الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الشاعر أمال حجي في ذكرى رحيل محمد بن المقدم: يا "مُقَدِّمَ" رُوحه هَدِيَّةً لِلعَراء السَخِيّ!

 
أمال حجي
 
 
لِرُوحكَ السَلام..
لِرُوحكَ سُلالَة الجِياد النافِرَة..
لَكَ مِنِّي أَلْف وَرْدَة وَوَرْدَة..
وَأَلْف وَرْدَة ساحِرَة!..
يا "مُقَدِّمَ" صدره لِلعَراء
 
يا وَاهبا قَلْبهُ لِلشمُوس الحارِقَة..
لشيماء كُلّ العُصُور..
هِيَ ذِي ثَراكَ تَرُشّنا بِشَتَّى أَنْواع العُطُور..
وَتَقُول لِلبَين أَنْ يَنْتَهِي..
وَتَقُول لِلإِظْلام أَن يَنْجَلِي..
وَتَقُول لِلقَيْد أَن يَنْكَسِر..
 
حِين كُنتَ الفارِس الأَوْحَد.. فَوْق صَهْوَة جِيادكَ الفُضْلَى..
تَجُول فِي يُبْس القفار..
فِي الوادِي السَحِيق، بَيْن الجِبال..
عَرَقاً يَتَصَبَّب مَن جَبِين أَوْجاعكَ..
سَيْلاً رَقْراقاً كَماء زُلال..
نَتَوَضَّأ بِقَطْره..
نَتَيَمَّم بِعِطْره..
وَنُقيم صَلاَة بعْدِه وَغِيابه..
فِي لُجَّة ضياعنا..
 
يا قَمَرا غابَ فَجْأَةً..
لَمّا ادْلَهَمَّ الظَلام، فُجاءةً..
حِين كنّا فِي حاجَة الوُجُود لِعُكّازكَ..
فِي أَوْج جُوعنا..
وَاشْتِداد خَوْفنا..
غِبتَ عَنّا غَيْبَة غَيْمَة ماطِرَة..
عِنْدَ احْتِدام فَراغنا..
وَخَوائنا..
وَظَمَئنا الَّذِي لا يَتُوب!
 
أُعِيد، أَنا، سَماع بحَّة صَوتِكَ الحَكِيم..
مَعْجُون بِدَهْشَة المَآذِن..
وَحَيْرَة المُصَلِّيْنَ فِي الجَوامِع..
وَهَيْبَة المَكان!
 
كَلامكَ خاثِر،
وَفَوْق هٰذا، خثورية نُطْقكَ أَلَذّ من مَذاق المُدام!
أُرَتِّب أَقْوالكَ فِي سَبْحَة الخُلُود..
يا مَن تَعَذَّبَ قَبْوهُ..
مَن شِدَّة صيّاحه فِيه..
يا مَن أَدْهَش جَلّادهُ..
مَن قَسْوَة ما عانَيتهُ من كِرْباجه..
وسِياطه..
لجُرْم عِشْق وَطَن فِي حُبّه أَنْت تتِيه!
 
ارْقَ بِنَفْسك لِي نَحْوَ العلا،
عَلَى علا العَلْياء المجِيدَة..
يا ابنَ قلاع "السراغنة" الفَيْحاء،
كَأَنَّكَ حَجَر..
تَتَخَبَّل فِينا
تَتَدَحْرَج فِينا،
كرطمة "صَخْر حَطَّهُ السَيْل من عَلِ"!..
 
تَوْأَم رُوحكَ ما زالَت هُنا..
تُقِيم صَلَواتك هنا..
تُسَبِّح بِاسْمك كَفَرْض كِفايَة عَنّا وَعَن كُلّ الراحِلين..
فَرَحاً أَحْيانا...
وَحُزنا أَحْيانا أُخْرى..
 
هَل تَتَذَكَّر أَنَّ زَوْجَة الرَسُول كانَت تَزُورك سِرّاً فِي رَهْنكَ هُناك..
وَأَنْتَ الأَمْجَد..
وَأَنْتَ النَبِيّ "مُحَمَّد"!
تُبْلِغك سَلام الخلّان وَالمُبْعَديْن..
تَرْتَعِش من فَرْط هَواها..
تَرُشّكَ بِشَوْق رُوائها..
وَتَنام عَلَى جَبِينك نَوْمَة العاشِقات؟؟!!
 
هَل ما زلتَ تَتَذَكَّر أنَّكَ تَحِبّها "من أخْمُص القَدَم حَتَّى ذُؤابَة الرَأْس المُثْقَل بِالغيّاب"؟؟ (*)..
حِين انفجرت فِي وَجْهها وَبُحتَ:
"أَحِبّكِ ملْء الكَوْن.. وَأَيّ مدَى فِي الكَوْن مُتَّسَع لِحُبِّي"..
أَنْت الَّذِي أَضَفتَ قائِلاً: "أَنا العاشِق المَحْمُوم تَعْزِلنِي أُسْوار الظَلام، وَتَحْجُبنِي سَحائِب الأَنْوار عَن امْرَأَة هِيَ شَمْسِي" (*)..
 
أَنْت الَّذِي أَتْعَبتنا بهيامك فِيها،
وَغَبطناكَ حِين خَتَمَت قَوْلكَ الَّذِي لا يَنْتَهي:
"خُذِي وَجَهِيَ المَقْهُور لَحْظَة بَينَ يديك
يا سَيِّدَة النِساء
ما أَروع العلم الخَفّاق فِي كَفيّك
وَحَبِيبَة نضراء
ما أَجْمل النُور المُشِعّ يرقص فِي عَيْنَيْك"!! (*)
 
تَوْأَم رُوحكَ ما زالَت هَنا..
تَردد لحنك الخالِد..
مَن أَجْل كُلّ النِساء..
مَن أَجْل الجَمال..
مَن أَجْل السحْر وَالفِتْنَة وَالخُلُود..
تَوْأَم رُوحكَ ما زالَت هنا..
تمشط شَعرَكَ بِاسْتِمْرار..
وَتَمشطهُ الآن بِمُشط قرْن غَزال العِيد..
فَهٰذا اليَوْم، يَوْم عِيد!!
 
_____________
يَوْم عِيد الأَضْحَى المُبارَك لَسَنَة 2023
 
 
============
(*): مقاطع من قصيدة للراحل محمد بن المقدم بعنوان "أحبك ملء الكون" كُتبها الفقيد لتوأم روحه عائشة الخماس ليلة الأربعاء 29 أكتوبر 1986، لما كان معتقلا في سجن عين برجة في الدارالبيضاء