الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الشاعر أمال حجي في قصيدة من بوردو 1981: هَكَذَا تَكَلَّمَ "زَرَادشْت" عَنِّي وَعَنْ بَيْرُوت

 
أمال حجي
 
كتب الشاعر أمال حجي هذه القصيدة خلال النصف الثاني من سنة 1981، بمدينة بوردو الفرنسية. ونشرتها جريدة "أنوال الثقافي" في سنة 1985. وارتأينا في موقع "الغد24" إعادة نشرها، اليوم، نظرا لمكانتها في المسار الإبداعي للشاعر.
 
- أولا -
 
قَدْ قِيلَ:
حُبُّكَ، الْمَطَرُ النَّازِلُ مِنْ سَمَا الاعصار وَالْقَسْوَة
وَجَسَدُكَ مِلْحٌ يَذُوبُ عَلَى الْمِسَاحَاتِ وَالْخَرَائِطِ
جَسَدِي - أنْت
يَتَمَدَّدُ
يَتَمَطَّى
لِيُصْبِحُ مَاءً مِلْحِيًّا تُرَابِيَّ الامْتِدَاد!
 
فَلَتَرْمِنِي بِنِبَالِهَا
بِسَمُومِهَا
كُلُّ الْعَوَاصِمِ الْعَرَبِيَّة
أَتَحَدَّى.
. أَتَحَدَّى.
. إِلَّا فَاتِنَتَي بَيْرُوت!
 
فيَا حَادي الْعِيس لَا تَلُمْنِي
هَلْ رَأَيْتَ فَاتِنَتي.
.. مُعَذَّبَتِي.
.. فَأَنَا ضَحِيَّتُهَا!
يَا حَادي الْعِيس
ابْحث لِي فِي الرَّمْلِ
وَفِي الرّيحِ
عَنِ الَّتِي رَسَمَتْ
... نَسَجَتْ
عَلَى صَدْرِي جَسَد الْمَسِيحِ
فَجَسَدُهَا خُبْزِي
وَدَمُهَا خَمْرَتِي وَنَبِيذِي
هِي لَيْلَى مُكَبلَة..
هِي لَيْلَى مُحَاصَرَة
فَمَنْ يَفُكُّ حِصَارَهَا؟
أوَدٌ أَنَّ أكوَن قيسا
فَهَلْ تَقْبَلُ سَهْمًا
رَأَّسَهُ نَاي عَنِيد
وَجَنَاحَاهُ مِنْ خَيْزرَان!
 
- ثَانِيًا -
 
لَا أَحِبُّ الرَّصَّاصَ
وَلَكِنْ أَحُبُّكِ،
لَا أَعشْقٌ الْعُنْفَ
وَلَكن أَهَوَاك،
أَهَوَاك
أَهَوَاك
حَتَّى لَا أَرَى إِلَّا الْبُنْدُقِيَّةَ عُنْوَانَ فِدَاِك
 
- ثَالِثَا -
 
قَتَلَتْنِي كُلُّ الْبَنَادِقِ
شَرَّدَتْنِي كُلُّ الْأَيَادِي،
فَهَلْ سَتَقْتُلُنِي يَدِي!
فارْفعِي يَدَيْكِ عَنِّي يَا يَدي
فَدَمِي قَدْ سَالَ عَلَى كُلَّ الْأَيَادِي،
ارْفعِي
يَدَيْك عَنِّي يَا يَدِي
وَلَنُحَاوِرْ كُلَّ الْجَسَد،
مَدَد
مَدَد
مَدَد..
هَلْ نَنْسَى اِخْتِلَاطَ الْجَسَدَيْنِ فِي جَسَد
وَعِنَاق الرّوحَيْنِ فِي زَبَد؟!
فَاشْهَدْ
أَنِّي أَعشْقُ
وأَعشْق،
اشْهد أَنِّي اِنْفِجَارُ الذَّرَّةِ
فِي الْغَسَق
وانشطار الذات هَوسًا
كنْ سَهْمًا
سَهْمًا.
 
بَيْرُوتُ،
بَيْرُوتُ أنْت الْعِشْقُ
وَأَنْت الْجُرْحُ،
أَنْت الْأُمُّ
وَأَنْت الزَّاد،
أَنْت الْخَيْلُ
أَنْت الْبَارود،
بَيْرُوتُ الْمُحَاصَرَةُ
بَيْرُوتُ عَاصِمَة الْعَوَاصِمِ
بَيْرُوتُ تُحَاصِرُ كُلَّ الْعَوَاصِمِ الْعَرَبِيَّة.
فَهَلْ "نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ"
وَأَنْتِ
الشَّطّ
وَأَنَت
الْبَحْرُ
وَأَنْتَ الْيَاقُوت؟
سَلَاَمًا
سَلَاَمَا يَا بَيْرُوت.
فَآهٍ
وَأُلف الآه
مَاذا تَنْفَعُنِي؟
سَلوا "سَلَا" وَكُلّ الْمُدُنِ عَنْ قَتْلَانَا
فَأَنْتِ فِي كَلِّ مَكَان،
وَالْبَيْضَاءُ بَيْرُوتُ وَصَبْرا،
وَالْبَحْرُ لَيْسَ لَنَا
وَبَيْرُوتُ لَا الْوَدَاعُ
لَا الْوَدَاعُ
لَا الْوَدَاعُ
سَتَرْقُصُ الشِّرَاعُ
سَتَهْتَزُّ الْقِلَاَعُ،
بَيْرُوتُ لَا وَدَاعٌ
لَا وَدَاعٌ
لَا وَدَاعٌ
لَكُمْ ألْفُ حَمَامَةٍ وَوَرَدَة
يَا أهْلَ بَيْرُوتَ لَا وَدَاع!
 
- رَابعَا -
 
... وَتَرْقُصُ "أَخْمَاس"
بِيَمِينِ "أَسدَاس"
لِيُعَمِّقَا فِي الذَّاكِرَةِ سنوَاتِ التَّقْتيل
لِيُمْلِيَا عَلَى الْجَسَدِ
اِنْطِلَاقَةَ "إيزيس".
وَالْبُقْعَةُ - الدَّمَار
تَخْتَزِلُ الزَّمَنَ الْعَرَبِيّ
تَخْتَصِرُ الْحُزْنَ
السَّنَابِلَ
وَالْمَنَاجِلَ.
فَفِي تَشَابُكَاتِ الْعَقْلِ
فِي اِخْتِلَاطِ الْحَابِلِ بِنَابِلِهِ
تَضَعُ الشَّمْسُ وَلِيَدِهَا الْقَمِرِيَّ
وَفِي جَبِينِهِ
قَمْحَة - نَجْمَة قُطْبِيَّة.
فَقَدْ قُلْتُ لِلرّيحِ
يَا هَوَى الإعصار
فِي دَمْعَتِي الْحَمرَا
لَنْ يموتَ الْفَرَحُ عَلَى شَفتَي حَبيبَتِي
فَفِي كَفِي مَدْخَل لَلشّمْسِ الْبَحْرِيَّةِ الْآتِيَة،
لِلْمَحَار الْآتِي
لِلْهَمْسَاتِ السِّرِّيَّة
لِلْكَلِمَاتِ الثَّوْرِيَّة
فِي كَفِي صَوْت عَصْفُور مَات
فِي رَاحَتَي مِسَاحَات وَمِسَاحَات
وَنَبْضَاتُ الطِّفْلِ الشَّرِيدِ الآت.
أَصَابِعٌ يَدِي تَتَحَوَّلُ جماجمَ
وَأَقْوَاسُ الْقُزَحِ أَشْلَاَءً
فَأَحْمِلُ جَسَدَ حَبيبَتِي
وَأَمْشِي فِي جَنَازَةِ النَّاسِ الطَّيِّبِين،
أَحِمْلٌ تُرْبَةَ الإعصار
فِي مَأْتَمِ الضَّبَابِ الْبَحْرِيِّ،
فارْقصْ بِالْكَفِّ وَبِالْأَلْوَانِ
ارْقُصْ
بـ"عَنْكَبُوتِ " الْقَمْحِ
مِنْ نَبْضِ الْوَلِيدِ إِلَى صُعُودِ الْخَيْزرَانِ
ارْقصْ فَفِي دَمِي غَضَب كَلِّ الْآلِهَةِ
وَأَنَا الذي كَفَرْتُ بِكُلَّ الرَّبِّ
بِكُلُّ الْمَمَالِيكِ
بِكُلُّ الدَّوَاوينِ
عِنَاقًا لِلْغجر
وَكَل الصَّعَالِيك.
ارْقصْ وَاِرْفَعْ يَدَيْكَ
امتشاقا لِلسَّيْفِ
وَاِضْرِبْ جَسَدًا – خَشَبًا - وَرَقًا
وَاِصْنَعْ سُنْبُلَة
مَخَاضًا
جَلَادًا
جَلَادًا
جَلَادًا،
اِصْنَعْ نَعْنَاعًا وَزَعْتَر
قَمَر
وَمِسَاحَاتِ جُنُون
وَبُرْتُقَال.
فَقَدْ حَلفْتُ مِنْ فَمِ حَبيبَتِي
أَنَّ السّمَّ المهروق فِي جعَة سُقْرَاط
لَنْ يَكون إِلَّا لــ"هَيْلا"
وَأَشْهَدُ
أَشْهَدُ
أَشْهَدُ أَنَّ الدَّمَ السَّائِلَ مِنْ فَمِهِ شَمس إفْرِيقِيَّة.
حَلفت بِرَبِّ الْجَائِعِينَ فِي بِلَادِي
أَنَّ الزَّمَن الْآتِي
لَنْ يَكون إِلَّا زَمَنَ النَّاسِ الْكَادِحِين
فَالْحُطَيْئَةُ - الصُّعْلُوكُ يَصْنَعُ رَبَّه
هَكَذَا تَكَلَّمَ "زَرَادشْت"!!!...