السكتاوي: في ذكرى التأسيس القانوني لـ"أمنيستي" بالمغرب.. عبد الرحمن اليوسفي المناضل المؤسس
الكاتب :
"الغد 24"
محمد السكتاوي
في 14 مارس 1998، جرى تشكيل حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ليفتح المغرب طريقا جديدا في إدارة الحكم، وليبدأ مَدُّ جسر العبور إلى عهد جديد وملك جديد في أفق القطيعة مع الماضي وبناء مجتمع ديمقراطي حداثي تسوده قيم حقوق الإنسان.
هكذا كان الحلم الذي طال انتظاره.. وهكذا كانت الرجة والفرح والأمل.
بعد شهرين، وتحديدا في الفاتح من يونيو 1998، قامت مجموعة من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بمباركة وترتيب سياسي وإداري من الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، بتدشين مقر لمنظمة العفو الدولية في شقة صغيرة تحمل رقم 11 بشارع سويسرا في حي المحيط بالرباط، كان الحضور كبيرا: وفدٌ رفيع المستوى من الأمانة الدولية للمنظمة بلندن برئاسة أمينها العام الأسبق بيير ساني، قيادات سياسية ونقابية ومسؤولو الحركة الحقوقية والمجتمع المدني، وحضور مكثف لسفراء عدد كبير من الدول، بالإضافة إلى مندوبي الصحافة ووسائل الإعلام الوطنية والدولية...
لحظة تدشين مقر أمنيستي في الرباط في فاتح يونيو 1998
ونظرا لصغر المقر، الذي لم يكن ليتسع لكل الضيوف، أقيمت خيمة للاستقبال وتنظيم مراسيم الترحيب والاحتفال بالشارع، وبشكل مفاجئ، وعلى غير انتظار، وصلت قوات الأمن لتعلن منع الحفل وتوقيفه، وأمام ذهول الجميع وبصورة فظة وعنيفة تم إسقاط الخيمة على رؤوس المدعوين/ات، بمن فيهم السفراء وشخصيات وطنية من مختلف ألوان الطيف السياسي والمدني المغربي.
تشبت الجميع بالبقاء وقوفا في الشارع تحت شمس يونيو الحارة لمتابعة حفل تدشين مقر أمنيستي، كان ثمة إحساس لدى الجميع بأن شمساً جديدة تسطع في سماء المغرب وأن الأمر يستدعي الصمود والتحدي لاستكمال بناء جسر العبور إلى الحُلم الذي تضرَّج بالدم القاني والنقي للتضحيات الكبيرة في سنوات الرصاص.
توترت الأجواء وبدت في عيون الحاضرين سحب مواجهة عنيفة قادمة.
في هذه اللحظة، وقد أصبح كل شيء قابلًا للانهيار، وأن حكومة التناوب تُدْفع بمَكْر ٍنحو جدار الإعدام. رَنَّ هاتف المقر، كان على الخط الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، تحدث بنبرة غاضبة وصارمة متسائلا عما يحدث، أخبرناه أننا توصلنا بأمر شفوي صادر عن وزير الداخلية إدريس البصري يقضي بتوقيف حفل افتتاح مقر أمنيستي لعدم تمتع هذه المنظمة بوجود قانوني... صمت السي عبد الرحمن قليلا، ثم جاء صوته حاسما: واصلوا حفلكم ودشنوا المقر. لكن قوات الأمن استمرت في إصرارها على تفريق المدعوين بدون لباقة.
ورن الهاتف ثانية وثالثة، وفي كل مرة يكون على الخط بشكل مباشر عبد الرحمن اليوسفي يسألنا عن المستجدات ويطمئننا.
لم يمض وقت طويل حتى حضر فريق جديد من رجال السلطة بشاحنة تحمل خيمةً وزرابي وأُصُص زهور وورود، وشرعوا على عجل يعدون الفضاء المناسب لإقامة حفل التدشين، وأُخْبِرنا أن منظمة العفو الدولية أصبح لها وجود قانوني في المغرب منذ هذا اليوم.
لم نعرف ماذا جرى في الكواليس، وكيف انتقل الموقف من الحدِّ إلى الحد، ومن الاحتقان إلى الانفراج، ولكن، وحسب ما تسرب إلى الصحافة من معلومات، عرفنا أن وزير الداخلية إدريس البصري اتخذ قرار منع أمنيستي من فتح مقرها بالرباط ضدا على اليوسفي في محاولة لضرب صورته ونسف مشروعه وتأزيم الوضع وإسقاط الشرعية النضالية عن حكومته، ثم توارى عن الأنظار واختفى تماما وظل هاتفه لا يرد رغم اتصالات اليوسفي المتكررة به طوال تلك اللحظات الحرجة، التي كادت أن تنفجر فيها الأوضاع على حافة المحيط.
وقد اضطر اليوسفي، في الأخير، إلى الاتصال بالملك الراحل الحسن الثاني، وإحاطته بالموضوع واختفاء إدريس البصري، فأصدر الملك أمره بتشكيل خلية أزمة ودعم اليوسفي في مواجهته لوزير داخليته الذي تلقى أول ضربة قاسية حدَّتْ من سطوته وتصرفه كصدر أعظم لا حدود لسلطته.
هكذا كان المخاض العسير، الذي تأسست فيه أمنيستي قانونيا في المغرب، في ذلك اليوم القائظ، 01 يونيو 1998، ولعل تلك كانت أولى المعارك الضارية، التي خاضها عبد الرحمن اليوسفي، في بداية حكومته، بتصميم مناضل وحصافة سياسي وثبات رجل مبدأ وأخلاق وحنكة قائد.
لم يضع خصوم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان أسلحتهم، بل تواصلت مؤامراتهم ودسائسهم تباعا، لكن اليوسفي ظل السنديانة التي لا تنثني...