الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

"جابْ الرّبْحة".. نظام عسكري فاشل ورئيس مرهون بيد جنرال مجنون يهيّء للحرب

 
محمد نجيب كومينة
 
 
كنت قد كتبت من قبل، في الفضاء الأزرق، أن النظام الجزائري "جابْ الرّبْحة"، وأنه وعى أخيرا أنه فشل فشلا ذريعا في مسعاه لفصل الأقاليم الجنوبية عن مغربها، وفشل بالنتيجة في عزل المغرب عن عمقه الأفريقي، وفي الحيلولة دون تعزيز موقعه كحلقة وصل بين أوروبا وأفريقيا، وكممر أساسي وضروري، في حالات كثيرة، للولوج إلى الأسواق الأفريقية، وبالأخص منها حاليا تلك الواقعة في غرب ووسط القارة السمراء...
 
وجاء ذلك بعد أن عاش نظام "دوزيام حلّوف فرنسا" على وهم وراثة الأدوار التي كان الاستعمار الفرنسي يهيء لها "الجزائر الفرنسية"، بفرض الهيمنة على جزء واسع من القارة الأفريقية، بداية بمنطقة المغرب العربي، التي فصلها ذلك الاستعمار على مقاس مصالحه الاستعمارية واستراتيجيته وحساباته الجيوسياسية، واقتطع من كل بلدان جوار الجزائر أجزاء ضمّها لمستعمرته السابقة، وفرض حدودا تعزل المغرب على الخصوص.
 
خلال هذا المسار، جُنّ جنون نظام "دوزيام حلوف فرنسا"، منذ نجاح المسيرة الخضراء المظفرة في دفع إسبانيا، الغارقة في أزمة انتقال داخلي وقتئذ، إلى الرحيل عن أقاليمنا الجنوبية، التي بدأت استعمارها في القرن التاسع عشر، وأكملت سيطرتها عليها في ثلاثينيات القرن العشرين... لقد شعر نظام الحلوف أن الحاجز الإسباني بين المغرب وموريتانيا سقط، وان إرث "الجزائر الفرنسية" تعرض لهزة بحجم زلزال بدرجة 10 على سلم ريشتر الجيوسياسي، وأن منعطفا تاريخيا قد حدث ومن شأنه أن يعيد ترتيب الأمور في الشمال والغرب الأفريقي، بمراعاة أن الاستعمار لم يستطع، رغم كل التغيرات التي حدثت في المنطقة، أن يمحو التاريخ أو أن ينهي الروابط والعلاقات الإنسانية والثقافية والروحية التي ترسخت بين المغرب ومحيطه الجهوي، وهذا ما جعل النظام الجزائري يقفز، وقتئذ، على البوليساريو، مدعوما من طرف القذافي المصاب بالعمى الأخضر، ويحولها إلى أداة ليس فحسب لفصل الأقاليم الجنوبية المسترجعة عن مغربها، بل وأيضا وأساسا لتحويل الصحراء المغربية، كما قال بومدين، إلى "حصى" في حذاء المغرب تمنعه من السير بوتيرة تجعله يتقدم ويبني توازنات إقليمية لصالحه مستفيدا من الأقاليم، التي استرجعها، ومن انفتاح الطرق الرابطة بأفريقيا، وكان يعول على عائدات البترول بعد ارتفاع سعر برميل البترول من 3 دولارات إلى 17 دولارا بعد الصدمة البترولية الأولى سنة 1973، للتسلح وتسليح وتسخير المرتزقة، وفاتَه، وهو يحسب بغباء منقطع النظير، أن ينتبه إلى أن معركة استكمال وتعزيز الوحدة الترابية التي انطلقت بالمسيرة الخضراء التاريخية لا تكمن أهميتها الاستراتيجية والتاريخية في استرجاع جزء من الوطن كان يرزح تحت استعمار متخلف، كان بدوره يتهيأ لتمرير مشروع انفصالي ولضرب الاقتصاد المغربي في مقتل برفع صادرات فوسفاط بوكراع إلى سبعة أضعاف كما كشفت عن ذلك كابلات وكليكس، لا تكمن أهميتها في ذلك وحسب، بل وأيضا في كونها شكلت انطلاقة ميثاق وطني جديد يتجاوز المشاكل الداخلية، التي قامت في ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، ويوحد المغاربة حول هذه المعركة، ويفتح الباب لانتقال سياسي ينفتح على انتقال ديمقراطي.
 
ورغم أن المعركة كانت عسكريا وديبلوماسيا كبيرة وخطيرة، ورغم أن المغرب واجه مشاكل اقتصادية عويصة وحدثت هزات داخلية نتيجة لذلك في ثمانينيات القرن الماضي، فإن ذلك لم يؤد إلى أي اهتزاز لذلك الميثاق الوطني، كما لم يؤد، وهذا مهم جدا، إلى عسكرة البلاد، بينما اتجه النظام الجزائري بغباء لا مثيل له إلى تقوية طابعه العسكري وسخّر كل إمكانياته لمناهضة حقوق المغرب ومحاولة إضعافه، وهو ما تفاقم بعد الانقلاب على الشاذلي بنجديد وخلال العشرية السوداء، التي أظهرت بشكل كامل أن الانقسام في الجزائر أضخم من أن يتم حله بالعداء للمغرب أو غيره، فما يقوم على باطل فهو باطل.
 
وإذا كان الميثاق الوطني المغربي قد تقوى على مدى العقود الأخيرة، وبات المجتمع برمته يتملكه، خصوصا وأن المغرب اتبع النهج الواجب لتحقيق مكاسب سواء على مستوى القدرات لصد أي عدوان وهزمه، أو على المستوى الديبلوماسي والسياسي، أو على مستوى تنمية الأقاليم الجنوبية،،، فإن ما سُجل هو أن الجزائر لم تستطع الخروج من مخلفات انقلاب صيف 1962 ضد القيادات الوطنية الجزائرية الممثلة في الحكومة المؤقتة، الذي كان قد أدخلها في بداية حرب أهلية وانقسام مناطقي، وبالأخص من مخلفات العشرية السوداء، الذي قُتل خلالها من الجزائريين أكثر مما قتل الاستعمار خلال حرب التحرير، ولذلك، فهي تعيش حالة تيه حقيقية، وما يزيد من تيهها هو أن النظام الجزائري الفاشل فقدَ القدرة على الاحتفاظ على مرجعية وأوهام "الجزائر الفرنسية"، ووجد أن المغرب يتجه نحو خلق وضع إقليمي جديد بعد تحقيقه لمكاسب متعددة خلال العشرين سنة الأخيرة، ليس فقط على مستوى تغيير موازين القوى العسكرية والديبلوماسية والسياسية، بل وأيضا على مستوى الاقتصاد والتنمية، بحيث يعيش النظام الجزائري حالة رعب من فرض المغرب ريادته الإقليمية، ومن تدهور الوضع الإقليمي للجزائر، التي اشترت عشرات ملايير الدولارات من الأسلحة، التي لا تستطيع استعمالها في كل الأحوال، وغرقت في مستنقع بوليزاريو، الذي تتضخم كلفته، وبقيت بلا تنمية وبلا قدرة على توفير الحاجيات الأساسية والحيوية لساكنة غير كبيرة مقارنة بالمساحة والثروات المستغلة وغير المستغلة.
 
من الواضح، مما سبق، أن النظام الجزائري يوجد اليوم في مأزق داخلي ناتج عن فشل تنموي يستفز العقل السليم، وما يجعل الشعور العام بهذا المأزق هو المقارنة مع ما حققه المغرب بدون بترول أو غاز، رغم أنه ليس بالكثير بالنسبة لنا ولا يرضينا، ومع دول أخرى ذات موارد بترولية أو غازية، ومن المؤكد أن الدعاية الحمقاء لن تستطيع أن تزيل هذا الشعور، حتى وإن انطلت على بعض ذوي الوعي القاصر والحمقى الذين يساقون كما تساق الأنعام...
 
ويوجد النظام الجزائري، كذلك، في مأزق على المستوى القاري والعربي والدولي، ليس فقط لأن المغرب استطاع أن يبني تحالفات مؤثرة، ويوسع دائرة المساندين لحقوقه الوطنية ووحدة ترابه، بل وأيضا لأن سمعة هذا النظام ساءت وصار يُنظر إليه كمثال للفشل الاقتصادي والسياسي وللتسلط وضرب الحريات الأساسية، وصارت دائرة أصدقائه تتقلص بسبب اختياراته وتصرفاته، وبسبب تراجع دور الرشاوي وشراء الذمم...
 
ويوجد النظام الجزائري، أيضا، في مأزق عميق، له علاقة بما بني على باطل منذ الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة، لأنه يتبين أن الجزائر لم تستطع، لحد الآن، بناء دولة حقيقية وقوية بمؤسساتها، وما حدث أثناء فترة مرض بوتفليقة وقبله خلال العشرية السوداء يجد امتدادا له اليوم مع رئيس انتُخب بشكل سيء لتجاوز الفراغ، وبقي رهينة لجنرال مجنون لا يفلت فرصة ليؤكد للجميع أنه رئيس النظام العسكري الحاكم فعليا في الجزائر...
 
والواضح أن هذا النظام العسكري أكثر شعورا بالفشل، الذي تتردى فيه الجزائر، وأكثر إحساسا بمخاطر هذا الفشل، الذي يشمل الفشل المطلق أمام مغرب يتقدم على طريق حسم الاعتراف الدولي بوحدة ترابه الوطني، وإنهاء وهم الانفصال، لذلك، لا عجب أن نسمع تبّون ينطق بما قيل له أو بما يرضي الجنرال المجنون عندما قال إن النظام الجزائري مستعد لأداء أي ثمن لمناهضة حقوق المغرب، مع استدراك دال جدا، حين قال إن سكان مخيمات حمادة تندوف لن يكونوا جزائريين أبدا، وسواء كان ذلك القول مقصودا أو فلتة لسان من فلتات رجل "يهترف" كثيرا، فانه يشير إلى إحساس بأن النظام الجزائري يشعر اليوم أنه "ربح" سكان هذه المخيمات من الصحراويين وغير الصحراويين، وأن هذه "الربحة" تنطوي على أخطار كبيرة، ومن المثير أن كلام تبون هذا جاء في وقت تمت فيه إعادة تعيين إبراهيم غالي على رأس دولة هذه المخيمات الواقعة في تراب تابع حاليا للدولة الجزائرية. إنه كلام خائف رغم استظهار العجرفة والإيحاء بالحرب، التي راج أن رئيس المخابرات الجزائرية بدا يهيء لها في اجتماع خصص للمغرب...