الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أشهر يسارية في السودان.. المناضلة فاطمة إبراهيم تحدت الديكتاتور جعفر النميري وانتصرت للنساء

 
فاطمة حوحو
 
 
"أنا متمردة... أناضل حتى أموت"، هكذا تُعرف المناضلة السودانية من أجل الفقراء، وأيقونة الشجاعة في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، فاطمة أحمد ابراهيم نفسها.
 
غيبها الموت عن عمر 85 عاما في لندن، يوم السبت 12 غشت 2017، وتم نقل جثمانها إلى الخرطوم، حيث ووري الثرى، في جنازة رسمية وشعبية. هي زوجة القيادي النقابي رئيس اتحاد عمال السودان، الشفيع أحمد الشيخ، الذي أعدمه الرئيس السوداني السابق جعفر النميري بعد فشل الانقلاب الذي قاده الشيوعيون بقيادة هاشم عطا، في يونيو 1971، وفور عودة النميري للسلطة مجددا، مارس حملات انتقامية من قيادات الحزب الشيوعي السوداني ومن بينهم الشفيع أحمد، إضافة الى السكرتير السياسي للحزب عبد الخالق محجوب وجوزيف غارنغ، كما تمت تصفية قائد الانقلاب هاشم عطا وبابكر النور وفاروق حمد الله وعدد من القيادات العسكرية، مما ولد لدى فاطمة عداءً كبيرا ضد الجنرال النميري ونظامه، لم تمحه السنوات.
 
كل من عاش تلك المرحلة في السودان وفي العالم العربي بيساره، يتذكر ذلك القسم والعهد الذي قطعته فاطمة على نفسها، على قبر الشفيع: "لن يدخل رجل حياتي بعدك، وسأربي ابننا أحمد تربية تشرفك، وأسير على درب النضال من أجل الفقراء والمضطهدين، حتى لو أدى بي ذلك إلى نفس المصير".
 
 
وفاطمة إبراهيم المناضلة النسائية التي تركت بصماتها في حياة السودانيات والسودانيين، كمدافعة عن حقوقهم، والتي أصبحت أول امرأة سودانية في البرلمان، عاشت سنواتها الأخيرة منذ العام 2014 في لندن، مع أبناء شقيقتها، بعد أن ترددت شائعات في الصحافة السودانية، أنها أودعت في دار للعجزة، وهي التي تعاني من داء السكري، لكن جرى نفي تلك الشائعات من قبل أسرتها، وقد زارها في ذلك الحين وفد من السفارة السودانية في مستشفى "شيرنج كروس"، حيث خضعت للعلاج، نافيا بذلك ما نشر عن إيداعها في مأوى للعجزة، ومؤكدا أن "فاطمة رمز وطني كبير".
 
فاطمة إبراهيم كانت حاضرة دائما، في حكايات النساء السودانيات، ربات المنازل والمثقفات على حد سواء، ففي مرحلة الخمسينات والستينات، كانت تقود تظاهرات الاتحاد النسائي السوداني، تارة للتنديد بالاعتداء على العدوان الثلاثي في مصر، وتارة للتضامن مع المناضلة الجزائرية جميلة بو حريد، وأخرى من للهتاف ضد رئيس وزراء بريطانيا أنطوني إيدن، أمام السفارة البريطانية في الخرطوم. وأيضا مسيرات من أجل فلسطين، كانت ابراهيم تأخذ النساء السودانيات من مطابخهن إلى الشارع، ليهتفن ضد "الامبريالية". هكذا يتذكرها الجيل الجديد نقلا عن الأمهات.
 
سنوات طويلة من النضال لم تنسها إعدام زوجها، بل كانت في كل مناسبة تحكي القصة، فهي لا تسامح النميري، ولا تتراجع عن أخذ الحق ولو كلفها عمرا.
 
وذات مرة ألقي القبض عليها بتهمة شتم النميري في مطار الخرطوم، تطوع أحد المحامين للدفاع عنها، وهو عضو في الحزب الاتحادي الديموقراطي، وليس عضوا في الحزب الشيوعي الذي تنتمي إليه فاطمة وتكون واحدة من أبرز قياداته حتى وفاتها، وقد روى ذلك المحامي أنه عندما سألها القاضي عن شتمها للرئيس أجابت بتأكيد شتمه وشتمت القاضي ذاته.
 
لم تكن فاطمة صدامية مع مجتمعها بكونها شخصية نسوية تعاني من اضطهاد ما، ولم تبرز بصورة "الكافرة"، أبقت على لبس الحجاب ـ المنديل، ولم تتحد في الكلام والنقاشات العقيمة، ما يهمها كان أن تقدم نموذجا للمرأة في المجتمع الإسلامي يزيل المخاوف من الشيوعية. وقد تقبلها الناس إذ كانت سيرتها الطيبة تدفع بنات العائلات إلى المشاركة في نشاطات الاتحاد النسائي السوداني الذي ترأسته، فلا خوف عليهن في المكان الذي تكون فيه فاطمة.
 
عاشت فاطمة مخلصة لما آمنت به. عانت من المرض ومن الدكتاتورية طول عمرها. السكر أقعدها لفترات طويلة وشاكسها. والطغيان حاول أن يسكتها. لكنها ما خضعت لمرض ولا سلطة. فاطمة نموذج فريد اختلفت معه أو اتفقت. لكنها نغمة مهمة في مقطوعة الهوية السودانية لا السياسة فحسب.
 
ولدت فاطمة عام 1932 بالخرطوم ونشطت في العمل السياسي باكرا، إذ قادت أول إضراب عرفته مدارس البنات في السودان في عهد الاستعمار البريطاني، نشأت في أسرة متعلمة ومتدينة. كان جدها ناظراً لأول مدرسة للبنين بالسودان وإماماً لمسجد، والدها تخرج في كلية غردون معلماً، أما والدتها فكانت من أوائل البنات اللواتي حظين بتعليم مدرسي. بدأ وعي فاطمة ابراهيم السياسي مبكراً نتيجة للجو الثقافي العائلي، وتعرض والدها من قبل إدارة التعليم البريطانية للاضطهاد لرفضه تدريس اللغة الإنجليزية، فاضطر للاستقالة من المدرسة الحكومية والتحق بالتدريس بالمدرسة الأهلية.
 
أما والدتها فتروي فاطمة أنها كانت دائما لا تسمح لها بالوقوف أمام المرآة سوى لمحة البصر، وكانت تقول لها: "اقرئي جمالك ليس ما في وجهك ولا في شعرك، جمالك في ما يدخل رأسك، اذهبي واقرئي، حتى نسيت أن أنظر إلى وجهي في المرآة ، وهذا ما دفعنا إلى التعلم أنا وأخواتي، فكلنا أحبينا القراءة".
 
ترأست الاتحاد النسائي 1956-1957، وسعت إلى تحقيق أهدافه وتطويرها. ومن ضمن المطالب إعطاء النساء حق التصويت وحق الترشيح لدخول البرلمان، وحق التمثيل في كل المؤسسات التشريعية والسياسية والإدارية على قدم المساواة مع الرجل، الأجر المتساوي للعمل المتساوي، المساواة في فرص التأهيل والتدريب والترقي، محو الأمية بين النساء، توفير فرص التعليم الإلزامي المجاني، توفير فرص العمل وتحويل المرأة إلى قوة منتجة، تحديد سن الزواج بحيث لا يسمح به قبل سن البلوغ، إلغاء قانون الطاعة وغيره.
 
وقد تعرضت لهجوم من "جبهة الميثاق الإسلامي" بحجة أن الإسلام لا يسمح بمساواة المرأة وانخراطها في السياسة.
 
شاركت في إنشاء هيئة نساء السودان المناهضة للحكم العسكري عام 1962، وكانت رئيسة لتحرير مجلة "صوت المرأة" التي حولتها إلى منبر مناهض للديكتاتورية.
 
في عام 1954 انضمت فاطمة للحزب الشيوعي السوداني، وبعد فترة دخلت اللجنة المركزية. فالحزب الشيوعي السوداني هو أول حزب كون في داخله تنظيماً نسوياً وذلك عام 1946.
 
أما كيف انتسبت، فتروي فاطمة في حديث لها أن شقيقها صلاح الشاعر والأديب المعروف، كان يأتي بمنشورات الحزب ويحدثها عن الاشتراكية، والأمر الذي لفت نظرها من خلال أحاديثه أو تلك الدروس، هو تحليل الاشتراكية نظرياً لأسباب اضطهاد المرأة، وبداية إبعادها عن مواقع العمل والإنتاج، وحصر دورها في المنزل، فدخلت إلى الحزب وأصبحت عضوة باللجنة المركزية، لكن تلك القصة لم تمر مرور الكرام على والدها إذ تقول: "فعندما سمع والدي بخبر انضمام ابنته للحزب، ثار ثورة شديدة وغضب من ذلك الفعل، غير أني أردت إقناعه بدل الدخول معه في مواجهة، فطلبت من والدتي أن تضع بعض إصدارات الحزب تحت وسادته، فلما رقد أحس بوجود أوراق تحت الوسادة، أخرجها وقبل أن يسأل أخبرته زوجته بأنها وضعتها له ليقرأها، فإذا وجد أي كلمة ضد الإسلام أو ضد الأخلاق، فإنها ستتولى إخراج ابنته وأولاده من الحزب الشيوعي، وبعد أن قراها اقتنع وعلق بأن كل محتوياتها في مصلحة الفقراء والمضطهدين، ولا توجد أي كلمة ضد الإسلام أو الأخلاق. ووافق".
 
لعبت دورا بارزا في ثورة أكتوبر 1964 وكانت عضوا في جبهة الهيئات، ثم انتخبت لعضوية الجمعية التأسيسية عام 1965 ، لتصبح بذلك أول امرأة في السودان تنتخب للبرلمان .قاومت نظام جعفر نميري (1969 -1985) بشراسة وتعرضت للسجن والملاحقات الأمنية. نشطت في مناهضة نظام الإنقاذ منذ انقلاب يونيو 1989 عبر التجمع الوطني الديمقراطي.
 
في عام 2005 قدمها الحزب الشيوعي ممثلة له في "المجلس الوطني" إبان اتفاقية القاهرة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي، والتي أعقبت اتفاق نيفاشا، إلا انها استقالت لأسباب صحية، لها مشاركات إقليمية ودولية في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان، اختيرت رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عام 1991 وكانت هذه أول مرة تنتخب فيها امرأة عربية أفريقية له. وفي عام 1993 حصلت على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان .كما منحت الدكتوراه الفخرية من جامعة كاليفورنيا عام 1996، لجهودها في قضايا النساء واستغلال الأطفال.
 
 
مؤطر 1: من مؤلفاتها
 
"حصادنا خلال عشرين عاما"، "المرأة العربية والتغيير الاجتماعي"، "حول قضايا الأحوال الشخصية"، " قضايا المرأة العاملة السودانية"، "آن آوان التغيير ولكن"، "أطفالنا والرعاية الصحية"، إضافة إلى كتاب عن سيرتها الذاتية بعنوان "سيرة كفاح السيدة فاطمة ابراهيم".
 
مؤطر 2: فاطمة في نشيد شيوعي
 
عن حياة فاطمة في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني أبيات سطرها الشيوعيون في أعقاب إعدام زوجها المناضل الشفيع أحمد الشيخ، تقول:
 
"واحلالي أنا واحلالي
أريتو حالك
يا با حالي
أموت شهيد نجمي البلالي
وأخلف اسماً لي عيالي
الشفيع يا فاطمة في الحي
في المصانع وفي البلد حي
سكتيها القالت أحَّي
ما عماره الأخضر الني
بدري بكر خضر الحي
ومات شهيد أنا واحلالي
يا المصانع يا لسكك الحديد
يا ورش نارها بتقيد
يا عمال الميناء البعيد
جروا حبل اليوم السعيد
وشايفوا قرب أنا واحلالي
أحمد أحمد تكبر تشيل
اسم أبوك في النجم والنيل
خط أبوك بالدم النبيل
كل زهرة وزهرة إكليل
ومات شهيد أنا واحلالي".