الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مراد بورجى: نهاية خُطب ثورة الملك والشعب.. وتفعيل خطاب استرجاع الثروة المنهوبة

 
مراد بورجى
 
 
أعلن الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، يوم الجمعة الماضي، عن نهاية خُطب ذكرى ثورة الملك والشعب، مع الإشارة إلى أن الجالس على العرش الملك محمد السادس لم يُلغِ ذكرى حدث 20 غشت.
هذا الإلغاء برره القصر بأنه تقني وجيه، إذ يأتي على بعد حوالي 20 يوما من خطاب العرش (29 يوليوز)، وعلى بعد أسبوعين إلى ثلاثة من خطاب افتتاح البرلمان (الجمعة الثانية من شهر أكتوبر)...
وهذا الإجراء "التقني"، لا يخلو من دلالة سياسية، ورؤية مستقبلية، تستهدف امتلاك الماضي، وإعادة قراءته، على أساس الكفّ عن الانغلاق داخل هذا الماضي، الذي وصل، لدى البعض، إلى "المتاجرة" بنضالات وشهداء الشعب المغربي، لما يناهز ستة عقود من الزمن...
وفي هذا الصدد، سبق لي أن كتبتُ مقالًا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022، كنت قد خصّصته لموضوع "الإحياء/الإلغاء"، قلت فيه إنه لم يعد من المهم أن نذكّر المغاربة بمقاومة الآباء والأجداد لمستعمر غاشم أمعن في نهب ثروات المغرب، فيما المغاربة أدركوا، اليوم، أن هناك "حفنة محظوظة" من جلدتهم، هي التي تستعمرهم وتسرق أموالهم وتنهب ثروات بلادهم...
وبهذه المناسبة، أعيد نشر هذا المقال لكل غاية مفيدة...
 
 
(في ما يلي رابط المقال كما نُشر في موقع "الغد 24")
 
 
ذكرى ثورة الملك والشعب
هل تتحول إلى ثورة جديدة لاسترجاع الثروة المنهوبة؟

مراد بورجى

لم يعد من المهم أن نذكّر المغاربة بمقاومة الآباء والأجداد لمستعمر غاشم أمعن في نهب ثروات المغرب لأكثر من أربعة عقود إلى أن طُرد منه من الباب، فعاد إليه من النافذة "الاستثمارية" بدل الاستعمارية.

بل الأهمّ، اليوم، بالنسبة إلى الأجيال الجديدة من المغاربة، وحتى الأجيال السابقة، هو جعل من هذه المناسبة "ثورة ملكية شعبية" جديدة ومتجدّدة لتحرير المغرب من أخطبوط الفساد الذي تسرطن في البلاد، وتحرير المغرب من "الحفنة المحظوظة" التي تكلم عنها الملك محمد السادس في خطابه حول من نهب الثروة. وهي حفنة تفنن آباؤها وأجدادها في الاغتناء الفاحش، وأورثوه لأحفادهم على ملاعق من ذهب، وفتحوا لهم الأبواب والنوافذ لمواصلة النهب، وها هم مازالوا حتى اليوم يعيثون فسادا في هذه البلاد، ولا يتركون وراءهم سوى الفقر المدقع إرثا للشعب.

وإذا كان المغرب قد احتفل، السنة الماضية، بمرور 68 عاما من ذكرى ثورة الملك والشعب، وهي مناسبة جعلتها تلك الحفنة المحظوظة تمر كل سنة على المغاربة مرور الكرام، دون حماسة، حتى أصبح معظم المواطنين لا يهمه من هذا العيد الوطني إلا يوم عطلة...، فإن المغاربة أدركوا، اليوم، أنه ليست فرنسا والفرنسيون من يستعمرهم ويسرق أموالهم من جيوبهم وينهب ثروات بلادهم.

بل إن المغاربة اليوم مقتنعون أنهم ضحايا لهذه "الحفنة المحظوظة" من "إخوانهم في الدين والوطن"، الذين اغتنوا واغترفوا واغتنموا من الريع والنفوذ والفساد والنهب لأكثر من ستة عقود، بدءًا من حكم حكومات المقاومين، والرأسماليين، وفقهاء القرويين، والاشتراكيين، والشيوعيين، والإسلاميين، الذين أصدروا فتوى "عفا الله عمن سرق"، وانتهاءً بسطوهم اليوم على رأس الحكومة...

لقد عرف المغرب انتفاضات ومقاومات، قادتها نخب يسارية، في مواجهة كل أوجه الريع والفساد والنهب، الذي عرفه المغرب، لكن هذه النخب كانت تفتقر للدعم، ولوعي الشعب آنذاك، فأخطأتْ، حسب وجهة نظري، في وسيلة محاربة هذه الظاهرة، واعتقدتْ أنها يجب أن تمر عبر الشرعية والحكم لوقف ذلك، فاصطدمت بالملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يعتقد أن هذه النخب اليسارية تسعى لنزع الشرعية عنه.

وهكذا دخلت جيوب المقاومة على الخط، وتفننت في تعذيب تلك النخب اليسارية وقهرها ورميها في غياهب السجون عبر محاكمات صورية أعدتْ أحكامها في الدهاليز السرية آنذاك، كما تردد ذلك خلال جلسات تصفية ملفات سنوات الرصاص.

الخطأ، حسب وجهة نظري، أن الصراع ظل قائما حول شرعية الملك ومحاربة نظام الحكم، بدل محاربة "شرعية النهب"، التي حازها المفسدون الذين نهبوا البلاد والعباد بقوة القانون "المشبوه" لشرعنة الإثراء غير المشروع، وهي "شرعنة" مازالت متواصلة، ولا أدل على ذلك من قيام رئيس الحكومة الملياردير بسحب مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع من البرلمان...

واليوم، أدركت النخبة، ومعها الشعب المتتبع لكل ما يجري بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، التي غزت المغرب، أن هناك إرادة ملكية واضحة في محاربة الفساد والمفسدين، إذ لا أحد ينكر اليوم أن الملك محمد السادس انضم إلى الشعب المقهور من خلال ما بات يعبّر عنه في خطاباته، بعد أن باع مناضلون ومعهم مسؤولون كُثُر ذممهم وتركوا مصلحة الوطن والمواطنين عرضة للضياع.

وما يؤشر على انضمام الملك لهذا الشعب المقهور هو دسترة نداءاته وشعاراته في خطابات ملكية ردد فيها الجالس على العرش كل مطالب الشارع، بل لقد اعترف الملك، صراحة، بعد بحث وتمحيص وبناء على تقارير، بأن هناك حفنة اغتنت غنى فاحشاً في الوقت الذي ازداد باقي المغاربة فقرا مدقعا، بتعبير الملك نفسه.

وبالفعل، فقد تأكد الملك شخصيا أن ثروة المغرب قد تعرّضت لنهب جسيم ومنظم ومستمر، بعد اطلاعه على أرقام وإحصائيات في دراستين قام بهما البنك الدولي حول قياس الثروة في المغرب.

ولأن الأمر كذلك، فقد طرح الملك محمد السادس سؤاله التاريخي والخطير في خطاب موجه للأمة قال فيه: أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة، وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟

ثم لماذا لم نستطع، حتى اليوم، أن نجيب عن هذا السؤال الذي طرحه الملك نفسه قبل سبع سنوات؟

إذا كانت عصابات ومافيات الجريمة المنظمة من المفسدين وناهبي المال العام والمتصرفين في الريع وجيوب المقاومة قد احتالوا على مؤسسات الدولة وقوانينها، باستغلال "ضعف وهشاشة" موظفيها، فلا يعتقد البعض أنهم أصبحوا أقوى من الملك ومن الشعب!!

فإذا كانت خمس سنوات كافية للبنك الدولي أن يصدر تقريرا مفصلا حول قياس الثروة الشاملة لأكثر من 120 دولة، فإن الدولة المغربية، وبإرادة الملك محمد السادس، ومنذ أن استلّ سؤال الثروة، تشتغل ليل نهار على تتبع خيوط هذا الاستغلال بخلق قوانين وبرامج وبوابات لتحديث الإدارة ومجالسها المحدثة لمحاربة الفساد، وحيث ستلعب الرقمنة ووثائق الأرشيف الدور الكبير في كشف كل التلاعبات... هذا العمل الكبير الذي أمر به الملك محمد السادس، الذي تعهد أمام المغاربة أن يشرف شخصيا على ربط المسؤولية بالمحاسبة، كفيل بتقديم الأجوبة الشافية حول كل تساؤلات الشعب حول الفساد الذي استشرى في المغرب والمفسدين الذين نهبوا ثروته..

اليوم، الكل يُجمع على أن هناك تقارير تُنجز ستهز أركان المفسدين من خواص ومسؤولين ومنتخبين على حد سواء، لأنها هذه المرة ستسمي الفساد فسادا، ولن يختفي هؤلاء وراء وُسطاء أو أجانب يلصقون بهم نهبهم للمال العام.

ولا أدل ذلك ما كشفت عنه المنظمة العالمية للنزاهة المالية (غلوبال فينانسيال انتيغريتي)، في آخر تقاريرها، عن تهريب 600 مليار درهم (حوالي 57 مليار أورو) من المغرب، خلال عشرية (2009-2018)، عبر "فواتير وهمية"، أو ما توصلت إليه إحصاءات إعادة تجديد الأوراق النقدية الجديدة سنة 2008، التي كشفت عن وجود 320 مليار درهم نقدا يخبِّئُها المفسدون في خزائنهم الخاصة، لم يمتثل أصحابها لإلزامية قرار قانون المالية لسنة 2020، الذي يُلزم الإعلان عنها ووضعها في البنوك المغربية، مقابل أداء 05%، ناهيك عن أكثر من 720 مليار درهم عبارة عن شيكات ضمان تُتداول خِفْيةً بين الأشخاص بعيدا عن أعين إدارة الضرائب ستدفع الدولة في اتجاه نزع صبغة الجنحة عنها لوقف المعاملة المشبوهة بها.

هذا الفساد، الذي تمدّدت وتسرطنت أذرعه، لم يعدْ، اليوم، قضية فئة قليلة من المغاربة، بل هو قضيةُ ملك وشعب أعلنا عن محاربة المافيات وأصحاب الثروات المشبوهة حتى لا تغرق السفينة.

وإذا كان الملك والشعب على كلمة واحدة في محاربة الفساد والمفسدين، فلا يسعنا اليوم إلا أن نأمل أن تكون هذه الذكرى 69 لثورة الملك والشعب جسرًا لميلاد ثورة جديدة للملك والشعب، لتحرير البلاد من ناهبي المال العام وأباطرة الإثراء غير المشروع...