الكاتب الجزائري كمال داود دائما يثير الجدل في الجزائر بشكل خاص، وفي باقي البلدان، التي تُنعت بكونها "دولا إسلامية"، بل ويتعرض أحيانا إلى التكفير من قبل فقهاء الظلام في بلده، بسبب تمسكه بحريته في التعبير عن آراء جريئة حول العديد من القضايا، ذات الصلة بالدين والفكر الإسلاميين، وضمنها قضية الحجاب، الذي يعتبره كمال داود تجسيدا للخضوع والضغوط الاجتماعية والدينية، ولا علاقة له لا بالحرية عموما، ولا بالحريات الفردية...
النص التالي مأخوذ من زاويته، التي يكتبها في مجلة "لوبوان" الأسبوعية الفرنسية، العدد ما قبل الأخير، رقم 2510، الصادر في فاتح أكتوبر 2020.
ترجمة: حميد أحمد المرادي
كمال داوود
الحجاب ليس شيئا آخر إلا حجابا، إنه يحجب ولا يجمّل، إنه يلغي ويَحُولُ دون اتصال الإنسان بالآخر الإنسان.
الحجاب ليس لباسا، إنه زي موحد، إنه ليس اختيارا، ولكنه اختيار للكذب على الذات واستغفال الآخر.
فعلا، يمكن درء هزيمة الجسد بواسطة رموز عقائدية وحراسها.
يمكن استخدام الحرية التي يمنحك إياها الغرب، لكي ترفض الاستمتاع بالحرية، لكن ذلك لن ينطلي إلا على المتفرجين المحليين الذين لا يهتمون بالفروق الدقيقة المرتبطة بمعتقد ما، أو الذين لم يستطيعوا التغلب على إحساس بالذنب عن طريق الوضوح والثبات على الموقف.
الحجاب ليس ممارسة حرية، بسبب أنه، إذا آمنّا أننا أحرارا في ارتدائه، فإننا لسنا أحرارا في خلعه.
اللواتي امتلكن هذه الحرية، أدَّين الثمن غاليا، من خوف، وتهديد، وعنف، وإيذاء.
واللواتي يرددن بأنه دليل حرية لن يستطعن التظاهر أبدا، في القاهرة أو في الخرطوم أو في كابول، من أجل ارتداء تنورة قصيرة أو الذهاب بنهدين عاريتين إلى شاطئ بحر في الجزيرة العربية.
هل الحجاب هاجس فرنسي؟
لا، إنه هاجس المتدينين، هاجس المتأسلمين، هاجس المتطرفين. لقد جعلوا منه راية معاركهم، في مواجهة تهديد الرغبة التي ترسلها مرآة المرأة، تهديد عارٍ وفاضح.
هم يريدون أن يجعلوا من الحجاب رمزا للحشد وللتجنيد، ودلالة على انتصارهم على المدفون والحميمي، وعلى تمدد مجال نفيهم للجسد وللحياة.
إنهم ليسوا مصممي أزياء خائفين على مهنتهم وإبداعهم فيها، بل جنود يتقدمون باستغلال الإحساس بالذنب، والذاكرة، وماضي الاحتلال، والتردد والخوف، والضغينة، وتقمص وضع الضحية، ويستفيدون من براءة كل الذين يدافعون عنهم تعاطفا.
بل هم الذين يطرزون همومنا، وليسوا الذين يطرزون موضتنا.
الحجاب لم يكن أبدا، شيئا آخر غير العازل. إنه المعنى الاشتقاقي القديم لكلمة الحجب، والإزالة من مساحة النظر، والفصل، والسحب.
هناك شيء ما موارب ومخادع لدى حماة الحجاب، لقد خبرناهم في الجزائر، في بداية الحرب الأهلية لسنوات 1990، كانوا يرددون أن الحجاب هو فقط غطاء رأس موروث، رمز واستعمال بريء موروث عن أجدادنا، وبعدما قبلنا به كذلك، بدأوا يرسمون "معاييره" الشرعية: أسود، فضفاض لإخفاء المنحنيات، بدون ألوان، ليلي... وحين تسامحنا، تقدم حماة الحجاب لفرض حجب الوجه، وإلغاء ملامحه، والنتيجة التحول من الذريعة الثقافية المعلن عنها سابقا إلى ما يشبه الكفن لإنسان حي. صار المطلوب دفن المرأة حية ومعها الرغبة، الجسد، الجنس، الحب، المغازلة، التبادل، القبلة، الحميمية.
وهدفهم النظر والحياة...
النظر الذي ينبغي وأده وإطفاء ضوئه...
اليوم، أول حجاب تضعه المرأة "التائبة" على رأسها، هو هدية من الإسلامويين والمحافظين، المسيطرين على التجارة بالمغرب الكبير، يوميا هناك حملات دعائية على أمواج الإذاعات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل حث "الرجال الحقيقيين على تحجيب نسائهم"، لا يتوجهون للنساء أنفسهن، بل إلى "مالكيهن".
في فرنسا، كما في الغرب عموما، صرنا نفاوض حول حق ليس له بالحق علاقة، ونتهم الذين يعارضونه باسم الحرية، أو نكيل الكلمات السخيفة للذين أخطأوا طريق الحب والرحمة.
عندما كنت طفلا خلال الحرب الأهلية الجزائرية، ما زلت أحتفظ في ذاكرتي بملامح نساء جزائريات، تم حرق وجوههن بالماء القاطع، ونساء فرض عليهن البرقع، ونساء تم ذبحهن من الوريد إلى الوريد لأنهن رفضن ارتداءه.
أنا الكاتب، ارفض، غاضبا، عملية الاحتيال التي تحاول التعمية عن عملية تكفين النساء بزي موحد، بمبرر حق ثقافي ماكر، أو باسم حرية مكرسة، أو باسم انتماء جماعي ما.
إذا استطاع الخطاب الرائج، أن يتمكن من المواطن الفرنسي المتوسط، في مواجهة وباء إلغاء الإنسان منا، فإنه لن يستطيع شيئا في مواجهة طفل الحرب الأهلية، ولن يستطيع إلغاء ذاكرة الخطاب الذي حاولوا أن يبيعونا إياه، لكي نتخلى عن الديمقراطية باسم الديمقراطية.
بالإمكان الكذب على الأحياء، لكن ليس على الناجين من موت حربكم.