الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بعد معاناة مع كوڤيد-19.. رحيل المناضل محمد الجندالي.. أَحْنى رأسُه مبتسماً للأبدية وغادرنا

 
محمد السكتاوي
 
 
خبر مفجع..
كيف نودع محمد الجندالي رجل كانت هويته اللصيقة به مناضلاً قبض بيده على جمْر القيم الإنسانية ومبادئ الحرية والديمقراطية وهو طفل يافع ولم يفتحها يوما.
قد تختلف معه..
وقد تراه دوغمائيا ممانعا..
لكنك لا يمكنك إلا أن تعترف له بأنه لم يسقط أمام غواية السياسة السياسوية، ولم تستقطبه المصالح، بل ظل كما كان ثابتا في مواقفه، يتغير الزمن ويتغير الرفاق وتتبدل الطرق، ويحول البعض القيم النبيلة عملة للصرف في سوق النخاسة، وميادين النضال بورصة للمضاربة من أجل المكاسب الذاتية، والجندالي هو نفسه ذلك الشاب الذي ينبض فيه الأمل ويشع بالحيوية والعنفوان وتكبر أحلامه ولا يكبر ولا ينقلب على عقبه.
كنا ندعوه لبعض المرونة والتكيف مع المتغيرات السياسية، وكان يدعونا إلى الحفاظ على روح القيم وتكييف السياسة معها وليس العكس، فإذا انطفأت روحها، يصير العمل السياسي مجرد ترويج للشعارات المزيفة على حساب مصلحة الوطن والإنسان.
هكذا كان الجندالي..
يجادل بحماس وقبضته مشدودة لا يبسطها إلا حين يعانقك وهو يودعك قائلا:
الخلاف لا يفسد للود قضية..
يدفع الجرائد إلى حاشية الطاولة،
ويرتشف قهوته،
ثم يُشعل سيجارة ويضيف وهو يراقب تموجات الدخان وتبدده:
قضيتنا أن يكون الوطن مزدهرا ديمقراطيا يتسع للجميع ولكل ألوان الطيف في الرأي والعقيدة والموقف والبعد أو القرب من السلطة
ولا يقصي أحدا.
ربما خذله الزمن أو الرفاق وعاش مقصيا لأنه طريقٌ آخر، لم يقبل أن يكون تابعا فاقدا الروح..
الآن تحرر من كل الجاذبيات،
ولم يخضع كما المسيح للحظة الاختبار والغواية الأخيرة.
ابحثوا عنه بعيدا
وقد أحنى رأسه مبتسما للأبدية
ستجدونه قد تأبط صحف اختياراته المبدئية، صحف الأولين الشهداء وصحف أطفال الحرية القادمين،
وقبضته مازالت مشدودة.
تلك وصيته..