قادة أحزاب سياسية لدى تقديم تقرير النموذج التنموي أمام الملك
من المسؤول عن هذا المآل؟ الأحزاب المغربية لم تعد مشتلا للأطر والبرامج والمقترحات
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
لاحظ الأصدقاء ربما أنني "وقّرت" الأحزاب السياسية دائما، وذلك من منطلق قناعتي أن التعددية الحزبية شكلت مكتسبا مغربيا بعد نهاية الحماية، وحافظت لنا على هوامش لم تتوفر في البلدان التي هيمن فيها الحزب الوحيد أو النظام العسكري، لكنني أشعر اليوم، مع الأسف، أن هذه التعددية أصبحت خاضعة لموظفين في الغالب موكول لهم أمر وضعها في الثلاجة.
وعلى عكس ما قد يذهب إليه عدميٌّ، أو مُسخرٌ، جاهزٌ لسبّ الأحزاب السياسية في عز قوتها واستقلاليتها أو في لحظة ضعفها وتدهورها وفقدانها للوعي والروح، فإنني إذ أرى أن الدولة قد تحمّلت، بواسطة أجهزتها المسكونة بعداء خفي للتعددية واستقلالية المنظمات المدنية عامة ولحرية الرأي والتعبير، مسؤولية كبيرة فيما آلت إليه أحزابنا السياسية، فإنني لا أقف عند ويل للمصلين، لأنني أعرف أن التبرجز، الذي تنامى وسط القيادات السياسية منذ السبعينيات وتعاظم في العقود الأخيرة، والانتهازية المقيتة والوصولية، التي تحول البعض إلى عبد لمن يمنح ويغطي ويتغاضى، والتسابق على المنافع، حتى لما يحاول البعض ادعاء العكس استغباءً لغيره، والأنانيات المفرطة التي تفسر في الأغلب الأعم الانشقاقات وإنشاء الدكاكين الفارغة، كلها أسباب تقاطعت مع ما قامت به الدولة.
لست ضد التوافق على رؤية مستقبلية، لأن الدول المسؤولة والهادفة إلى الإمساك بالمستقبل وعدم تركه يفلت منها ويهرب عنها تعتمد ما يسمى بـprospective stratégique لوضع أهداف مشتركة ورؤية تستقطب مختلف الفاعلين وتعبئهم وتمنحهم مرجعية ومنظورية، بل إنني لست ضد التوافق حتى لإيجاد حلول لبعض المشاكل في المدى القصير من أجل إزالة عوائق تعرقل السير، لكن ما أسمعه على لسان الأحزاب المغربية بشأن تقرير لجنة بنموسى، وأتعمّد هنا استعمال الاسم دون أي رغبة في الإساءة للشخص، وإنما لدلالة ذلك، فإنني أشعر بالقرف!
أين مشاركة هذه الأحزاب في النقاش العمومي وفي تنوير المواطنين؟ وأين ما يميزها عن بعضها البعض؟ وأين ما يبرر استعدادها للتناوب وتقديم برامج مختلفة واختيارات متمايزة؟
قد لا يعاب على عدد من الأحزاب الخارجة من رحم الإدارة ترديد ما حفظته عن ظهر قلب منذ وضعها في المشهد، لكن الأحزاب الأخرى التي كانت ذات زمن خزانا للأطر وللأفكار والمقترحات وللقيادات يثير وضعُها في النفْس ألمًا، ولا أظن أن الدولة نفسها، وكيفما كانت حسابات المؤثرين في دواليبها، يرضيها أن تصل إلى ما وصلت إليه، لأنها تعرف أن الطبيعة لا تقبل الفراغ...
المرور بسرعة إلى تحويل التقرير إلى ميثاق لا معنى له، لأن السرعة ستحوّله إلى مجرد أوراق بلا فائدة، ويمكن للميثاق أن يتحول إلى قيد شبيه بقيد البرنامج، الذي رافق خط السيولة والوقاية منذ 2012، وبرنامج التقويم الهيكلي في ثمانينيات القرن الماضي، هذا مع العلم أن التقرير لا يخرج في النهاية عن توجهات المنظمات المالية الدولية في المدة الأخيرة...