الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد المرادي يكتب عن انتخابات 8 شتنبر والإسلام السياسي واليسار: حين يقول المغاربة كلمتهم

 
حميد أحمد المرادي
 
 
1- الربيع الأمريكي
 
"الانتفاضات" التي اندلعت في سنة 2011، بكل المنطقة المسماة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تركت لدى شعوب إحساسًا بإمكانية سيادة الديمقراطية جنوب البحر الأبيض المتوسط، لكن الحقيقة أن هذا الإحساس هو خاطئ ولم يكن إلا سرابا، لأنه، في نهاية الأمر، أوصل إلى السلطة، وعن طريق الانتخابات، قوى رجعية، تمتح من معين فكر وسياسة وفهم رجعي، متزمت وفاشستي.
 
هذه القوى الرجعبة وصلت إلى السلطة بداية من مصر.
 
لا يمكن أن نتجاهل أن لكل بلد من هذه البلدان تاريخها الخاص جدا، ومساراتها التاريخية، ومستوى تطورها وتنميتها، كما لها خصوصياتها الإثنية، والدينية، كما لشعوبها تاريخها في مواجهة الاستبداد والاستعمار.
 
كان الشعار الموحد لهذه "الانتفاضات"، "الربيع العربي"، والذي يتناقض سيميائيا وواقعيا، مع مجريات الأمور على أرض الواقع، فالمصريون ليسوا فقط عربًا، بل هم قبل ذلك ورثة حضارة الفراعنة، والتونسيون يجدون أنفسهم ورثة للقرطاجنيين، أما المغاربة، فإن حضارتهم هي عصارة تمازج تاريخ مصبوغ بتأثيرات أمازيغية وعربية وأندلسية وأفريقية وعِبرية، يهودية كما إسلامية.
 
لقد كان "ربيعا أمريكيا"، نظمته الولايات المتحدة الأمريكية، بالفعل، بعيدا، وفي سرية تامة، وهو ما أكدته تقارير ومذكرات لمسؤولين غربيين وأمريكيين.
 
ولقد آل هذا "الربيع العربي"، كما علمنا واقعيا، إلى النهاية، وسنكتفي بثلاث حالات:
 
- إسقاط سلطة "الإخوان المسلمين" في مصر من طرف الشعب المصري بدعم من مؤسسة الجيش المصري.
 
- شل مفاصل الدولة التونسية، التي كادت أن تتحول إلى دولة فاشلة، تحت سيطرة "الإخوان المسلمين" التونسيين، الذين لم يستسيغوا قرب انفلات السلطة من بين أيديهم، وذلك باستعمال كل الأساليب الخبيثة والفجة.
 
- شل وتعطيل تنمية المغرب، الذي خَطَا، منذ بداية الألفية الثالثة، خطواتٍ عملاقةً على طريق التطور والنمو والتقدم، بعد اعتلاء الملك محمد السادس للحكم، هذا التطور الذي بدأت ملامحه تظهر للعيان ابتداء من العقد الثاني من القرن 21، وانطلاق مشاريع مهيكلة، جعلت منه بلدا يتموقع، قاريا ودوليا، بخطى حثيثة تثير قلق قوى إقليمية ودولية...
 
كل هذا المجهود، صاحَبه صعود ممثلي جماعة "الإخوان المسلمين"، بالصيغة المغربية، ومارسوا السلطة الحكومية، بشكل ديمقراطي، ضمن تحالف ضم ليبراليين وحتى ديمقراطيين اجتماعيين مغاربة...
 
كان ذلك هو "الربيع العربي" بالصيغة المغربية، لقد دام الأمر عشر سنوات، تبعا لولايتين برلمانيتين 2011 و2016.
 
2- الإسلام السياسي رأس حربة للأصولية
 
تأسست جماعة "الإخوان المسلمين"، كمنظمة من طرف الأجهزة البريطانية سنة 1928، وذلك من أجل شل حركة الوطنيين المصريين والعرب عموما، وخاصة الاتجاهات التقدمية داخلها.
 
هذه المهمة لم تفتأ تشكل مهمتها الأساسية ومبرر وجودها، تبعا لتطور الأوضاع الدولية، وخاصة على ساحة ما يسمى بـ"العالم العربي".
 
في المغرب، وبالضبط بعد منتصف الستينيات من القرن العشرين، بدأ في التوافد على البلاد مجموعة من العناصر "الإخوانية" السورية والمصرية بالخصوص، هربا من الأنظمة السائدة في بلدانهم، والتي كانت لا تنظر إليهم بعين الرضى، وقد كانت على حق.
 
في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، انضم مجموعة من تنظيم "الإخوان المسلمين" في المغرب، إلى "حزب عبد الكريم الخطيب"، وبدأوا في اقتحام المجال السياسي والاجتماعي، ليشاركوا في الانتخابات بعد ذلك، تحت رعاية المقبور إدريس البصري، وعلى إثر "الربيع العربي"، استطاعوا تحقيق نتائج غير مسبوقة على مستوى البرلمان وعموديات المدن الكبرى.
 
لقد مارسوا السياسة على طريقتهم الخاصة، لكن، في كل الأحوال، حاولوا، وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، التمكين لتنظيمهم داخل دواليب الدولة ومؤسساتها، وكلما تم الحد من زحفهم على مفاصل الدولة وأجهزتها، كان شعار "التحكم" و"العفاريت والتماسيح"، يُرفَع في وجه الجميع دولة ومجتمعا، وكان الهدف هو ضمان زبائنهم المفترضين بوسائل الدولة وباستغلال المال العام.
 
هذا السلوك "الإخواني"، الذي يناقض الممارسة السيادية للدولة، صاحبته فضائح من العيار الثقيل متعلقة بالرشوة والفضائح الأخلاقية، تناقض شعاراتهم الأخلاقية والطهرانية، التي يدعونها نهارا جهارا، ويناقضونها في ممارساتهم اليومية وفي علاقاتهم بالشعب.
 
3- الاختيار المغربي الخاص
 
تاريخيا، المغاربة معروفون بخصوصيتهم، حقيقية أو متوهمة، لكنها تتلخص في أن "المغاربة يقومون بالأشياء بشكل مختلف"...
 
الانتخابات الأخيرة (8 شتنبر 2021)، انتهت بنتائج لم يتوقعها أحد، كان مطلعا أو متتبعا، أو مدعي علم، ولا "أحد" كان ينتظر تلك النتائج.
 
فوز الليبراليين المغاربة، وحزب وطني يمتح من السلفية الوطنية، على الأقل على مستوى ادعائه، وديمقراطيين اجتماعيين مغاربة، و"شيوعيين سابقين"، وسقوط مدوٍّ لحزب "الإخوان المسلمين"، الذي انتقل من 125 مقعدا في مجلس النواب، إلى 12 مقعدا، لم يتحصّل عليها إلا بفضل قانون صوّت ضده في البرلمان السابق.
 
4- قراءة وخلاصات ما بعد الاستيهامات
 
- قوس الإسلام السياسي في الحكم تم إغلاقه، يبقى الجواب على سؤال كم ستستغرق مدة هذا الإغلاق، رهينا بالقدرة على الاستجابة للمطالب الدنيا لأغلب السكان، في أفق تحسين شروط عيش الشعب الحقيقي.
 
- المغاربة، بتصويتهم ضد الإسلام السياسي، أثبتوا، بما لا يدع مجالا للشك، أنهم يريدون تحديث المجتمع المغربي.
 
- الأحزاب السياسية، التي نظّمت صفوفها، خلال السنوات الأخيرة، والتي أطلقت برامج أقرب إلى طموحات الشعب في حياة يومية كريمة، والتي استطاعت تحديد مطالب هذه الشرائح، وبلورت أجوبة على هذه المطالب، هي التي استطاعت الحصول على الأصوات، من خلال المزج بين المصلحة والقدرة على تحقيقها.
 
- الأحزاب التي اعتمدت على الإيديولوجيا والمرجعية التاريخية، كانت هي الخاسر الأكبر، وهذا يصدق على الإسلام السياسي وعلى اليسار.
 
- وباء كوفيد-19، جعل المغاربة يقتنعون، أكثر فأكثر، بأهمية الدولة، وتحديدا أهمية الدولة الاجتماعية، وبالتالي، أصبحوا أكثر استجابة لتوجيهات الدولة.
 
- اليسار، في حالة انقراض، على الأقل، في صيغه القديمة، وهذا الانقراض ما هو إلا نتاج لسيادة الانعزالية السياسية، وعبادة الشخصية، وتسييدها داخل التنظيم، وغياب الاجتهاد في الفكر والسياسة والتنظيم، حيث تحولت هذه الأحزاب إلى هياكل متصلبة ومتجاوزة من الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي...