إصرار السلطات العمومية على مراقبة "جواز التلقيح" للمواطنين، في الشارع العام وفي المؤسسات العمومية، و"نقل" بعض اختصاصات المكلفين بإنفاذ القانون للخواص داخل المؤسسات الخاصة.
منع برلمانيين من ولوج قبة البرلمان بدعوى وجود قصاصة خبرية تفرض إشهار جواز التلقيح.
وأخيرا، مقترح قانون مقدم من قبل الفريق البرلماني للتقدم والاشتراكية، يهدف إلى حصر أنشطة الحكومة في المراسيم وليس في البلاغات والمناشير.
كل هذه الموضوعات تفرض إشكالات دستورية.
أولا: مجال قانون الطوارئ الصحية
قانون الطوارئ الصحية، وليس مرسوم قانون كما تتناوله الصحافة، هو قانون صادر بمقتضى الفصل 81 من الدستور، فبعد تصويت البرلمان عليه انتقل من مرسوم قانون إلى قانون.
في هذا الإطار، فالبرلمان والحكومة مارسا اختصاصاتهما الدستورية.
ولكن، إصدار منشور أو قصاصة خبرية من قبل الحكومة استنادا إلى قانون طوارئ، تدخل في مجال الحريات العامة، هو مخالف للدستور.
لكون مجال الحريات العامة منصوص عليه بمقتضى الفصل 71 من الدستور، ولا يمكن للحكومة، تحت أي مبرر قانوني أو تنظيمي، أن تخالف الدستور.
البرلمان، شرعن حالة الطوارئ بمقتضى قانون، ولكنه لم يمنح الإذن للحكومة للتشريع في مجال القانون بمقتضى الفصل 70 من الدستور، الذي ينص صراحة على إمكانية الحكومة أن تشرّع بمراسيم في مجال القانون، وذلك بشرط مادي وهو تحديد المدة، وشرط موضوعي وهو الغاية.
فمقترح القانون، الذي تقدّم به الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، يخالف الدستور، لكونه يفوّض ويأذن للحكومة بالتنظيم والتشريع في مجال القانون، بناء على قانون عادي، وليس قانون إذن.
أما بخصوص بلاغات الحكومة والقصاصات الخبرية المجهولة، فهي لا تخالف الدستور، وإنما تذبحه.
ثانيا: حدود اختصاصات الحكومة والبرلمان
الدستور صريح في ما يتعلق بإمكانية أن تعترض الحكومة على البرلمان، إذا قام هذا الأخير بالتشريع في المجال التنظيمي، وذلك وفق الفصل 79 من الدستور، إذ يمكن لرئيس الحكومة أو أحد رئيسي مجلسي البرلمان أن يطلب من المحكمة الدستورية البتّ في "مدى تعدي البرلمان على اختصاصات الحكومة". ولكن، إذا تعدّت الحكومة على اختصاصات البرلمان، ما العمل؟
قرارات الحكومة هي قرارات إدارية، وبالتالي إذا تعدت الحكومة على مجال القانون، أي البرلمان، فلا يحق للمحكمة الدستورية التدخل، ويكون هنا الاختصاص حصريًّا للقضاء الإداري.
الولوج للقضاء الإداري، فيه مدخلان: أولهما، وجود قرار إداري يتم الطعن فيه في إطار القضاء الاستعجالي، وهو لا ينطبق مع حالة فرض جواز التلقيح، لكونه مجرد قصاصة خبرية منشورة في لاماب، وثانيا، أن يتعرض مواطن للمنع من التمتع بحقوق عمليا، ويوثّق الحادثة عبر مفوض قضائي أو شهود أو أي وسيلة إثبات أخرى، وحينها يتدخل القضاء الإداري لقول كلمته الحسم في النازلة، ويكيّفها هل تعدت الحكومة على اختصاصات البرلمان أم لا؟
وهنا تأتي واقعة البرلمانيين الذين منعوا من دخول البرلمان.
ختاما:
قد لا نثق في القضاء الجنائي المغربي، خاصة في قضايا الصحافة وحرية التعبير، ولكن القضاء الإداري المغربي برهن في محطات كثيرة عن مدى تقدمه وتطوره...