السواد الأعظم من الشعب المغربي لم يتقبل أن يخرج عليه رئيس الحكومة، وكبير تجار المحروقات، عزيز أخنوش، من "جُحره"، مستغلًا غياب ولي العهد الأمير مولاي الحسن الملتزم بالحداد الوطني على وفاة رئيس دولة الإمارات، ليحضر مقابلة نهائي كأس العرش للموسم 2020/2019، بين الجيش الملكي والمغرب التطواني بملعب أدرار بمدينة أكادير، التي يُدير مجلسها الجماعي من مدينة الرباط.
العجب العجاب هو أن عزيز أخنوش ما كان بمستطاعه حتى الاقتراب من ملعب يلعب فيه فريق الرجاء البيضاوي أو الوداد الرياضي، اللذان وجّه جمهورهما انتقادات شديدة ومباشِرة للسياسات الحكومية، التي أوصلت المغرب إلى الحضيض، وذلك من خلال الأغنيتين الشهيرتين "في بلادي ظلموني" لجمهور الخُضْر، و"قلب حزين" لجمهور الحُمْر.
إذا كان البروتوكول هو الذي جعل أخنوش يخرج من جُحره لحضور هذه المحطة الرياضية الوطنية، فإن هذا السواد الأعظم تساءل جهرة كيف لأخنوش أن يحضر مناسبة ترفيهية وهو الذي غاب ومازال غائبا عن المعاناة اليومية، التي يعيشها الشعب المغربي.
وإذا كانت المسألة تتعلّق فقط بتسليم الكأس للفريق الفائز، والكل يعلم أن رئيس الحكومة أصبح مستفزا للغاية، فقد كان أرحم للمغاربة أن يقوم بذلك، بالنيابة عن ولي العهد، وزير "السيادة" المنتدب فوزي لقجع، على الأقل فالرجل يجر وراءه تاريخ كبير بحضوره القوي في كل المناسبات الكروية، حتى أن المغرب بات نافذاً في المنتديات الإقليمية (UAFA) والقارية (CAF) والدولية (FIFA)، ورمزا لكرة القدم، التي تكسّرت على صخرتها مختلف المناورات والمؤامرات، التي لا تكفّ عنها الجارة الجزائر.
وإضافة إلى ذلك، فإن الرأي العام المغربي سيكتشف الوجه الآخر لفوزي لقجع، منذ تعيينه وزيرا منتدبًا لدى وزيرة الاقتصاد والمالية "السيدة ليلى"، وبغض النظر عن كونه المهندس الفعلي لمختلف الميزانيات وقوانين المالية، لعدة حكومات خلت، فالكل يتساءل لماذا هو اليوم الوزير الذي يناقش المسؤولين السياسيين ويطفئ الحرائق مع المسؤولين النقابيين، فضلا عن الحلول الناجعة، التي يسعف بها الموظفين السامين في مختلف الوزارات والإدارات العمومية، في الوقت الذي تلتقط معهم "السيدة ليلى" الصور التذكارية!؟
وفيما كان ومازال فوزي لقجع دائم الحضور، ظل رئيسه في الحكومة عزيز أخنوش، مختفيًا في "جُحره" طوال كل هذه الشهور، التي كانت فيها "مسروقاته"، عفوًا "محروقاته" تنهب جيوب المغاربة، ليس فقط بسبب الزيادات الصاروخية في أثمان البنزين والغازوال، وإنما، أيضا، تأثيراتها الفادحة على الخدمات الاجتماعية، وفي مقدمتها قطاع النقل، وعلى المواد الاستهلاكية الأساسية، حيث اشتعلت النار في أسعار الطماطم والبصل والفلافل وغيرها، وصولا إلى اللحوم البيضاء والحمراء، فضلا عن الأسماك، مما دعا المغاربة إلى الخروج في حركات احتجاجية، تشمل مختلف مناطق البلاد، كما تشمل مختلف الفئات، بمن فيهم الفلاحون الصغار والمتوسطون، الذين أنهكهم غلاء الأعلاف وزادهم الجفاف طحنا مما أدى إلى موت العديد من رؤوس قطعانهم من الجوع والعطش...
لكل هذه العوامل وغيرها كثير، بدا لافتا أن الأغلبية الساحقة من المغاربة، وليس فقط الجمهور الذي حضر المباراة، استفزهم حضور رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش لملعب أكادير ليسلّم كأس العرش، وهو في حالة انتشاء، حتى أن جلّهم عبّر عن سخطه بالصفير، احتجاجا على حضور عبثي لرئيس الحكومة، الذي تابع المباراة "بلا حيا بلا حشمة"، في الوقت الذي غيّب فيه السي أخنوش عمدًا أي تواصل واضح وصريح لحكومته في ما يخص أزمة ارتفاع أثمان المحروقات، في إشارة إلى تحقير الرأي العام من جهة، ومن جهة ثانية الإصرار على فرض الأمر الواقع، وتثبيت الزيادات، وتبريرها بإكراهات السوق الدولية، وكأن هذه الإكراهات لا تسري إلا على المفقّرين والمستضعفين، وهم وحدهم من يؤدون ثمن الأزمة!
رئيس الحكومة عزيز أخنوش استقوى ويستقوي بصلاحيات السلطة التنفيذية، التي باتت تَستعمل أغلبيتَها العددية لفرض هيمنتها على مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في اتجاه تحقيق مزيد الاغتناء "على ظهور المغاربة"، الذين صارت حتى طبقتهم المتوسطة تنهار وتتقلّص لتوسّع رقعة الفقراء؟! وهذا بشهادة أحدث التقارير الوطنية والدولية، التي صنّفت المغرب في الرتبة 122 من أصل 187 دولة في مستوى دخل الفرد من الناتج الإجمالي، وفي الرتبة 121 من أصل 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية، وفي الرتبة 136 في مجال المساواة والمناصفة وحقوق النساء، دون الحديث عن مؤشر السعادة الذي يصدر سنويا بإشراف الأمم المتحدة، والذي جاء تصنيف المغرب في الرتبة 100، في مارس المنصرم، ليكشف أن المغاربة بؤساء وتعساء، والكارثة أن "المرّوك" أتعس من الليبيين (الرتبة 86) ومن الجزائريين (الرتبة 96)!
لقد رفض السي أخنوش، كما سجّل ذلك آخر تقرير لمرصد العمل الحكومي، رفضا باتّا أي إجراءات حمائية للمستهلك المغربي، وخاصة تلك المتعلقة بالمنظومة الضريبية للمحروقات، علما أن 40 في المائة من سعر المحروقات مشكّل من الضريبة على الاستهلاك الداخلي والضريبة على القيمة المضافة، كما منع السي أخنوش حكومته من مناقشة أزمة المحروقات داخل البرلمان، وأبعدها عن أي سعيٍ لإشراك مختلف الفرقاء السياسيين في إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز الأزمة، مثلما أبعدها عن التدخل لتنظيم المنافسة وتحديد هوامش الربح لدى الموزعين، فضلا عن تساهل الحكومة في ما يخص شروط التخزين المنصوص عليها قانونيا...
ليس في هذه الخلاصة أي تجنّي على الحقيقة، ولا على واقع تدبير أخنوش للشأن العام، إذ إن كبير تجار المحروقات هذا شغّل ويشغّل "مخّه" لصالح تجارته وأعماله للاستفادة من زواج ماله بسلطته ونفوذه لدرجة أن ضاعف ثروته حسب مجلة ” فوربس” التي قالت أن ثروة عزيز أخنوش "رئيس الحكومة المغربية" في 2022 بلغت ثروته 2 مليار دولار، أي ما يعادل 2229 مليار و425 مليون سنتيم بعدما زادت بالمقارنة مع العامين الماضيين في عزِّ اشتداد جائحة كورونا.
نفس هذا "المخ" الذي استطاع به عزيز أخنوش الضحك على دقون الشعب وجنى به الملايير بصفته "بزناس مان" يقوم بتعطيله ولا يُشغُله بصفته رئيس الحكومة ليجد حلول لمشاكل المغاربة وحماية القدرة الشرائية لأوسع الفئات الشعبية، من قبيل الحد من هوامش الربح لموزعي المحروقات، الذين ظلوا يستفيدون، منذ تحرير قطاع المحروقات سنة 2015، من أرباح خيالية تُجمع كل التقارير الموضوعية على أنها تحوّلت إلى مداخيل ريعية لأقلية أضحى عزيز أخنوش يتربّع على رأسها، أقلية سبق أن عبّر عنها الملك محمد السادس، في أحد خطاباته، عندما وصفها بأنها "الحفنة التي اغتنت غنى فاحشًا في الوقت الذي ازداد فيه باقي المغاربة فقرًا مدقعًا"!
أخنوش، الذي يرمي الشعب المغربي، اليوم، في أتون الفقر والقهر والفاقة والحگرة، هو ملزم بإرجاع 4500 مليار سنتيم للمغاربة نهبها هو وباقي تجار المحروقات من جيوب المغاربة لغاية اليوم.
فمن المستفيد من توقف مصفاة "سامير" عن الاشتغال منذ 2015، وهي التي كانت تتوفر على طاقة تخزينية تصل إلى 2 مليون متر مكعب، أي ما يمثل حوالي 60 يوما من الاحتياطي..
إن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي ظل الملك محمد السادس ينادي به، هو الذي سيُخرج عزيز أخنوش من "جحره" لقفص المحاسبة وليس لملاعب الكرة.
وبالمناسبة، فـ"الجُحر" صفة تُطلق على بيت الفأر والأفعى في نفس الآن، يا للمصادفة، ألا يكون صاحبنا هذا يجوز فيه الوجهان؟!
لكن، مهما كان، لابدّ أن نذكّر السي عزيز أخنوش أن الملك والشعب يُمهلان ولا يُهملان.. قد يكون هذا التذكير عزاءً للمظلومين، لكنه، بالتأكيد، إنذارٌ للظالمين...