الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.. أحد قادتها يروي لـ"الغد 24" بطولات العمليات الأولى

 
فاطمة حوحو
 
 
في السادس عشر من سبتمبر عام 1982، انطلقت "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" (جمول)، لتغير المعادلات في لبنان، وتعمل على طرد المحتل الإسرائيلي نتيجة العمليات العسكرية التي نفذها مقاومون وطنيون من الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قبل أن يعمل النظام السوري ولاحقا إيران على مذهبة المقاومة لإنجاح مشروع الولي الفقيه في الهيمنة على القرار السياسي اللبناني.
 
كَتب بيانَ تأسيس جبهة المقاومة، في ثلاث صفحات، الأمينُ العام لـلحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي (اغتيل في العام 2005)، وهو رمز من رموز ثورة الأرز التي أدت إلى إخراج الجيش السوري من لبنان بعد أربعين عاما من الاحتلال. وأعلن عن انطلاق الجبهة من منزل الشهيد كمال جنبلاط.
 
ووقعه حاوي والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، حيث دعيا إلى "حمل السلاح تنظيما للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحرير الأرض من رجسه من أقصى الوطن إلى أقصاه"، في اليوم نفسه الذي أعلن فيه عن انطلاقة الجبهة كانت القوات الإسرائيلية قد استكملت احتلال بيروت بعد حصار دام 89 يوماً.
 
أول عملية نفذها الشيوعيون حصلت في ليل 20-21 سبتمبر في محلة الصنائع ببيروت، أسفرت عن سقوط ثمانية جنود للاحتلال بين قتيل وجريح. وقد وجّه جورج حاوي آنذاك للمقاومين الثلاثة الأوائل، الذين نفذوا العملية، رسالة جاء فيها: "إنه لشرف عظيم لكم أن تكونوا أنتم من أطلق اسم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية".
 
تصاعدت عمليات الجبهة في بيروت ولم يستطع الجنود الإسرائيليون أن يغفو في سلام في المواقع التي تواجدوا بها. في الحمرا أطلق في مقهى الويمبي المشهور النار على جنود إسرائيليين كانوا يرتاحون، إلا أن مناضلا من جبهة المقاومة أطلق عليهم الرصاص وسار بين الناس وسط جنون القوات الإسرائيلية. بعدها عملية في عائشة بكار، وأخرى على مبنى منظمة التحرير في كورنيش المزرعة. عشرة أيام كانت كافية ليعلن الجيش الإسرائيلي استسلامه ويخرج مهزوما من أول عاصمة عربية احتلها، حيث دارت دباباته في الشوارع وحمل الجنود مكبرات الصوت وهم يصيحون: "يا أهل بيروت لا تطلقوا الرصاص نحن منسحبون".
 
ومن بيروت إلى الجبل، إلى الجنوب، إلى البقاع.. تتالت العمليات، وكبرت المقاومة في مختلف المناطق اللبنانية، إلى أن فرضت على قوات الاحتلال الانسحاب من منطقة الجبل حتى ضفاف نهر الأولي في بداية خريف 1983. وفي أبريل من العام 1985 اضطرت قوات الاحتلال إلى الانسحاب من صيدا وجوارها، ومن أقضية ومناطق الزهراني وصور والنبطية، ومن مئات القرى والبلدات في الجنوب شمالي الليطاني والبقاع الغربي وراشيا، لينحصر تواجدها في ما عرف لاحقاً باسم الشريط الحدودي الذي انسحبت منه في 24-25 ماي العام 2000، حيث كُرّس يوم 25 ماي يوماً للتحرير.
 
وحسب الإحصاءات فانه ما بين سبتمبر 1982 وأبريل 1985، انسحبت قوات الاحتلال من مساحة 2600 كلم2 من أصل 3450 كلم2 وهي مجمل المساحة التي احتلها العدو الإسرائيلي في اجتياحه للبنان عام 1982. وحسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها سلطات الاحتلال، فإن خسائر جيشها نتيجة عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية قد بلغت بين 16 سبتمبر 1982 وأواخر عام 1985، 386 قتيلاً من أصل 657 قتيلاً حتى 24 ماي عام 2000. أما عدد جرحى الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة فقد بلغ 2326 من أصل 2966 حتى يوم التحرير.
 
وحسب أحد المقاومين في الجبهة، فإن توقف الحزب الشيوعي عن نشاطه المقاوم لم يكن بمحض إرادته، بل جاء نتيجة المضايقات التي تعرض لها مناضلو الحزب في الجنوب المحرّر، تنفيذاً لأوامر القيادة السورية بعد عودة قواتها إلى لبنان في العام 1987، ونتيجة رفض قيادة الحزب الشيوعي آنذاك الانصياع لطلبات القيادة السورية بوضع عمليات جبهة المقاومة بتصرفها ولخدمة وتنفيذ سياستها، مشيرا إلى أنه "تم تهجير وإبعاد واعتقال وتعذيب العشرات من المقاومين الشيوعيين واغتيال قادة ومفكرين وكتّاباً ومثقفين وكوادرَ ومقاومين شيوعيين في الجنوب وبيروت والبقاع على أيدي عملاء لهذا النظام، وكان بينهم من اغتيل إثر عودته من تنفيذ عملية في منطقة الشريط الحدودي ضد قوات الاحتلال وعملائه، أو أثناء توجهه للقيام بعملية".
 
وعلى الرغم من كل المضايقات، فقد نفذت جبهة المقاومة من سبتمبر 1982 إلى أكتوبر 1993 أكثر من 1113 عملية حقيقية، وليس عمليات إطلاق صواريخ ورصاص عند خطوط التماس، أو عمليات وهمية أو عمليات إعلامية أو تحريك سياسي، بينها 907 عمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية، و206 عمليات ضد العملاء في جيش لبنان الجنوبي.
 
وقدّم الشيوعيون خلال تلك الفترة 187 شهيداً و1200 جريحاً ومعوقاً، من بين 7000 شيوعي عملوا في صفوف الجبهة، وثلاثة آلاف مقاوم ومناضل ومناصر شيوعي زُجّ بهم في معتقلات أنصار وعتليت ومراكز المخابرات المختلفة والسجون والمعتقلات الإسرائيلية.
 
وقد نجح النظام السوري في ضرب إنجازات الجبهة ووضعها في رصيد ما سمي المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله، بعدما جرى مذهبة المقاومة وحصرها بجهة واحدة للإمساك بالقرار السياسي وفرض هيمنتها.
 
حسين قاسم أحد قادة المقاومة
يروي لـ"الغد 24" بطولات العمليات الأولى 
 
 
في حديث إلى "الغد 24"، مع حسين قاسم، عضو المكتب السياسي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني والمسؤول السابق عن "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"، يوضح أن "استفراد حزب الله بمسالة المقاومة ضد إسرائيل يعود بجوهره إلى اتفاق دمشق الذي عقد بين جماعة سوريا، أي حركة أمل، وبين جماعة إيران، أي حزب الله، عقد في أواخر العام 1989، حيث جاء بعد صدامات دموية بين الطرفين راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، هذا الصراع دار على خلفية سعي إيران لانتزاع مواقع نفوذ في الإقليم ولبنان جزء من ذاك المسعى"، وقال حسين قاسم: "ممكن اختصار اتفاق دمشق بتلزيم الوضع اللبناني، لا سيما النفوذ في مؤسسات الدولة اللبنانية لحركة أمل، وتلزيم موضوع المقاومة لحزب الله، وبهذا الإطار يمكن القول إن مفاعيل هذا الاتفاق حكم الحياة السياسة اللبنانية لحين خروج جيش النظام السوري من لبنان في شهر أبريل من العام 2005. فانسحبت حركة أمل وباقي الأحزاب الموالية للنظام السوري من المقاومة ضد إسرائيل طواعية، بينما بقي الحزب الشيوعي وحلفاؤه من اليسار يعاند محاولات سوريا وإيران وضع اليد على المقاومة، كأبرز مسألة تؤدي إلى الهيمنة على لبنان، الساحة والدولة في آن، بيد أن هذه الخطة بدأت قبل هذا التاريخ عبر سعي النظام السوري لتحويل المقاومة إلى ورقة بيده يستخدمها لصالحه ومصالحه".
 
حسن قاسم يتوسط حاوي وقيادي من الشيوعي فاروق دحروج
 
وأشار قاسم إلى أن "الجذور التاريخية للصراع حول مسالة المقاومة تعود إلى الصراع حول وجهتين، وجهة النظام السوري القاضية برهنها تمهيدا لاستخدامها كورقة، وبين وجهة القوى اليسارية إلى رفض اعتبار المقاومة ورقة للاستخدامات المختلفة، بل إن هناك قضية وطنية لبنانية تقوم على تحرير الأرض، وهي قضية ثورية بامتياز انبرت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية إلى حمل رايتها قولا وفعلا منذ إعلان انطلاقتها عبر البيان التاريخي، الذي حمل توقيع الشهيد جورج حاوي والمناضل الراحل محسن إبراهيم، وأعلن في 16 سبتمبر من العام 1982 من منزل الشهيد كمال جنبلاط".
 
واعتبر أن "الحلف السوري الإيراني قد نجح في تحويل المقاومة إلى ورقة ودأب على استخدامها في شتى المراحل، وأهمها استمرار ربط الساحة اللبنانية بالصراع العام في المنطقة وابقاء هذه الساحة مشتعلة في الطلب، لذلك أنا لا اعتبر أن هذه مقاومة تحمل لواء القضية الوطنية، بل إن هذه ورقة للاستخدامات المختلفة للجهات التي صادرتها وأبلغ مثل على ذلك هو اندحار العدو الاسرائيلي عام ألفين، بدل من أن يستخدم وهج التحرير في بناء دولة قوية وقادرة، تعزيزا لقوى الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش اللبناني، جرى إعادة التأكيد على إبقاء ما يسمى بالمقاومة ورقة في الجيب السوري والإيراني، وراحت الأبواق تخترع شعارات كوحدة المسار والمصير، ومنعت الجيش اللبناني من الانتشار في الجنوب اللبناني".
 
جورج حاوي يتفقد المقاومين
 
ويستذكر قاسم عمل جبهة المقاومة منذ انطلاقتها، قائلا: "في العام 1982، اثناء حصار جيش الاحتلال لبيروت، طلب مني الذهاب إليها للقاء قيادة الحزب، فنزلت بطريقة سرية، وعقد اجتماع برئاسة الأمين العام جورج حاوي لعرض التطورات السياسية، وبعده عقدت اجتماعات للقضايا العملية مع الرفيق إلياس عطا الله، المسؤول العسكري والتنظيمي للحزب آنذاك، وقد أبلغني بقرار القيادة بتكليفي مسؤولية العمل خلف خطوط العدو في البقاع العربي وراشيا والقطاع الشرقي من الجنوب. وأبلغني إلياس أن الحزب بصدد استكمال التدابير لإنشاء مقاومة شاملة للاحتلال الإسرائيلي، على ضوء التطورات المرتقبة في العاصمة، والقيادة ترى أهمية قصوى للعمل خلف خطوط العدو من أجل التأسيس لحالة المقاومة. وهكذا حصل، ونفذنا عدة عمليات أعلنت باسم القوات المشتركة، إلى أن صدر بيان 16 سبتمبر الذي أطلق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. وعلى إثره دعيت مرة أخرى إلى بيروت، وفي شقة سرية بأحد أحياء بيروت، التقيت مجدداً بالرفيق إلياس الذي أبلغني بقرار المكتب السياسي تشكيل الهيئة القيادية للمقاومة بقيادة الأمين العام جورج حاوي".
 
ويشير المسؤول السابق عن "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"، إلى أنه "من أهم العمليات التي نفذتها الجبهة كانت محاولة اغتيال العميل أنطوان لحد، قائد ما يسمى جيش لبنان الحر، الذي كان يسيطر على المنطقة الحدودية مع إسرائيل منذ العام 1978، أي منذ ولادة ما سمي الشريط الحدودي المحتل، وقامت بالعملية المناضلة سهى بشارة، وقد استوقف أحد التقارير حول مجريات مهمة سهى بشارة في العام 1988 الرفيق جورج حاوي، فطلب من قيادة المقاومة إفادته بأدق التفاصيل المتعلقة بها. وهذا ما حصل. ففي اليوم نفسه من شهر غشت العام 1988 أبلغني جورج حاوي أن هناك معلومة عن سهى مع رفيق مسؤول في الحزب (لن أذكر اسمه الآن خشية من التفسير الخاطئ) يريد إبلاغك هذه المعلومة ومناقشتها معك طالبا أخذها بعين الاعتبار، اجتمعت فوراً بالرفيق المعني فبدأ حديثه معي بالسؤال عما إذا كنا قد أرسلنا سهى، وكان جوابي طبعاً بالنفي القاطع، فتابع بعدها برواية المعلومة وخلاصتها أن هناك تداولاً بوضع سهى وتحركاتها في بلدتها دير ميماس وفي محيطها. أوحيت له أني فوجئت بالخبر، فأضاف أن والدها فواز بشارة مناضل شيوعي قديم وهو يرجو أن يطمئن ما إذا كانت المقاومة قد أرسلت ابنته فهذا فخر له، وإذا كان لا فهو مستاء ومتألم جداً، فكان جوابي أنني أسمع باسم فواز بشارة ولكن لا أعرف أن عنده فتاة اسمها سهى، فأعدك بمتابعة الموضوع. على الفور قمت بإبلاغ المسؤول عنها وهو "الرفيق أحمد"، فاتخذت الترتيبات اللازمة، وحضرت سهى إلى المناطق المحررة ووضعت الخطة التفصيلية لتنفيذ العملية وأبلغت الرفيق جورج بها، وذلك في منزله في بلدة جدرا. وحسب الخطة، تقرر أن تعود سهى سريعاً وأن الموعد المبدئي سيكون اعتباراً من أوائل سبتمبر، ولكن تدقيق جورج بالخطة استدعى مناقشة بعض المسائل العملياتية معه، وكان اقتراحه أن يتم التنفيذ بعبوة، معللاً ذلك بأن حظوظ النجاح بالمهمة بإطلاق نار من مسدس أو بندقية، ستكون ضئيلة، وعلى إثر هذه الملاحظات اقترح "الرفيق أحمد". الاجتماع مباشرة مع سهى، فذهبنا، وكان ذلك في موقع سري في محلة عبرا في شرق مدينة صيدا، واتخذت لنفسي اسم "الدكتور فارس"، وتم نقاش الملاحظات مع الرفيقة سهى فلم تقتنع بالطريقة التي اقترحها جورج. عندها أخذنا على عاتقنا نحن الثلاثة أن نوافق معها. أما بالنسبة للإسراع بالتنفيذ فقد وجدناها مقتنعة ومتحمسة لذلك. وقد رفع تقرير عن الاجتماع للرفيق جورج حاوي، الذي سال عن نوعية المسدس الذي ستستخدمه، فأجبته أنه سبق لسهى أن تدربت على بعض الأنواع من المسدسات، فما كان منه إلا أن سلمني مسدسه، وهو مسدس صغير الحجم، يسهل تهريبه وذو فاعلية عالية، مقترحاً التنفيذ السريع، واتفقنا على المتابعة الدائمة لهذه المهمة. وهكذا كان، إلى أن نفذت سهى عمليتها واعتقلت في 7/11/ 1988" وقد كان جورج حاوي يريد منا أن نركز على خطف جنود للعدو لمبادلتهم بسهى وبالأسرى الآخرين. وقد راوده هذا الحلم وراود كل قطاعات المقاومة واستشهد الكثيرون من أجله".
 
سهى بشارة بعد الافراج عنها وبجانبها جورج حاوي
 
ويكشف قاسم أنه "من بين العمليات التي كانت مقترحة من قيادة المقاومة، العمل على إدخال سرية مؤلفة من 60 عنصراً إلى مرتفعات العرقوب المحتلة في القطاع الشرقي، وأن تهاجم دفعة واحدة كل مواقع العدو في هذه المنطقة. وقد أبدى الأمين العام حماسة للعملية خلال شرح معطياتها، وأعطى بعض التوجيهات اللازمة، ثم عندما انطلقت المجموعات، كل حسب الدور المرسوم لها. أبدى جورج حاوي استعداداً للسير مع المجموعات حتى نقطة متقدمة، وسط ذهول المشاركين في العملية، فتصدى له آمر السرية، إلا أن جورج أصر، واندلعت المعارك مع قوات الاحتلال، وكان لعنصر المباغتة دوره في نجاح هذه العملية، وكانت كل سفوح جبل حرمون والعرقوب وتلال مزارع شبعا ورويسات العلم وتلة الشريقي ومثلث الخيام ومرجعيون، مسرحاً لقتال أبطال المقاومة وفق الخطة المرسومة".
 
ويستذكر قاسم أيضا أنه على إثر العملية الأمنية والمعقدة التي نفذتها الجبهة وأسفرت عن مقتل الحاكم العسكري الاسرائيلي في القطاع الشرقي المدعو "ابو النور" في 24 سبتمبر العام 1984، وذلك بعد تحضير دام شهوراً وأثبتت من خلالها المقاومة قدرتها على اختراق أجهزة العدو، تبلغنا من الرفيق جورج حاوي بأنه قد تلقى معلومات مفادها أن اسرائيل تعتبر مقتل "ابو النور" تجاوزا لـــ"الخطوط الحمر" وخروجا على قواعد اللعبة. وقال إن قرارنا هو أن لا اعتراف بخطوط حمراء مع المحتل الإسرائيلي والرد يجب أن يكون بتصعيد العمل ضده، فكانت كثافة العمليات في كل المناطق، من عملية لولا عبود، إلى وفاء نور الدين، إلى جمال ساطي، إلى مقتل العديد من ضباط قوات الاحتلال في البقاع الغربي، حتى دعيت هذه المنطقة أنها "مقبرة ضباط العدو".
 
ويضيف قاسم إلى أنه "في اوائل العام 1987 انعقد المؤتمر الخامس للحزب واتفقنا على تطوير عمل المقاومة، وجاءت العملية الشهيرة في جبل الشيخ في سبتمبر 87 وأُسر فيها الرفيق المناضل أنور ياسين. وحصلت مواجهات استمرت 36 ساعة، بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال، وكانت التقارير ترد تباعاً. وقد كان هناك مهرجان سياسي للحزب في بلدة برجا يتحدث فيه جورج حاوي، وأثناء سير المهرجان كانت تتوالى البرقيات من منطقة المواجهات، وعلمنا ان الرفيق أنور ياسين قد أصيب وأسر لدى قوات الاحتلال. وقد أحطت جورج علما قبل إلقاء كلمته بدقائق، فكانت المفاجأة أنه أعلن بنفسه عن تفاصيل العملية في بداية كلمته بالمهرجان، معلناً في الوقت نفسه عن أسر الرفيق أنور، محملاً العدو مسؤولية حياته. وقد كانت شقيقة أنور ياسين موجودة في المهرجان وأغمي عليها على الفور".
 
ويتابع قاسم: "في الخامس والعشرين من ديسمبر 1989، كان قد سقط للحزب الشيوعي 11 شهيدا وعشية تشييعهم، وكانت المفاجأة أن الرفيق جورج في خطابه أعلن أن رد المقاومة سيكون في الداخل الإسرائيلي، في ذلك الوقت، كان الوضع السياسي الناشئ محليا وإقليميا في غير مصلحتنا، وبرز نوع من الحصار علينا من جميع الجهات، ما وضع المقاومة في مواجهة تحدي زيادة قدراتها التسليحية والعسكرية، فتقدم المكتب العلمي التابع لقيادة المقاومة بجملة اقتراحات قدمت للأمين العام فوافق عليها، وبوشر العمل فيها وتم إنجاز أنواع جديدة من الأسلحة، وتم اختراع صاروخ بعيد المدى، فقد استعان المكتب العلمي للمقاومة بعدد من الكوادر العلمية من خريجي الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية، وأنشأ عددا من المصانع السرية، وحصلت عدة تجارب على إطلاق الصاروخ في مناطق مختلفة من أماكن نفوذنا، ووصل الأمر عند المكتب العلمي للإفادة أن التجربة الجديدة ستكون ناجحة، وتبين أن هناك حاجة إلى مساحات معينة وحمايات مطلوبة لإجراء هذه التجربة. وقد قام الرفيق جورج بطرح الموضوع مع بعض الحلفاء السياسيين، وجاء الجواب أن المسألة سقفها عال جدا ولا يمكن تحملها سياسيا. وبعد نقاش تم الاتفاق على إجراء هذه التجربة بدون التعاون مع أحد، وقد اخترنا المكان في منطقة جبل الشيخ، والهدف هو إحدى القواعد العسكرية الاسرائيلية بالقرب من بلدة المطلة في شمال فلسطين المحتلة، ويحمل الصاروخ 500 كلغ من المواد شديدة الانفجار، وقد انطلق الصاروخ بنجاح هائل من حيث تقنية انطلاقه، ولكن سرعان ما سقط قبل وصوله محدثاً حفرة كبيرة. وبنتيجة التحقيق الذي اجراه المكتب العلمي تبين وجود ثغرات غير واضحة لدى القيادة، وتعززت بعض الشكوك حول بعض المساهمين في العمل وقد وصلت معلومات للرفيق جورج أنه ربما لعبت الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) دورا حال دون إنجاز المهمة بالنجاح المطلوب".
 
وأشار العضو السابق للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، إلى أنه في ذلك العام 1989 ورد تقرير أمني، لقيادة الحزب الشيوعي، مصدره نقطة ارتكاز للمقاومة في الأمن السياسي الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، يفيد أن الحزب الشيوعي قد تجاوز الخطوط الحمراء فعلياً، وقد بلغت الذروة في عمليات جبل الشيخ ومحاولة اغتيال العميل أنطوان لحد. وفي فجر 26/12/1989 شن الكوماندوس الإسرائيلي هجوماً على أحد مواقع المقاومة في القطاع الشرقي بالقرب من بلدة النبي صفا، وجرى التصدي له وقد فشل الهجوم فشلاً ذريعاً ولم يستطع العدو أسر أحد. أيقظتُ الرفيق جورج الساعة الخامسة فجراً وأخبرته بما جرى فأفاد أن العدو لن يسكت على الفشل وسيرد سريعاً على مكان ما، ورجح جورج أن يكون مقر الحزب المركزي في الرميلة هو الهدف التالي. وقد رفض أن أتوجه إلى البقاع للوقوف عن كثب عما جرى في النبي صفا، وقد كتب هو البيان العسكري لجبهة المقاومة الوطنية حول العدوان الاسرائيلي على النبي صفا والتصدي له من قبل مقاتلي المقاومة. وفي هذه الأثناء، دعا المكتب السياسي للحزب لاجتماع طارئ، وبينما كنا نناقش التقرير الإسرائيلي ونتائج هجوم النبي صفا، شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على المقر المركزي للحزب في الرميلة. واللافت أن إذاعة لندن التي بثت تقريراً عن الاعتداءات الإسرائيلية نقلت تصريحا لمصدر إسرائيلي بأن هذه الأعمال "تهدف إلى وضع حد لأنشطة الحزب الشيوعي اللبناني المتزايدة ضد الدولة العبرية" على حد قول المصدر الإسرائيلي".
 
وقد اهتم السوفيات بالأمر، وقدموا احتجاجاً لإسرائيل لتدميرها مقراً للجنة المركزية لحزب شيوعي مرخص من حكومة بلاده، فأبرز الإسرائيليون للسوفيات دلائل تشير إلى أن المقر الذي دُمر هو مقر عسكري لقيادة المقاومة، كما أبلغوا السوفيات أن الحزب الشيوعي قد تجاوز الخطوط الحمراء. وفي هذا الإطار، وفي ذات اليوم، هرع إلى مركز الحزب الشيوعي الرئيسي في بيروت أحد مسؤولي الاستخبارات السوفياتية ليقابل أحد المسؤولين الرئيسيين ويبادره على الفور بعبارة chapeau bas لأنكم استطعتم اختراق اللجنة السياسية الإسرائيلية المشرفة على الشريط الحدودي المحتل، مبدياً استعداد السوفيات للتنسيق، إلا أننا نفينا بشدة ذلك رغم صحة هذه المعلومة، فانزعج المسؤول الأمني السوفياتي من جوابنا. وبعد مغادرته مركز الحزب كان تعليق الرفيق جورج "كل اجهزة الاستخبارات تشبه بعضها، ولن ننسق مع السوفيات بهذا الأمر ويجب حماية مصدرنا". وهذا ما حصل".
 
مؤطر: نص البيان التأسيسي لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية
 
يا أبناء بيروت البطلة
يا أبناء شعبنا اللبناني العظيم في الجنوب و الجبل و البقاع و الشمال
أيها المقاتلون الوطنيون الشجعان…
إن العدو الإسرائيلي المستمر في حربه الوحشية ضد لبنان منذ أكثر من مائـة و أربعة أيام, يبدأ اليـوم بتدنيس أرض بيروت الوطنية الطـاهرة التي قاومـت ببطولة طوال هذه المدة و لقنته في خـلدة و المتحف و في ضاحيتها الجنوبية و كل مداخلها دروساً في البطولة لن ينساها.
إن العدو المجرم يتنكر لكل الإتفاقات التي أجبر على إبرامهـا بفضل المقاومة البطلـة للشعبين اللبناني و الفلسطيني بقيادة القوات المشتركة, يستهدف إقتحام بيروت الوطنية التي إسـتعصت عليه عندما كانت في حال الإسـتنفار و التعبئة, و قبل تثبيت الخطة الأمنية التي قضـت بتسليم أمن بيروت للسلطة الشرعية.
إن العدو الإسرائيلي يستأنف جريمته النكراء وسط الرعاية الأميركية نفسها التي تميزت بالخداع المكشـوف و الرخيص و التي أظهرت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية أنها القائدة الفعلية للعدوان عسكرياً و سياسياً ضد لبنان و شعبه, و يكشف التذرع بجريمة إغتيال المـرحوم الشيخ بشير الجميّل, للقيام بهذا العدوان الغادر على بيروت الوطنية مسؤولية إسرائيل و أميركا عن جريمة الإغتيال, كما يؤّكد مـدى خطورة الأهداف المجرمـة التي يحملها المخطط الأميركي_الإسرائيلي ضد لبنان وحدةً و كياناً و مصيراً.
إن أمريكا و إسرائيل لا تريدان لبنان بلداً موحّداً مستقلاً حرّاً سيّداً.
ان أمريكا و إسرائيل ستتابعان تنظيم الدسـائس و المؤامرات لتفرقة شعبنا و تقسيم بلادنا و تجزئتها تأميناً لسيطرة جديدة لهما على لبنان, و عبر لبنان على سائر الأقطار العربية المجاورة.
يا رجال و نساء لبنان من كل الطوائف و المناطق و الاتجاهات,
أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيداً مستقلاً,
الى السـلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال و تحريراً لأرض لبنان من رجسه على إمتداد هذه الارض من أقصى الوطن الى أقصاه.
أيها اللبنانيون,
إن واجب الدفـاع عن الوطن هو أقـدس واجب, إن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطنيٍّ أن يفاخر به.
فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانين كـافة و بغض النظر عن انتماءاتهم السـابقة وعن الإختلافـات الأيدولوجيّة و الطائفية و الطبقية, في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي, كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا و إسرائيل على عنق شعبنا الحر و رفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم.
بيروت في 16 أيلول 1982
جورج حاوي
محسن إبراهيم