الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رؤية المفكر ونبوءة الشهيد.. تسعة وعشرون عاما على استشهاد فرج فودة

 
 
فاطمة حوحو
 
 
"يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني"، تلك هي آخر كلمات الكاتب والسياسي والمفكر المجتهد والمثقف اللامع فرج فودة، الذي مرت على عملية استشهاده، في 8 يونيو 1992، تسعة وعشرون عاما، بعد أن جرى تكفيره من قبل "الجماعة الإسلامية"، ودعوة إلى هدر دمه من قبل مفتيها، على خلفية مواقفه التي أعلنها في مناظرة علنية جرت قبل أسبوع من عملية الاغتيال، خلال معرض الكتاب في القاهرة ذلك العام، وكتاباته التي طالبت بفصل الدين عن السياسة والدولة، مما فتح أعين المتشددين الإسلاميين عليه، خصوصا أنه كان ناجحا في إبراز حججه وتبيان أفكاره اعتمادا على عمق ثقافته الإسلامية وسعة معارفه.
 
هو التطرف ذاته
والذي يتطلع إلى وضعنا اليوم يجد أن التطرف الذي أودى بالكثير من المفكرين في العالم العربي، ليس وليد اليوم في مجتمعاتنا، فــ"داعش" الحالية، ابنة ذلك الفكر الديني المتشدد الذي انتشر في العالم العربي، وتصاعد نجم حامليه في الأوساط الشعبية، بعد الهزائم التي أصابت العالم العربي على كل المستويات، في الصراع مع إسرائيل والفشل في بناء الديموقراطية والأنظمة العادلة قانونيا واجتماعيا، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، والأصح إقامة الدول المدنية لا الدول الدينية، تسمح لقوى سلاحها الترهيب والتكفير ووسيلتها الإرهاب والاغتيال والقتل، بالنمو كالفطر، وتغض الطرف عن استهداف المفكرين والكتاب والمبدعين والمثقفين العرب لنشر الجهل والأمية والأفكار المظلمة والخرافة في المجتمع، فتخلو لها الساحة، وتشكل بديلا للفكر التنويري الذي يدعو إلى العلمنة كشرط للعبور للتقدم الاجتماعي، قبل أن يتحول الهدف إلى المجتمع بأكمله ويقع أسير من يريد إقامة دولة خلافة أو دولة إسلامية في مجتمعات عربية متنوعة المشارب الدينية.
إذا عدنا قليلا إلى الوراء نجد أن مثقفين كُثُرًا في العالم العربي نالت منهم يد الإجرام والظلامية وجرى تكفيرهم، قبل أن تنال منهم الأيدي الغادرة، بمسدسات "كاتم الصوت"، إما لفكرة طرحت في ندوة، أو لكتاب صدر، أو رسم كاريكاتور، أو موقف سياسي، أو انتقاد حاكم، أوحتى مقاوم لإسرائيل. فأسماء كبيرة اغتيلت أو جرت محاولة اغتيالها بفتاوى بعد اتهامها بالردة، ومنهم من اغتيل بسبب تنظيره لأمل بالتغيير أو لاجتهاده الفكري والسياسي، ومن نجا من الاغتيال المباشر، كان نصيبه تهجيره من وطنه وتشريده، وتعريض أفراد عائلته للخطر، والأسماء كثيرة، من المفكر حسين مروة ومهدي عامل وسمير قصير ونجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد وسيد القمني إلى ناجي العلي وناهض حتر.
ومن الأمثلة على ظاهرة التكفير ما نشره الداعية سعيد بن ناصر الغامدي، منذ عدة سنوات، في كتاب خطير بعنوان "الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها"، تضمن دعوة صريحة للاغتيال ورفع عصمة الدم، عن المبدعين العرب، حيث وضع لائحة طويلة بالأسماء المكفرة، من بينهم الكاتب المغربي محمد شكري، والشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب، والشاعرة الرائدة نازك الملائكة، والشيخ رفاعة الطهطاوي، والإمامين محمد عبده والأفغاني، والأديبين اللبنانيين جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، والشاعر معروف الرصافي، وطه حسين، وقاسم أمين، وشبلي شميل، ونجيب محفوظ وأدونيس وحسن حنفي وجابر عصفور ونزارقباني ومحمود درويش وأمل دنقل ومحمد الفيتوري.
 
مغاربة اغتالهم التطرف الأعمى
عمليات القتل أو محاولات الاغتيال، لم يسلم منها المثقفون المغاربة، ففي يوم الخميس 18 ديسمبر من سنة 1975 تم اغتيال القائد اليساري ومدير جريدة "المحرر" عمر بنجلون (القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) في الشارع أمام بيت بزنقة كامي دي مولان بالدار البيضاء (شارع المسيرة اليوم) من قبل منفذين، وُصفوا بأنهم متطرفون إسلاميون ينتمون إلى تنظيم "الشبيبة الاسلامية" بقيادة عبد الكريم المطيع. وقبل ذلك بأسابيع نجا مدرس فلسفة بثانوية مولاي عبد الله من اغتيال طالب متطرف إسلامي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحيم المنياوي (عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية آنذاك) وكانت الطعنة التي تلقاها المنياوي على مستوى الصدر بخنجر لامس حدود قلبه فنجا.
كما عرف الحرم الجامعي في أكثر من مدينة جامعية في المغرب صراعات حادة ومواجهات قتالية بين طلاب يساريين وخصومهم من الإسلاميين، وكثير من هؤلاء الأخيرين من خارج الجامعات. وأشهر حادثة في هذا المجال، قضية اغتيال الطالب اليساري آيت الجيد بنعيسى بفاس، الذي تفرق دمه بين "قبائل" الإسلاميين، ولا تزال التهمة ملتصقة بأحد قادة حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين.
 
جريمة علنية هزت المجتمع:
وتعتبرعملية اغتيال المثقف المصري فرج فودة، من العلامات الأبرز في التحولات التي شهدها المجتمع المصري نحو "الأسلمة" وهيمنة الفكر الإخواني، فالجريمة علنية، هزت المجتمع المصري، نفذها عضوان في تنظيم "الجماعة الإسلامية"، بعيد صدور بيان لما سمي "جبهة علماء الأزهر" جرى فيه تكفير فودة ودعوة صريحة بوجوب قتله، لأن كتاباته ومؤلفاته ومناظراته تضمنت نقدا لاذعا للفكر الإسلامي المتطرف.
وفي تفاصيلها المثيرة أن فودة، عندما كان خارجا من مكتبه الكائن في مصر الجديدة، برفقة ابنه، عند الساعة السادسة والنصف من مساء ذلك اليوم، اعترضه كل من أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، وكانا يستقلان دراجة نارية، وأطلقا عليه رصاصهما الذي اخترق كبده وأمعاءه، بينما أصيب ابنه إصابات طفيفة. وعلى الفور طارد سائق فودة، الجناة بالسيارة، وتمكن من اللحاق بالمتهم رمضان الذي سقط من الدراجة على الأرض، ليرتطم بالرصيف ويصاب بإغماءة، مكّنت السائق والمارة من ضبطه والإمساك به وتسليمه للشرطة، فيما كان فودة قد وصل إلى المستشفى مصارعا الموت الذي تغلب عليه.
وكان فودة شارك في ندوة شهيرة في مصر، في الأول من يونيو 1992 دعت إليها الهيئة العامة للكتّاب برئاسة سمير سرحان، خلال معرض الكتاب، تحت عنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، والمستشار محمد مأمون الهضيبي، المتحدث باسم "جماعة الإخوان المسلمين" حينها، والمفكر الإسلامي محمد عمارة، والدكتور محمد أحمد خلف الله (عضو حزب التجمع الوطني الوحدوي). وانتظر الجميع المناظرة النارية التي سبقتها حملات إعلامية محمومة من جانب المتطرفين، التي حاولت تهيئة الرأي العام لعدم تقبل أفكار فودة واتهامه بالكفر والردة. ونتيجة ذلك التجييش حضر المناظرة التي أقيمت في استاد القاهرة ما لا يقل عن 30 ألف شخص، أغلبهم من أنصار "الإخوان". وسط هتافات مدوية واعتراضات وصيحات وهتافات ضد فودة الذي لم يكن قد بدأ الحديث بعد.
 
تكفير ودعوة إلى القتل
قبل الندوة بأيام، أصدرت "جبهة علماء الأزهر" بيانا ناريا ضد فودة، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه الجديد الذي أطلق عليه اسم "المستقبل"، واتهمته بالكفر وأوجبت قتله ونشرت صحف موالية ذلك البيان وتلقفته أيادي أنصار "الجماعة الإسلامية" وأعدوه كمنشور وزع خلال الندوة على الحضور.
بدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالي ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتبعه المستشار الهضيبي المتحدث باسم "الإخوان"، الذي ركز على أهمية أن يكون الجدال والنقاش بين "الدولة الإسلامية" و"الدولة اللاإسلامية"، مؤكدا أن "الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط"، وخلال تلك الكلمات كانت الصيحات تتعالى لتخيف المعترضين على أحاديث الغزالي والهضيبي. وكان فودة آخر المتحدثين، فرد بهدوء وثقة رغم الحرب النفسية داحضا، بالإشارة إلى دولة الخلافة وما بعد الخلافة الراشدة، مُستشهدًا بكلمات للإمام الغزالي نفسه تؤكد ذلك.
ووفقا لما ذكرته صحف مصرية، فقد قال فودة إن الشيخ الغزالي ذكر أن "الإسلاميين منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إلى الحكم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك"، كما أشار إلى ما قدمته بعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤيد للدولة الدينية، وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء، كما استشهد بتجارب لدول دينية مجاورة، على رأسها إيران، قائلًا: "إذا كانت هذه هي البدايات، فبئس الخواتيم"، ثم قال للجميع: "الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم، لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها"، مضيفا: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاداً وفقهاً، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم".
 
رأي ثمنه حياة
وختم فودة كلمته في الندوة بالقول: "القرآن بدأ بـكلمة اقرأ، وسنظل نتحاور لنوقف نزيف الدم ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم أنه ليس خلافاً بين أنصار الإسلام وأعدائه، هو خلاف رؤى، وهذه الرؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى أنتمي إليه لم ير أبداً أن الإسلام دين العنف، الإسلام هو دين القول بالتي هي أحسن، ولأجل هذا نحن ندين الإرهاب، لأنه قول وفعل بالتي هي أسوأ، التاريخ نقل إلينا حوار أبي حنيفة مع ملحد، كان الحوار بالحروف لا بالكلاشينكوف. أدعو الله للجميع أن يهتدوا بهدي الإسلام وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله ليضعوا الإسلام في مكانه العزيز بعيداً عن الاختلاف والفُرقة والإرهاب، وعن الدم والمطامح والمطامع".
انتهت المناظرة وعلا التصفيق لفودة، وفق ما أوردته الصحف نفسها، فيما توقفت صيحات الإسلاميين، ولم يكن فودة يدرك أن ثمن ما قاله سيكون حياته.
لاحقا، في التحقيقات التي جرت مع المتهمين اعترف القاتل رمضان، أن أبو العلا عبد ربه هو من زوده بالسلاح والأدوات المستخدمة، وحدد له طريقة التنفيذ والموعد، واختار الموعد قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، نكاية في أهل فودة، ولكي يطفئ فرحتهم بالعيد. وعندما سأله المحقق بناء على أي نص قتلت الرجل، أجاب إنه قتله بناء على فتوى للدكتور عمر عبد الرحمن مفتي "الجماعة الإسلامية" بقتل المرتد، فسأله المحقق ولكنك قلت في التحقيقات إنك أمي لا تقرأ وتعمل ببيع السمك، فكيف قرأت الفتوى فرد قائلا: "لم أقرأ ولكنهم قالوا لي".
في شهر مارس 2017، قُتل أبو العلا عبد ربه في سوريا، حيث أشارت تقارير إلى أنه كان يقاتل في صفوف التنظيمات الإسلامية المسلحة، وأنه تنقل بين تنظيم "النصرة" و"أحرار الشام"، إلا أن تقارير أخرى أشارت إلى أنه كان عضوا في "داعش". وصدر حكم بالمؤبد ضده، بتهمة المشاركة في مقتل فودة، حيث اعترف أنه أمد وزود منفذي الجريمة بالأدوات والسلاح المستخدم في عملية الاغتيال، لكنه خرج من السجن بموجب عفو رئاسي صادر من الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قبل أن يعلن استقالته من "الجماعة الإسلامية"، ويهرب إلى سوريا.
 
سيرة مفكر وشهيد
ولد فرج فودة في قرية الزرقا بالقرب من مدينة دمياط في 20 غشت 1945، حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد الزراعي في يونيو 1967. وفي الشهر نفسه، استشهد شقيقه الملازم محيي الدين فودة في حرب 5 يونيو 1967، ولم يتم العثور على جثمانه. وشارك فرج فودة في مظاهرات الطلبة الغاضبة عام 1968، واعتقل لعدة أيام في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وقد أثرت الهزيمة في فودة بشدة، حيث وصف تلك اللحظة بالقول: "خيل لي أن مصر، قد ماتت وانتهت". وقد اعتبرها في كتاباته أحد الأسباب الرئيسية لنمو التيارات الدينية في مصر والعالم العربي، وأرجع الهزيمة إلى الجهل بلغة الحضارة الحديثة.
وبالرغم من منهجه الفكري المناقض لسياسات الرئيس عبد الناصر، ورفضه لممارسات التعذيب التي اتسم بها عصره، إلا أنه رفض أن يعزى عنف الجماعات الإسلامية المسلحة إلى التعذيب والقمع اللذين نالاها خلال ذلك العصر. فهو يشدد على أن عنف هذه الجماعات الموجه إلى المدنيين المصريين قد نشأ على يد التنظيم السري لــ"جماعة الإخوان المسلمين" في الأربعينيات قبل عصر عبد الناصر، ودون سابق تعذيب أو قمع، مما جعله يؤمن بأن استخدام العنف نابع من فكر هذه الجماعات في الأساس.
كان فودة يخطط للعمل في التدريس الجامعي، غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة، ونمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال الرئيس محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى العمل السياسي العام.
حمّل فودة السادات المسؤولية عن نمو التيارات الدينية، إذ يشير إلى أن الجماعات الإسلامية في الجامعات قد تكونت على يد مباحث أمن الدولة، لمواجهة الناصريين واليساريين وبتوجيه من السادات.
تقبل فودة تضمن دستور 1971 ضمن نصوصه، لأول مرة، أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، بدعوى أن أغلب القوانين المدنية مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية. لكنه عارض السادات عند تعديل المادة السابقة بالنص على أن الشريعة الإسلامية هي "المصدر" الرئيسي للتشريع، بإضافة حرفي الألف واللام، وطرحها ضمن استفتاء عام قبل وفاته في عام 1981، ضمن مجموعة من البنود التي على الناخب أن يجيب عليها جملة واحدة بالإيجاب أو النفي. ومنها وقد اعتبر فرج فودة إضافة هذه المادة تمهيداً لقيام الدولة الدينية، المقوضة بالضرورة للدولة المدنية.
شارك فودة في تأسيس حزب الوفد الجديد، خاض معركه داخله لمنع تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في عام 1984، والذي قاده داخل الحزب الشيخ صلاح أبو إسماعيل (1927-1990)، وقد دفعه الأمر إلى الاستقالة من الحزب في 26 يناير 1984.
حاول تأسيس حزب سياسي أسماه "المستقبل"، غير أن لجنة شؤون الأحزاب في مجلس الشورى رفضته مرتين، فخاض انتخابات برلمان 1987 مستقلا عن دائرة شبرا، وخسر، وتعرض إبان المعارك الانتخابية إلى حملة استهدفت شخصه وعقيدته، من مثل ادعاء الشيخ صلاح أبو إسماعيل أن فرج فودة قد دعا في كتابه "قبل السقوط" إلى إباحة الزنا طالبا منه أن يأتي له بزوجته وأهله، فإذا فعل فلا كرامة له، وإذا لم يفعل فهو أناني. وهو ما لم يرد عليه فرج فودة. وهاجمته إحدى الصحف القومية بأن برنامجه السياسي يتلخص في "حماية الزناة والسكارى"...
شبه فودة خسارته في الانتخابات لدفاعه عن العلمانية، بخسارة أحمد لطفي السيد (1872-1963)، في العشرينيات بسبب دفاعه عن الديمقراطية، مما عد مخالفا للإسلام آنذاك، معتبرا أن "العلمانية ستصبح مقبولة في العالم الإسلامي في المستقبل كما أصبحت الديمقراطية مقبولة".
 
مؤلفات ومواقف فرج فودة
"قبل السقوط" (1984)، و"الحقيقة الغائبة" (1984)، و"الملعوب" (1985)، و"الطائفية إلى أين؟" (1985) بالاشتراك مع يونان لبيب رزق (1933-2008) وخليل عبد الكريم (1930-2007)، و"حوار حول العلمانية" (1987)، "النذير" (1989)، وهو عبارة عن دراسة لنمو التيار الإسلامي ما بين عامي 1982ــ1987، خلص فيها إلى الاستنتاج بأن التيار الإسلامي "قد نجح بالفعل في تكوين دولة موازية، لها اقتصادها المتمثل في بيوت توظيف الأموال، وجيشها المتمثل في الجماعات الإسلامية المسلحة، وكيانها السياسي المتمثل في مكتب إرشاد الإخوان المسلمين، رغم حظر الجماعة قانونيا. وألمح إلى وجود تشابه بين التيار السياسي الديني في مصر والنازية في ألمانيا من حيث "نظرات الاستعلاء والعنصرية واستخدام العنف والعودة إلى الجذور".
كتابه "الإرهاب" الصادر عام (1988) رأى فيه أنه بالرغم من نجاح ردود الأفعال الأمنية العنيفة، من قبل الدولة في عهدي إبراهيم عبد الهادي وجمال عبد الناصر، في تحجيم عنف الجماعات الإسلامية المتمثلة آنذاك في "ألإخوان المسلمين"، إلا أن مثل هذه النجاحات كانت محدودة ولم تستطع اجتثاث المشكلة من أساسها، ومن ثم فإن حل إرهاب الجماعات الإسلامية يكمن في ثلاثة سبل، هي اتساع ساحة الديمقراطية حتى للتيارات الإسلامية، وأن يسود القانون، وأن يكون للإعلام خط ثابت مدافع عن أسس الدولة المدنية. وهي رؤية قد تبدو صالحة اليوم...
اعتبر فرج فودة أن نمو الإسلام السياسي في مصر هو "جزء من اتجاه عام في جميع البلاد الإسلامية الآن يمكن أن يطلق عليه اسم الثورة الإسلامية"، وأن "هذا الاتجاه العام، بنجاحه في إيران، قد أحدث انقلابا جوهريا في أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية والعمل في ظلها، كما أنه أحيا الآمال في نفوس أنصار هذه الاتجاهات في جميع البلدان الإسلامية".
واهتم فرج فودة بدراسة نمو الإسلام السياسي في دول المغرب العربي، والتي تمثل "كتلة الهم الإرهابي المتستر بشعارات الدين الإسلامي... والهم الأول لهذه الدول هو مواجهة هذا الخطر بعد تصاعده في الجزائر والسودان". وصب اهتمامه بصورة خاصة على تونس التي زارها أكثر من مرة، ودرس حركة حزب النهضة فيها، ولاحظ ازدواجية خطابه السياسي، "فما يقوله الزعماء شيء، وما يقوله الشباب المنتمي للحركة شيء آخر"، حيث توجه قيادتاه راشد الغنوشي (1941-) وعبد الفتاح مورو (1948-) خطابا "للمثقفين، والليبراليين، والذي يتبنى معك أي شيء، ويوافقك على كل شيء، وينثني معك أينما انثنيت،" بينما يتبنى الشباب خطابا ثوريا. وهو ما يجعل حزب النهضة "خليطا من أنصار (لا بأس) وأنصار البأس الشديد".
واعتبر فودة وصول جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى مقاعد الحكم في الجزائر "مؤشرا خطيرا يهدد حدود مصر الغربية، خاصة إذا أضفنا إليه ما يحيط بالنظام الليبي من تهديدات جدية من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. ومعنى هذا أن حدود مصر الغربية ملتصقة بنظام مهدَّد يليه مباشرة نظام مهدَّد".
ويرى فودة أن دائرة حصار قوى الردة الحضارية تكاد تطبق على مصر جنوبا وغربا". ومن ثم فإنه "لا مفر أمام السياسة المصرية لأخذ زمام المبادرة في الصراع الجديد، من إغلاق ملف حرب الخليج، وفتح صفحة جديدة، ومن مساندة المعارضة السودانية، ومن توثيق الروابط السياسية والثقافية مع تونس والمغرب".
يعتقد فرج فودة أن عدم وجود برنامج سياسي محدد للإسلام السياسي المعاصر المقيد باجتهادات السلف، مرجعه غياب مثل هذا البرنامج لدى السلف أصلا. وهو ما عكف على إيضاحه في كتابه "الحقيقة الغائبة" (1984) والذي وضعه للرد على أسئلة محددة هي:
- أن الإسلام على مفترق طرق، وطريق منها أن نخوض في حمامات الدم نتيجة للجهل وضيق الأفق ولانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقي العصر والإسلام، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير، والقياس الشجاع، والأفق المتنور.