بَعد مُبادَرَة الوَزِير.. المَسْرَحِيُّونَ يَتَهَامَسُون في زمن الوَبَاء..؟
الكاتب :
إسماعيل بوقاسم
إسماعيل بوقاسم
لعْلعَ مَنْسوبُ الانْشِراحِ في نُفوسِ الفنانين المغاربة، عَشِيَّةَ تَعِميمِ مَعَالِي وَزير الثقافة والاتصال عَبْر صفحته على الفضاء الأزرق، خبر تخْصيصِ الدولة المغربية دَعمًا اسْتِثْنائِيًّا، لِتَخْفيفِ الأثَرِ الاجْتِمَاعي والاقْتِصادي لحَالةِ الطَّوارئِ الصِّحية على الفنانين والفاعلين الثقافيين بالمملكة، إِثْرَ تَوَقُّفِ تظاهراتهم الفنية والثقافية في الفضاءات العامة وتأجيل أجَنْداتِ فعَّالياتهم الفنية..
خَبَرُ الوزير أَنَارَ مَناطِقَ الظِلِّ في سَفينَة الإنترنيتْ وأشْعَلَ شُمُوعَهَا اشْتِعَالاً واسِعاَ، وَسَرَى في شَرايينِهَا بِسُرْعَةِ الضَّوْءِ، يُبَشِّرُ قَوَافِلَ المُبْدِعينَ بِبَوادِرِ شُروعِ الدَّوْلَةِ في دَقِّ نَواقيصِ الفَرَجِ وَطُبولِ الفَرَحِ، وَرَفْرَفَ الخَبَرُ بَيْنَ النَّاسِ، يُقَدِّمُ التَّهاني إلى قَبيلة الفنانين المغاربة وضِمْنَها العائِلةُ المَسْرَحِيَّة.
بِما أن ريَّاحاً في كَواليسِ الوَزارةِ، تَجْريِ بِما لا تَشْتَهييهِ سَفينَةُ مَعالي الوزير، وَمَراكبُ المَسْرحيِّين، تَسَلَّلَت مَوْجَاتُها الحَرَاريَّة كَالزَّيْتِ في رُوحِ المُبادَرَةِ، وتَمَكَّنَتْ بِفعْلِ عَبْقريَّةُ مُهَنْدِسيها منْ تَخْفيضِ مَنْسُوبِ الفَرَحِ، والرَّفْعِ مِنْ صَبيبِ القَلقِ بيْن صُفوف المَسْرحيين، جَرَّاءَ شُرُوطِ "الحُذَيْبِيَّةِ" التي تضمَّنَتْها مُقتضياتُ دَفْتَرِ تَحَمُّلاتٍ لا يَجْمَعُهُ بِحالَةِ الإِسْتِثْناءِ خَيْرٌ وَلا إِحْسَانٌ.. فتحوَّلَتْ مُبَادَرَةُ السَّيد الوزير إلى أشْبَهَ ما يُمْكِنُ تَشْبيهُهَا بالحَقِّ الذي "ظاهِرُهُ فيهِ رَحْمَةٌ وباطِنُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذاب".
تَفتَّقَتْ شَهِّيَةُ المُهَنْدِسينَ، مِمَّنْ أُسْنِدَتْ لَهُمْ مَهَامُ تَصْميم خَرائِطِ مُسْتَقْبَلِ وَزارة الثقافة، بمَمْلكةِ محمد السادس، في صِيَّاَغِة كُنَّاشِ تحَمُّلاتٍ أصْبَحَ بِفعْلِ عبْقَريَّتِهم هُوَ الاسْتثنائِي وَلَيْسَ الدَّعْمُ.. كَونَهُمْ دَسُّوا بيْن ضُلوعِهِ شروطاً مَلْغومَة، ما أتى الله بها من سُلْطان، أبْرَزُها شَرْطُ (القيد في السجل التجاري- وصل الإبراء الضريبي- شهادة التسجيل في الضمان الاجتماعي) بالنسبة للجمعيات المسرحية التي يُؤطِّرُها ظهير الحريات العامة للعام 1958. ما يجْعَلُ تضْمينهُ بالدَّفْتَرِ أشْبَهَ بِالحَقِّ الذي يُرادُ بِهِ باطِل، (عِلاوَةً على أنَّ هَذا جَانبٌ يَهُمُّ مُديرية الضَّرائب، وهيَ تقُوم بواجِبِها في هذا الباب وِفْقَ ما يسمَحُ بِهِ القانون المغربي) وإقْحامُه في هذه الفقرة يُحيلنا مُباشرة إلى التَّذكيرِ بأن مُبادرةَ الدَّعم الوزاري بِرُمَّتِهَا تحْمِل صِفَة استثنائية وقد قُدِّمَت في ظَرْفٍ استثنائي ما يزال قائماً، لذلك وجَبَ وضْعُ وثائقَ استثنائية، في أُفُقِ التَّوافُقِ مُسْتقبلاً مع الإطارت التمثيلية بالقطاع والمُديرية العامة للضرائب بالمملكة ووزارة الداخلية، على صِيَّغٍ قانونية مَقْبولة ومَوْضوعيَّة.
أبْرَزُ إشاراتِ المَنْعِ وعلامَاتِ قِفْ، أقرَّتْهُ فقرةُ (تعطى الأولوية للمشاريع التي تضم عددًا مهما من حاملي بطاقة الفنان غير الموظفين). علماً أن المسْرَحَ والفن عموماً، هو أمْرٌ مُشاعٌ كالهَواء يتنَفَّسُهُ الجميع، فإن فنَّ الخشبة يُمَارسُه المُوَظفونَ كما يمارسهُ مُسْتَخْدَمُو القطاع الخاص (أبناك – مقاولات – شركات– أطباء – صيادلة.. فلاحين و..و..) وأيضا التجار والعمال والحرفيين والأجراء والصُّنَّاع... و... و... بما يَعْني أن استْثناءَ المُوَظَّفينَ وحْدهُم من المُشاركة في المَشاريعِ التي تَدْعَمُهَا الدَّولة، يبقى أبْعَد ما يَكُونُ عنْ روحِ المُسْتوى الدَّيمُقْراطي الذي تسْعى إليه المملكة المغربية، وهُوَ اسْتِثْناءٌ يَتَضَمَّنُ حَيْفاَ وحِرْماناً لهُمْ دونَ غَيْرِهِمْ مِنَ المُنْتَسِبينَ، مِنَ المُساهَمَة الفعْلية في إِغْناءِ المَنْتُوجِ المسْرحي الوَطني، ويَنُمُّ عنْ تصْفيةِ حِساباتٍ ضيِّقةٍ ليْسَ إلاَّ.. . وهُناك مُلاحظاتٌ كثيرةٌ تُلاحِقُ مُهَنْدِسي هَذَا الكُنَّاشِ، قدْ لا يَتَّسِعُ المَجَالُ لإِبْرازِهَا...
هذهِ الشُّرُوطُ المُجْحفةُ وَمِثْلُها كَثيرٌ، عُمِّمَتْ بالدَّفْتَر، والفنَّانُونَ المَغاربة مَا يَزالونَ في صُلْبِ مُواجهة ضَغْطِ الطَّوارِئِ الصِّحية المضْروبَةِ على البِلاد، وأبْوابُ المَسارِحِ ودُورُ العَرْضِ والمُنْشآتُ والفضَاءات الثقافية مَحْكُومَةٌ بالإِغْلاقِ.. ما دَفع مِهَنيي القِطاع إلى وَصْفِها بالشُّروطِ التَّعْجيزَة، كَمَا أنَّهَا خلفت مَوْجَةً مِنَ القَلَقِ داخِل نِقاشات الفِرَقِ المسْرحية وإطاراتها التمثيلية، التي غُيِّبَتْ مَعَ سَبْقِ إصْرارٍ وَتَرَصُّدٍ منْ أَيِّ مُشاوَرضةٍ للمُتَحَكِّمينَ في رِيَّاحِ كواليسِ الوزارة، فيمَا يَخُصُّ تفاصيلَ دَفْتَرِ التَّحَمُّلاتِ، كَوْنَهُمْ يَعْتبرونَ هذا الأخير شَأْنًا خاصاً بالإدارة، ضاربين عَرْض الحائِطِ أُسُسَ المُقارَبَةِ التَّشَارُكِيَّةِ ومُقْتَضياتِ دُسْتُورِالمَمْلكة، الذي يَجْعَلُ التَّشَاوُرَ أَسَاسُ الحَكَامَةِ الجَيِّدَةِ.
كما تسبَّبَتِ الشُّروطُ إيَّاها، في تَسَلُّلِ الحَيْرَة إلى نُفُوسِ الرِّفَاقِ وَغَيْرِهِمْ، وتناسَلتْ خُيوطُ الحَيْرة ومَعَهَا الأَسْئِلةُ المُتواثِرَةُ، كمَا النَّارُ في الهَشيمِ، وتَعَمْلَقَتْ الإِسْتِفْهاماتُ فَوْقَ هاماتِ المسْرحيين ومَلَأَتْ سَماءَ وَطَنِهِم، من "طنجة" إلى "لكويرة".. يَتَساءَلون، يَتَهامَسُون، يَبْحَثُونَ في الأُفُقِ عنْ إجاباتٍ للأَسْبابِ الدَّاعِيَّةِ إلى وضْعِ عَلاماتِ قِفْ وإِشاراتِ المَنْعِ في رُوحِ المُبادَرَةِ الوِزاريَّة...؟ وَلِمَ تَمَّ حَشْوُ رُزْمَةٍ مِنْ أَلْوانِ الحِقدِ والكرَاهِيَّةِ بيْن ظُهْرانَيْ كُنَّاشِ التحَمُّلاتِ، غَيَّرَتْ مَلامِحَ مُبَادَرةٍ كانَتْ طَيِّبَةً قَبْلَ نُزولِهِ.. ؟