثر من مرة على بعض خدامه، متسائلا "كيفاش نقرا في جريدة أو نسمع فالراديو أن فنان كايجمعو ليه فالفلوس باش يشريو ليه الدوا.. وكيف أن مثل هذه الأخبار لا تصلني"، فكان إزاء ذلك يتصل مباشرة بوزير الثقافة أو مدير الإذاعة والتلفزة موبخا إياهما على عدم إخباره بالأمر أولا.
ومن غرائب الحسن الثاني، أنه كان يتنصل من ثقل البروتوكول ويقف عند دوار ما، فيشاهد طفلات صغيرات أمام البئر يملأن دلائهن وسطولهن بالماء.. كانت وقفته تلك تطول وتقصر حسب مزاجه، فيلتفت عند مرافقيه ويقول "واش حنا عندنا لابيسين وكاندوشو وكانشربو الما من الروبيني.. وهاذ الناس كايضاربو على الما مساكن.. واش هاذ المسؤولين كايحشموا ولا ما كايحشموش"، ويضيف هبال، أن الحسن الثاني كان خلال أوقات الفراغ يفاجئ الجميع ويظهر في الأسواق، أو تجده في بعض الزوايا الصوفية، يجالس "الفُقرا" المسؤولين على تدبير شؤونها، فكان يقول لهم حسب ما جمعه من معطيات، "قراو ليا شي بركة من هاذ المتن أو هاذ الوِرد"، كما كان يفاجئ "الفُقرا" عندما يطلب منهم أن يتلوا في حضرته وردا لـ "سيدي خليل"، أو مقتطفا مما وِرد لابن عشير، بل الأدهى من كل ذلك، كان يأمرهم بالقول "الله يرضي عليكم قراو ليا القرآن.. ولكن بالطريقة تاع بجعد، أو بني مسكين، أو بطريقة الزاوية التاغية لسيدي أحمد التاغي"، لأن الملك، حسب هبال، كان يعرف كل أنواع القراءة القرآنية المشرقية منها والمغربية، فعندما ترغب نفسه في الاستماع إلى القرآن الكريم، وتحديدا بقراءة معينة، كان يستدعي هؤلاء الفُقرا للمثول بين يبديه، أو أن يذهب شخصيا إلى حيث يتواجدون بالزوايا والطرق، ولعل ذلك هو ما جعل حبل الود بينه وبينهم متينا، حيث كان يخصص لهم كل سنة الذبائح والهدايا والأموال أيضا.