عودة إلى فضيحة كولومبيا.. الديبلوماسية المغربية أمام منعطف خطير مع خازن وزاري ومدير
الكاتب :
جلال مدني
جلال مدني
الخبر "الخفي"، الذي نشرته الزميلة "الأسبوع الصحفي"، في عددها الحالي، الموجود في الأكشاك، في زاوية "ما خفي"، يتحدّث عن واقعة استهدفت "المبعوثين" الجدد إلى البعثات الديبلوماسية المغربية في الخارج من طرف كل من وزارة الخارجية والخزينة العامة، وتفاصيلها تقدّم نموذجا يكشف عن أسباب الفضائح، التي تتفجر، بين الحين والآخر، في السفارات المغربية، وآخرها، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، فضيحة كولومبيا، التي دفعت كلا من الخارجية والخزينة إلى إعفاء مبعوثيها، الذين كانوا يريدون أن "يقصّروا" مع فتاتين كولومبيتين، فتحوّلوا إلى ضحايا تخدير وسرقة...
الفضيحة الجديدة، التي عاشتها الديبلوماسية المغربية، أخيرا، في كولومبيا، ليست هي الأولى، ولا نأمل ألا تكون الأخيرة، لأن عمق المشكلة موجود في عقر الدار، وفي طبيعة تدبير مثل هذه القضايا، التي قد يصل بعضها إلى المحاكم لأسباب متعددة تتصدرها الأسباب الأخلاقية، إذ إن مدير الموارد البشرية بوزارة الخارجية المغربية، الذي سبق لسعد الدين العثماني، خلال تولّيه حقيبة الخارجية، أن استقدمه من وزارة المالية، هو من يفترض أن يضع رئيس الديبلوماسية في صورة ما يرُوج حول اختلالات وتجاوزات بعض السفراء، لكن، عوض ذلك، فإنه يعمد إلى التستّر عليهم بتواطؤ فاضح معهم، بل أكثر من ذلك فإنه "يتلحمس" لهذا وذاك، طمعا في منافعَ وارتقاءٍ موهوم في سلّم التسلّق الطبقي والإداري والوظيفي، والإيحاء لهم، عندما يتصلون به لهذا الغرض أو ذاك، أن بيده كل المفاتيح وأنه بات "الكل في الكل" في وزارة بوريطة...
ولذلك، وعوض تتبّع مسارات السفراء، والتدخّل الفعّال قبل فوات الأوان، تُرك السفراء يعملون كما يريدون، بعضهم يمارسون مهامهم بروح وطنية وبجدية ومسؤولية عالية، بل وبـ"قتالية" عندما يلزم الأمر من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن.. وبعضهم يستعملون منصب السفير للتباهي الاجتماعي، ولأغراض مصلحية وذاتية ضيقة، وأحيانا لتلبية نزوات إدارية وأخرى جنسية...
لكل ذلك، نفهم لماذا لا تتحرك الوزارة إلا عندما تتفجّر فضيحة ما، مثل تلك التي كانت سفارة المغرب في عاصمة دولة أفريقية صديقة مسرحا لها، في وقت سابق، حين اضطرت موظفة إلى رفع قضية تحرش جنسي إلى القضاء، في حين هناك بعض السفراء معروفون بتصابيهم، وبعضهم يلهث وراء فتيات صغيرات، وآخرون يتعاشقون هنا وهناك، بما في ذلك الوقوع في حبال صحافية من البلد الأجنبي، الذي توجد به التمثيلية الديبلوماسية المغربية، ليسقط السفير بذلك عرضةً لكل احتمالات الاختراق والتجسس... وهذه هي قمة الخطورة على الأمن القومي! وتزداد الخطورة عندما لا تتحرّك وزارة الخارجية، ليس لتقاعسٍ من الوزير، ولكن لأن مدير الموارد البشرية يترك الأمور في الظلام، لأنه يعيش في الظلام، وأتى به في الأصل خوانجي من أهل الظلام...
أمثال أولئك السفراء يحصدون الفشل تلو الفشل، كما وقع الشهر الماضي من اختراق متصاعد للديبلوماسية الجزائرية في بلد في غاية الأهمية، يعتبر من أصدقاء المغرب في منطقة القوقاز، ويتعلّق الأمر بدولة أذربيجان، مما يستدعي من الخارجية المغربية مجهودات نوعية لتحصين صداقة هذا البلد للمغرب، حتى لا نستفيق يوما على مفاجأة صادمة بانحياز محتمل إلى الدولة العدوّة للمغرب، دولة كابرانات الجزائر، خصوصا أن كل ما يهم السفير المغربي عادل أبراش هو الهرولة وراء جوائز محلية "مخدومة ومطبوخة على المقاس" لتبييض صورته والتغطية على فشله الذريع في تدبير الشأن الدبلوماسي المغربي في باكو... وبهذا الخصوص، يمكن أن نأمل من المدير العام للخارجية المغربية، الذي يقوم بدور الكاتب العام، أن يُجري عملية تقييمية للأداء الدبلوماسي لبعثة المغرب في أذربيجان وفقا لمؤشرات الأداء المعروفة عالميا، وبالتأكيد سيخلص التقييم إلى أن السفير إياه لم يجلب أي استثمار كبير أو صغير من هذا البلد إلى المغرب...
فضيحة واقعة كولومبيا، بناء على ما تقدم، ليست غريبة، لأن مصدر إنتاج مثل هذه الفضائح موجود في النبع، في المغرب، وتحديدا في المسؤول عن تدبير الموارد البشرية بوزارة الخارجية، المفروض فيه السهر على التتبّع والتواصل وحل المشاكل الإدارية الحاصلة والتدخل الاستباقي لتفادي مشاكل محتملة بتنسيق تام مع رئيس الديبلوماسية المغربية، وليس العمل من وراء ظهره في العلاقة مع الموظفين والسفراء والمحاسبين، والتباهي بأنه صاحب الكلمة العليا في الخارجية...
وإضافة إلى هذا المسؤول، الذي يحمل معطف الخارجية قادما إليها من المالية، هناك أيضا المسؤول الحامل لقبّعة المالية، من خلال ذراعها الخزينة العامة، وصِفتُه هي الخازنُ الوزاري لدى وزارة الخارجية، المسؤول عن المحاسبة المالية في الوزارة، وعن التنسيق والإشراف على عمل المحاسبين لدى التمثيليات الديبلوماسية المغربية في الخارج، للمساهمة في تيسير عملية أدائهم لمهامهم وحمايتهم من أي تعسّف قد يحصل من بعض السفراء وفك أي اشتباك محتمل بين المحاسب ورئيس التمثيلية الديبلوماسية، والعمل، بتنسيق مع مدير الموارد البشرية بوزارة الخارجية لتأمين التناسق وتكاثف جهود ممثلي الخارجية والمالية في توفير أفضل السبل لخدمة المصالح العليا للوطن... بيد أن هذا المسؤول، على غرار زميله السابق، الذي انتقل إلى وزارة الداخلية حاليا، عوض أن يحرص على مساعدة المحاسبين للمساهمة في إنجاح أدائهم لمهامهم، وحمايتهم من أي مشاكل عارضة أو ضغوط تعسفية خلال أدائهم لمهامهم في المراقبة المالية، فإنه يستهتر بالمحاسبين، وكأنه ينتقم منهم لفشله المتعاقب في دورات اختبار/اختيار المحاسبين الملحقين بالتمثيليات الديبلوماسية في الخارج، وبالمقابل يتملّق ويتبحلس للسفراء، ووصل به الأمر إلى درجة توجيه إهانة فاضحة لكرامة وهيبة أطر الخزينة العامة للمملكة، تمثّلت في سابقة لم تعرفها الخزينة العامة على الإطلاق، حين "باع" إلى مدير الموارد البشرية بالخارجية المحاسبين الجدد، الذين تعيّنوا للالتحاق بالتمثيليات الديبلوماسية في الخارج ابتداء من يوم الخميس فاتح سبتمبر 2022...
تعود التفاصيل إلى أسابيع، قبل وقوع فضيحة كولومبيا، حين عمد الخازن الوزاري إلى الاستهتار بهؤلاء المحاسبين، وبيعهم إلى مدير الموارد البشرية بالخارجية، عن طريق الانتقال بهم إلى مقر الخارجية، لعقد اجتماع مشترك مع الفوج الجديد من الموظفين والديبلوماسيين التابعين للخارجية، وليخطب فيهم، وهم المنتمون إلى وزارة المالية، مديرٌ للموارد البشرية بوزارة الخارجية!!!
ليس في هذه الفعلة إهانة واستهتار بكرامة موظفي المالية فقط، بل أكثر من ذلك تعتبر إخلالا صارخا بالنظم المعمول بها، فضلا عن الأعراف الجاري بها العمل، فهؤلاء الموظفون هم محاسبون من الخزينة العامة، ووظيفتهم مراقبة الإنفاق العمومي والمساهمة في عقلنة التدبير وحوكمة المحاسبة، بمعنى أن هؤلاء المنتمين إلى وزارة المالية موكول إليهم مراقبة موظفي وديبلوماسيي وزارة الخارجية في الجوانب المالية، ويأتي الخازن الوزاري ليجمع المراقِبين بالمراقَبين (مجرد تعبير رمزي)، بل ويقدّمهم هدية لمدير المراقَبين، حيث الجمع بينهما في مقر وزارة الخارجية يفتح كل أبواب التأثير والتأثّر والتوجيه لخدمة مصالح ضيقة، لأن الأنظمة واضحة وتفصل في العلاقات والإجراءات الوظيفية والإدارية، لكن دون حماية من الوقوع تحت الضغط للخروج على الأنظمة أو عدم إعمالها، قضاءً لغرض مسؤول ما...
مسألة الحماية كان يفترض أن يكون الخازن الوزاري هو من يعمل على تأمينها لتوفير بيئة عمل للمحاسبين تساعدهم على أداء مهامهم بشكل أفضل، لكنه اختار أن "يخفض جناح الذل" لمدير الموارد البشرية بوزارة الخارجية، الذي وقف متباهيا أمامهم، ثم شرع يخطب فيهم، ومما قاله لهم "تمتّعوا.. عيشوا الحياة"!!! ولم تمر سوى أسابيع حتى وقعت فضيحة كولومبيا، تورّط فيها شباب في مقتبل العمر والحياة والإدارة، أرادوا أن "يتمتّعوا" و"يعيشوا الحياة"، حسب وصية مدير الموارد البشرية بوزارة الخارجية، فوجدوا أنفسهم أمام فضيحة...
من الطبيعي أن تحدث مثل هذه الفضائح في الخارجية، عندما يكون مدير الموارد البشرية، الذي يتواصل مع الموظفين والديبلوماسيين، يفهم المصلحة العليا للوطن بعقلية "عيشوا الحياة" في مواقع أجنبية تتطلّب من الأطر المغربية أن تكون "على القرص" ومستعدة لرفع التحديات وحذرة من مخاطر الاختراقات...، في ظرفية يعيش المغرب حربا ديبلوماسية حقيقية، يشنها عليه شرذمة من جنرالات الجزائر، المرضى بعقدة المغرب، وبعقدة الملك، فضلا عن تحدّيات دولية ومناورات متعدّدة...
المغرب منشغل بقضايا استراتيجية كبرى، وديبلوماسيته تواجه تحديات مصيرية ومعارك حقيقية، ومسؤول تافه برتبة مدير للموارد البشرية بوزارة الخارجية كل ما وجده ليوصي به موظفي الخارجية والخزينة العامة هو "التمتّع" و"عيش الحياة"! وزارة الخارجية المغربية أمام منعطف خطير، ليس عليها أن تظل مكتوفة الايدي، بل عليها أن تكون استباقية وتنظف "البيت الداخلي"، لأن الوضع لا يحتمل أي تهاون، إذ نعيش، حاليا، لحظات مفصلية، تتطلّب، كما أكد ذلك الجالس على العرش، في إحدى خطبه، المبادرة إلى "تأهيل جهازنا الدبلوماسي وتحديثه وتجديده وإعادة انتشاره، ويتعين أن تشمل هذه الإصلاحات في نفس الوقت كلا من هياكل وزارة الخارجية والتعاون ومهام التحريك والتنسيق والمتابعة المنوطة بها، وكذا أنشطة هيئاتها الدبلوماسية والقنصلية وأساليب عملها".
عملية تطهير البيت الداخلي كمهمة ملحّة، لا يجب أن تنسينا أن هناك أطرًا مهمة جدا في الخارجية، في الإدارة المركزية وفي البعثات الديبلوماسية، منهم من يواصل العمل ليل نهار، ويجتهدون في تعزيز القوّة الديبلوماسية المغربية الناهضة، التي يقودها ويرسم توجّهاتها الكبرى رئيس الدولة، شخصيا، حتى أصبحت صورة المغرب في أبهى وأزهى مراحلها، إذ أضحى المغرب بلدا يشار له بالبنان، والتعامل معه أضحى بكثير من الاحترام والتقدير، خصوصا من طرف شركائه التقليديين والجدد، الذين ينظرون إليه كشريك موثوق...