مصطفى سلمة: توضيح لمن لم يفهم بعد مغزى "مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس"
الكاتب :
"الغد 24"
مصطفى سلمة ولد سيدي مولود
من يتصور أن الجزائر ما زالت تشكل ندا للمغرب، إن لم يلطف الله بشعبها ويخلصهم من حاكميهم الذين تحجر تفكيرهم منذ نصف قرن. وتعود للسباق من نقطة الصفر. ويعلم الله وقتها هل ستلحق بركب المغرب أم تغلبها مطبات طريق السباق الطويل. فنظامها يعيش خارج الزمان ولا يرى الصورة الكاملة.
المغرب استفاد من نزاع الصحراء وما زال يستفيد. وأكثر من أفاده هي الجزائر نفسها.
كلا الغريمين التقليديين في المنطقة (الجزائر والمغرب) يسوّق أن مشكلته مع الآخر. ولكل أهدافه وطريقة تسويقه.
فالجزائر التي لا هدف استراتيجيا لها غير إضعاف المغرب لتقنع نفسها بكونها القوة الإقليمية المهيمنة، تجمّد حد طموحها عند أرنبة أنفها، فلا تريد غير منازعة المغرب على الزعامة. بينما ظل المغرب يجاريها ليبقي سقف تطلعاتها عند ذاك الحد. وعينه على المستقبل البعيد، الذي سيصبح فيه ندا لجيرته الشمالية، التي لا تريد لمن كانت تحكمهم بالأمس أن يصبحوا أندادا لها اليوم.
لم يخجل المغرب، الواثق من نفسه، من لعب دور الضحية أمام الجزائر كي لا تيأس من إمكانية التغلب عليه. وتظل تجهر بالعداوة التي تُكسبه مزيدا من المشروعية داخليا وخارجيا في السعي نحو تقوية منظومته الردعية وتنويع شراكاته السياسية والاقتصادية.
ولأن المغرب لا يتوفر على الموارد المالية الكافية، فقد انفتح على العالم مستفيدا من موقعه الاستراتيجي الرابط بين عدة قارات في تنويع علاقاته الاقتصادية حتى مع خصومه وأعدائه بمن فيهم الجزائر نفسها معتمدا شراكات رابح رابح.
وكانت تجربة أنبوب الغاز الجزائري المار عبر المغرب نحو أوروبا أكبر صورة لهذه السياسة، التي لم يخسر فيها المغرب أكثر من الحبر الذي وقّع به على ورق اتفاقية عبور الأنبوب. حبر ربح منه الغاز، وملكية شطر الأنبوب الذي يمر عبر أراضيه، وتخفيض منسوب التوتر إلى حين.
نفس السياسة ما زال المغرب مستمرا فيها للوصول إلى الهدف الأكبر وهو استعادة دوره المحوري الذي كان عليه قبل الحقبة الاستعمارية.
وما زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي اليوم للمغرب، والحديث المتزامن معها عن قرب المغرب من حجز بطاقة عضويته ضمن نادي الصناعات العسكرية الحديثة، إلا نقطة من بحر المغرب العميق، الذي لم تظهر سواحله بعد.
ولمن يريد أن يعرف مغرب الغد عليه أن يرى صورة تركيا اليوم. وعند حلول ذاك الغد سيشكر المغرب الجزائر كثيرا على جهودها الجبارة وصبرها على لعب دور أرنب السباق المرهق بلا فائدة. فلولا فضل الله والعون الجزائري لما وصل إلى ما هو عليه اليوم.
أما من ما زال ينظر لقضية الصحراء بعيون ما قبل 13 نوفمبر 2020، تاريخ عملية المغرب في الكركارات، ويربط كل تحركات المغرب بما تفرضه عليه ضرورات النزاع عليها، فعليه أن يراجع أخصائي عيون. فنزاع الصحراء انقلب سحره على ساحره، منذ فجر 13 نوفمبر 2020، وأصبح الضارة النافعة للمغرب. بقاؤه خاملا كما كان من قبل يفيده، وتنشيطه لن يضره إلا بالقدر الذي سيضر خصومه...