الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
عثمان الفردوس وزير الثقافة والشباب والرياضة

فضيحة.. الخبراء توصلوا إلى لقاح ضد كورونا والفنانون المغاربة مازالوا ينتظرون توصلهم بدعم الوزارة

 
إسماعيل بوقاسم
 
 
قد لا نخجل نحن معشر المغاربة، وضمننا قوافل الفنانين والمثقفين، من الاعتراف علناً بانخفاض درجات منسوب الحس الوطني في نفوسِ كثير ممن تعاقبوا على ترتيب دفاترنا داخل الحقائب الوزارية المعنية بتدبير شؤوننا الفنية والثقافية.
 
يحُز في النفس أن نتحسّس أن أسباب تراجع صبيب مؤشر قياس الثقافة والفن بالمملكة، ليس مرده لعُقم أو انحدار في الخلق والإبداع وإنما في تدني مستويات الحس الوطني في نفوس الماسكين بزمام الأمور، والمتحكّمين في أنفاس راهن ومستقبل مشهدنا الثقافي
 
هذا البوْح المفتوح، قد لا يشكل لنا أي إحراج في الجهر بالحقيقة العارية لما جرى ويجري بين ظهرانينا من تراجع ملموس ومحسوس على سلاليم الفن والثقافة، طالما أنه مُجرد تحصيل حاصل.
 
يحُز في النفس ويبعث على القلق أن نتحسّس، ونحن تحت سكرات لحظة الاعتراف، أن أسباب تراجع صبيب مؤشر قياس الثقافة والفن بالمملكة، ليس مرده لعُقم أو انحدار في قدرة المُخيلة المغربية على تطويع مسافات الخلق وركوب صهوة الإبداع، أو لعجزِ قبيلة المبدعين على النَّهل من خَوابي الفن والجمال، أو تراخٍ في تسلق عتبات تطورالمشهد الثقافي لعالم اليوم، إنما يكمن سِرُّ تلك الأعطاب والتراجعات التي بصمت مشوارنا الفني والثقافي، في تدني مستويات الحس الوطني في نفوس الماسكين بزمام الأمور، والمتحكّمين في أنفاس راهن ومستقبل مشهدنا الثقافي، وانخفاظ درجات الحس المُواطن في تعاطيهم مع قضايا القطاع ومشاغله الكبرى.
 
كل القطاعات استفادت من الدعم المباشر للدولة بما فيها القطاع الخاص، باستثناء معشر الفنانين المغاربة (...) لا لشيء سوى أنهم يحملون بطاقة "فنان"، لا ينتمون للقطاع المهيكل ولا غير المهيكل، وقد أغلقت الدولة جميع أماكن اشتغالهم ومصادر عيشهم
 
داخل الحيز الزمني للحظة الاعتراف، تنتابنا حماسة الجهر على مضض، بحقيقة التعاطي السلبي والمُجحف للجهاز الوصي مع أفواج الفنانين والمبدعين المغاربة، طيلة فترة اجتياح فيروس "كورونا" للبلاد، حيث تمكّن، هذا الجهاز، بتدبيره التقليدي العميق، من تحويل سفينة قطاع الفن، وعلى متنها أفواج المبدعين، إلى قِطاع لا يتسع فيه المجال لاستنشاق هواء نظيف، عكس باقي القطاعات المتضررة من تداعيات الجائحة، فتعطلت مساحة الأمل، على ضعفها داخل مدارات هذه السفينة... ذلك أن كل القطاعات استفادت من الدعم المباشر للدولة بما فيها القطاع الخاص، باستثناء معشر الفنانين المغاربة (...) لا لشيء سوى أنهم يحملون بطاقة "فنان"، وهذا الأخير لا ينتمي للقطاع المهيكل ولا غير المهيكل، ولذلك يتأرجح بين المنزلتين (اللهُ وليُّهُ)..؟؟ علما أن القانون المغربي يخول للمُواطنين أجمعين حق التعويض عن فرص الشغل الضائعة، بعد أن تغلق الدولة جميع أماكن اشتغالهم ومصادر عيشهم.
 
الأعطاب والمطبات، التي حكمت تدبير القطاع الثقافي والفني في ظل أزمة "الوباء"، إبان الولاية "العثمانية الجديدة"، حوّلت مركبة المبدعين المغاربة إلى ما يُشبه سفينة مُفككة، وُزّعت أجزاؤها وأشرعتها ومحتوياتها بشكل يصعُب معه إعادة ترتيبها بما يليق بمكانتها داخل حركية المجتمع المغربي. أعطاب تقاذفتها رياح هواجس الاستهتار والانتهازية، التي تتدحرج بين أروقة وممرات وزارة الثقافة، وتتحكم في أزرار شبكة محيط الوزير، وأيضا عبقرية كبير"السَّحرة" الذي يتنطط على موائد الفن، ويتربص بمستقبل الشأن الثقافي بالبلاد...
 
الأعطاب والمطبات، التي حكمت تدبير القطاع الثقافي والفني في ظل أزمة "الوباء"، إبان الولاية "العثمانية الجديدة"، حوّلت مركبة المبدعين المغاربة إلى ما يُشبه سفينة مُفككة، تقاذفتها رياح هواجس الاستهتار والانتهازية، التي تتدحرج بين أروقة وممرات وزارة الثقافة، وتتحكم في أزرار شبكة محيط الوزير
 
داخل مسافة البوح، ونحن نتفحص فهرس مُفكرتنا، لاستحضار بدايات مسلسل الأعطاب في زمن الوزير الجديد، مالت بنا الذاكرة إلى أول تلويح لأصغر الوزراء سنا في حكومة "العثماني"، بتاريخ 17 يونيو 2020، بورقة دعمٍ أطلق عليه مهندسو وزارته مِمَّن أسند لهم مهام تَصميمِ خَرائِط مُستَقبل الثقافة بالبلاد، صفة "استثنائي" مع أنه دعم أبعد ما يكون عن هذا الوصف. وبالرغم من تواضع أرقامه، إلا أنه خلّف رجة كبرى داخل دُروبِ القطاع، وأثار ردود فعل متباينة داخل أوساط المجتمع، حيث تفاعلت خيوطه على شبكات الإنترنيت، وتسللت عبر نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي إلى الساحات العامة، وامتد صداها إلى علم أغلب مغاربة العالم. فهو الدعم الوحيد في مملكة محمد السادس، الذي أثيرت حوله الشكوك، وخلّف ضجة كبرى داخل جميع فئات المجتمع، علما أنه لا يتعدى (شراء عروض أو لوحات أو كتب... و... و... وما شابه)، بما يعني أنه لا يشبه الدعم المباشر، الذي تلقته الصحافة وكثير من القطاعات الخاصة والعمومية. وعلى علاته وضعف ميزانيته، ما زالت العائلة الفنية برمتها وإلى حدود الساعة، تلتمسُ حُكم الإفراج عنه من الوحدات المركزية لحواسيب الوزارة، ويمكن القول إن الكفاءات العلمية عبر العالم قد توصلت إلى لقاح ضد فيروس "كورونا"، والمواطنون المغاربة أوشكوا على الشروع في حملة التلقيح الجماعي عبر التوصل باللقاح، في حين مازال الفنانون المغاربة ينتظرون توصلهم بدعم وزارة الثقافة، عن شرائها منهم منتوجات فنية ليس إلا...
 
داخل مساحة البوح، تسللنا ننبشُ عن وجه "الاستثناء" في دعم الوزير الجديد.. حفرنا قليلا في ذاكرة الدعم العمومي الذي تقدمه وزارة الثقافة للفنانين كل عام، وبمجرد إطلالة خاطفة اتضح بون شاسع بين ما قُدّم بالأمس في إطار الدعم العادي، وما أصبح عليه اليوم وهو في حالة "الاستثناء"، حيث سَجّل عداد مبلغ الدعم لمواسم (2015 -2016 -2017 -2018 -2019) ما قيمته 15.000.000 درهم، عن كل موسم، وُزعت في أقصى الحالات على 66 فرقة مسرحية. وفي عز جائحة "كورونا" وتفاقم الوضع الاجتماعي لأفواج الفنانين، وَزعت لجنُ معالي الوزير مبلغ (19.630.000 درهم) على 173 فرقة مسرحية داخل خانة شراء مُنتجات فنية، وليس دعما مباشراً للتعويض عن فقدان فرص الشغل. وهو ما يعني أن 4.630.000 الزائدة عن قيمة الدعم العادي، وزعت على 107 فرق "وهاذي خايبة حتى للتعاويدة".
 
الوضع الفني والثقافي المغربي يعيش، راهنيا، حالة قُصوى من الارتباك، جراء انزياح ثلة من المسؤولين عن تدبير شؤونه، وفئة واسعة من "المُخالطين" المنتمين إليه، للدفاع عن الباطل بالباطل، وترجيح كفة أولياء النعمة من المتحكمين في تدبير دواليبه، والمُتمسكين بزمام الأمر، على كفة الفنان المحجور عليه
 
هذا المعطى يفسر بجلاء أن حالة "الاستثناء" تكمن فقط، في قلة حيلة دائرة مُحيط الوزير، وفشلها الذريع في التنقيب عن مبادرات جادة وعملية لتحويط تدني مستويات الوضع الاجتماعي لقوافل الفنانين المغاربة، عوض تغطية الواقع بتلاوين سياسية، وتخريجات بئيسة ترجع بمشاريعنا الفنية والثقافية سنوات ضوئية إلى الوراء.
 
الوضع الفني والثقافي المغربي يعيش، راهنيا، حالة قُصوى من الارتباك، جراء انزياح ثلة من المسؤولين عن تدبير شؤونه، وفئة واسعة من "المُخالطين" المنتمين إليه، للدفاع عن الباطل بالباطل، وترجيح كفة أولياء النعمة من المتحكمين في تدبير دواليبه، والمُتمسكين بزمام الأمر، على كفة الفنان المحجور عليه.