زهير دادي: نبيلة منيب.. الموقع البرلماني والتعبير لأول مرة عن الخط السياسي الحزبي
الكاتب :
"الغد 24"
زهير دادي
بعد نقطة النظام التاريخية، التي أنقذت الحزب الاشتراكي الموحد من النكوص والزيغ والقرصنة باسم هلامية الاندماج الفوقي المغشوش، خاضت الرفيقة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، الانتخابات التشريعية برمز الشمعة، وهي الانتخابات التي خولت مقعدا يتيما للحزب، لكنه مقعد نوعي في خارطة التلوينات الحزبية المهرولة لخدمة النظام السياسي.
في أول تصريح حكومي، بعد تشكيل الحكومة من قبل الأحزاب الليبرالية المخزنية، بتاريخ 13 أكتوبر 2021، حضرت نبيلة منيب لتلقي بدورها كلمة باسم الحزب الاشتراكي الموحد ذي المرجعية اليسارية والمناضل لتأسيس القطائع المؤدية إلى إقامة نظام الملكية البرلمانية. لقد أدلت الرفيقة بتصريحها حول البرنامج الحكومي بلغة دبلوماسية، لكنها بعيدة عن لغة الخشب، بلغة هادئة لكنها غير مهادنة.
بعد التحية، ورد في مداخلة الرفيقة نبيلة منيب "إننا في الحزب الاشتراكي الموحد"، ما يعني أن كل ما ستقوله برلمانية الشمعة يعبر صراحة عن الخط السياسي للحزب، وعن أولوياته في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بعيدا عن الزعامة الوهمية والميولات الشخصانية...
وبإجراء مقارنة بسيطة مع التجربة السابقة، يتضح الفارق الجلي والجوهري بين الالتزام النضالي المسؤول والتعبير الصريح عن أفكار الحزب وعن شعار مؤتمره الرابع، وبين "الطموح" الشخصي و"الوضوح" في الانتهازية و"الشجاعة" في الخروج عن النسق التنظيمي...
وفي هذا الصدد، من المفيد التذكير بالسياق الخاص بالانتخابات والحاجة إلى تقييمها. لقد عرفت الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة استعمالا مفرطا للمال وللأعيان، وهو ما أفرز أغلبية شبه مطلقة مكونة من حزبين إداريين خرجا من رحم السلطة، وحزب ثالث وطني أخذ يتمترس مع اليمين المخزني بعيدا عن الحضن التاريخي الذي أوجده. وهي الأحزاب التي اعتمدت كثيرا على التقنوقراط وبعض المنتخبين المتابعين بملفات فساد أمام المحاكم المختلفة. أمام هذا الوضع المتسم بالفساد المالي والإداري "أين التعددية الحقيقية وفصل السلط واحترام الإرادة الشعبية وضرورة ترجمتها إلى سيادة شعبية؟"، وهذه من الأسئلة الجوهرية في مداخلة الرفيقة نبيلة منيب. لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار الطعون والفيديوهات وحديث الناس وكل التقارير، التي تشير إلى فساد العملية الانتخابية، فكيف يمكن لها، إذن، الاستجابة لانتظارات المغاربة، وتحقيق المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي، الذي يعتبره الحزب الاشتراكي الموحد المدخل الأساسي "لبناء الدولة الديمقراطية ولبناء مجتمع المواطنة والمعرفة والمساواة والعدالة الاجتماعية والمناطقية"؟.
لقد راهن الحزب الاشتراكي الموحد على الحراكات الشعبية التي خلقت "أشكالا من الصراع الطبقي"، وذلك تماشيا مع شعار مؤتمره الرابع: "دعم النضالات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، حيث ساند الحزب ودعّم الحراك الشعبي بالريف وجرادة وكافة الأشكال الاحتجاجية التي أبدعتها الجماهير ضد الفساد والاستبداد. وفي المقابل نجد أن التحالف الحكومي قد تورط في التوقيع على البيان، الذي ندد بحراك الريف، بل، وشكك في وطنية المتظاهرين وولائهم للوطن. أمام هذا التناقض البيِّن بين مواقف الحزب الاشتراكي الموحد والتحالف الحكومي، يتجلى الخط الثالث الذي سنه الحزب لنفسه بين اليمين الديني المتمثل في الحكومة السابقة، واليمين المخزني المتمثل في الحكومة الحالية. إننا، ومن أجل الحد من الحراكات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية، نحتاج إلى إحداث "القطائع مع الخيارات التي أوصلتنا إلى الأوضاع المتأزمة والمركبة التي نعيشها"... إن الأزمة البنيوية التي يعيشها المغرب على مستويات عدة هي نتيجة مباشرة لتفشي الفساد والاستبداد، لكنها مرتبطة بشكل جدلي بالمتغيرات الدولية والإقليمية، التي تتجلى في "أزمة النظام النيوليبرالي وسؤال موارد الطاقة والصراعات الجيوستراتيجية"...
وإذا كانت الأزمة الاقتصادية مستفحلة في المغرب، فإنها لن تكون بمعزل عن باقي الأزمات؛ السياسية والاجتماعية والبيئية والثقافية. إن الأزمة البنيوية التي يعيشها المغرب، هي أزمة فساد ممأسسة، لأنها ليست حالات معزولة، بل هي واقع معيش ينخر أغلب المؤسسات...
إن المداخل الأساسية التي يقترحها الحزب الاشتراكي الموحد من أجل تجاوز هذه الأزمة تكمن في السيادة الوطنية، وذلك بفك الارتباط بالدوائر الرأسمالية، والاعتماد على الرأسمال الوطني. ولن يتأتى هذا إلا عن طريق السيادة الشعبية المتمثلة في دستور ديمقراطي يخول السلطة للشعب عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. إن سؤال الحرية والكرامة لن يتأتيا إلا عبر "إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي بالريف والصحافيين والمدونين وإيقاف الضغط على المثقفين"...
لقد آمن الحزب الاشتراكي الموحد بالقضية الفلسطينية وما يزال، إذ اعتبرها من القضايا العادلة في العالم. على هذا الأساس، فإن المؤتمرات الحزبية لا تخلو من الشعارات المتماهية مع القضية، بل إن أدبيات الحزب بدورها تعكس هذا الالتزام السياسي والأخلاقي، وكذا العلاقات التاريخية التي تربط الحزب بالفصائل الفلسطينية. جاء في أرضية الأفق الجديد المنبثقة عن المؤتمر الرابع: "إن وجوب التصدي للإرهاب لا ينبغي أن ينسينا ضرورة التمييز بين الإرهاب المرفوض والمدان، والمقاومة المشروعة؛ وفي هذا السياق نجدد موقفنا الثابت القاضي بمساندتنا للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرر من الاستعمار وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، والإفراج عن الأسرى، مع انخراطنا في مناهضة جميع أشكال التطبيع كوسيلة من وسائل الضغط (…)".
إن "المعركة في مواجهة الكيان الصهيوني هي جزء من مهامنا كيسار انتصر دوما للقضايا العادلة، وقاد معظم المعارك في مواجهة الاستعمار والتوسع الإمبريالي عبر مناطق العالم المختلفة؛ ذلك أن مواجهتنا للاستعمار الصهيوني هو مواجهة لآخر القلاع الاستعمارية في العالم". إن هذا الموقف الحزبي هو ما عبرت عنه الرفيقة نبيلة منيب في مداخلتها في البرلمان، حيث تحدثت عن "سؤال التضامن مع القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وتحرير الأسرى. مع رفض التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني القائمة على الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري والدوس على حقوق الشعب الفلسطيني". إن هذا التعبير السياسي الصريح الذي عبرت عنه الرفيقة في أول حضور برلماني لها يذكرنا بالتجربة السابقة التي لم يستطع فيها الحزب التعبير عن موقفه بالبرلمان في أوج التطبيع المخزني مع الكيان الصهيوني وذلك لتخاذل البرلمانيَيْنِ وعدم قدرتهما على طرح السؤال الموؤود في عهدهما، بالرغم من البيان الذي أصدره المكتب السياسي آنذاك عن إدانة التطبيع.
لقد أبانت الجائحة في السنتين الأخيرتين عن الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الدولة بدءا من ثمانينيات القرن الماضي، حيث إن اللجوء إلى خوصصة القطاعات الحيوية والمؤسسات الكبرى، جعلها ضعيفة في مواجهة الجائحة. لم يستطع القطاع العام في مجال الصحة استيعاب الوضع والسيطرة عليه، في حين أبان القطاع الخاص عن جشعه المتوحش الذي يسِم الرأسمال الخاص. لقد أحيت الجائحة المطلب الأساسي الذي رفعه اليسار دوما وما يزال: التأميم.
إن الدولة المغربية التي تواجهها الكثير من الإشكاليات البنيوية؛ غياب الديمقراطية، الفساد والاستبداد، ضعف الخدمات الصحية التي كشفت عنها الجائحة وغيرها، فإنها لا تواجه مشاكلها بضرورة إحداث القطائع، بل بالهروب إلى الأمام... والنموذج التنموي الجديد، هو مثال صريح على هذا الهروب الماكر، لكنه هروب في ظل الاستمرارية والارتكان إلى الاختيارات اللاشعبية نفسها، حيث لم يقطع نهائيا مع الاختيارات الكبرى للدولة، والتي جعلت المغرب لا يبرح مكانه في مؤشر التنمية. وتلك المحاولات الضعيفة للإقلاع الاقتصادي، فإنها لم تنعكس إيجابًا على مجموع المغاربة، بل فقط على النخبة الاقتصادية المسيطرة.
يمكن تلخيص المدخل الأساسي من أجل تجاوز الأزمة بما ورد في المداخلة، حيث أكدت منيب على ضرورة "الإصلاحات السياسية والدستورية لبناء نظام الملكية البرلمانية والعدالة والمحاسبة وإرجاع دور الدولة الاستراتيجي في القطاعات الحيوية". إن المشاكل البنيوية التي يعيشها المغرب تبدو معروفة لدى الجميع ومنذ أمد طويل، كما أن الحلول كذلك، تبدو معروفة، مع تفاوتات بين الفرقاء السياسيين، ينقصنا المدخل السياسي، وهو ما يعتبره الحزب الاشتراكي الموحد اللبنة الأساسية في الإصلاح الشمولي الذي ينشده.