للتواصل معنا
البريد الإلكتروني: [[email protected]]
ما لفت انتباهي هو درجة العنف الكبيرة التي ميّزت الجدل حول عقوبة الإعدام بما في ذلك ما صدر عن بعض المثقفين الذين كان من المفروض أن يُسْهموا في عقلنة النقاش فإذا بهم يفسحون المجال لغرائزهم كي تعبّر عن نفسها بأشكال بدائية
هناك "مثقفون" لم يُنصّبوا أنفسهم قضاةً ليصدروا الأحكام القطعية فحسب، بل إنهم راحوا "يتفنّنون" في كيفية تنفيذ الإعدام وهذه جامعية ذهب بها الصلف إلى حدّ الدعوة إلى تعذيب الجناة حتى الموت لأنها رأت في إعدامهم شنقا حكما خفيفا
إن كل هذه الغرائز المنفلتة، التي تُخرج ما في أعماقنا من أدران العفونة والتوحّش، يُبَيِّنُ أننا مجتمع لم يتمدّن ولم ينضج وأننا لم نعتدْ مناقشة قضايانا الحارقة بهدوء وعمق، بل إننا اعتدنا ردود الأفعال المتشنجة واللاعقلانية التي تدفع أحيانا إلى الهاوية
ماذا سيكون موقف سلسلة المحقّقين والقضاة أمام ضمائرهم حين يعلمون أنّهم أرسلوا شخصا بريئا إلى المشنقة؟ ثم هل من إمكانيّة لمراجعة هذا الحكم لو تمّ تنفيذه؟ بالطبع لا. فالإعدام المُنَفَّذُ حكم غير قابل للمراجعة
لا يُخلَق الإنسان مجرما بل الظروف، من اقتصاد واجتماع وثقافة وعادات وتقاليد، تخلق منه مجرما. لا أقول هذا لتبرير الجريمة بل لفهمها والمؤسف أنّنا اعتدنا في مجتمعاتنا التفكير السطحي. نحصر المسؤوليّة في الفرد لنتفصّى من المسؤوليّة وتتفصّى الدولة منها
قتل الشاب الفرنسي فيليب موريس عون أمن وحكم عليه بالإعدام. وحين كان ينتظر التنفيذ بقطع رأسه وصل ميتران في 1981 إلى الرئاسة وألغى حكم الإعدام ونجا الشاب من المقصلة. وأطلق سراحه عام 2000. وهو يحمل معه شهادة دكتوراه في التاريخ الوسيط. وهو اليوم يعمل باحثا في واحد من أبرز مراكز البحث بباريس
في الثمانينات، كنا نناقش ميثاق الرابطة التونسيّة الحقوق الإنسان وضمنه مطلب إلغاء حكم الإعدام ولكنّ ممثّل حركة النهضة اعترض بحجّة أنّ القصاص "مبدأ ديني". من أدْراهم بأنّ "الزمن الغدّار" لن ينقلب عليهم؟ وبالفعل جاءت عمليّة باب سويقة 1991 وكان آخر جماعة نفّذ فيهم حكم الإعدام من حركة النهضة