الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بعد إسدال الستار.. مسرحيةُ زعيمٍ تمزّق بين بن بطوش وغالي ووجد نفسه مجرما متهماً بأفعال إجرامية

 
محمد نجيب كومينة
 
 
عاد المجرم إبراهيم غالي إلى محتضنيه في الجزائر ليستكمل هناك فترة العلاج أو النقاهة أو للقاء مصيره بعد أن "باخت" اللعبة، التي استعملوه فيها وصار بالنسبة لهم فألا سيئا، لكن الأهم أنه سيعيش من الآن فصاعدا في دراما من النوع الشكسبيري.
 
فقد استفاق، بعد مثوله أمام القضاء الإسباني، على حقيقة أنه لا رئيس دولة ولا هم يحزنون، وأن من يسخّرونه كذبوا عليه طوال الوقت وأوهموه أنه غير ما هو في الواقع، ممثّل أضاع هويته في لحظة صفر واستحال عليه بعدها أن يتعرف على نفسه أو أن يميز بين الدور الذي يشخّصه وبين الشخص الذي كانه خارج الركح.
 
واكتشف، أيضا، وفي الآن نفسه، أن لعبة الأضواء والمؤثرات التقنية والفنية الأخرى، بما فيها الضجيج الذي كان يستمتع بالاستماع إليه لإقناع نفسه أن له قيمةً واعتباراً، لا تغيّر من حقيقة أنه مجرد مجرم ارتكب أفعالا إجرامية تستمر في الالتصاق به ومطاردته كلعنة لا يواريها الزمن. ذلك أنه وجد نفسه يمثل أمام القاضي كمتهم بجرائم شتى، حتى ولو أن المثول كان افتراضيا، ويجيب على أسئلته كأي مجرم متهم بارتكاب أفعال إجرامية تندرج في نطاق الجنايات الكبرى التي تختص بها المحكمة التي عُرض عليها، ووجد نفسه مطالباً بإعطاء عنوان ورقم هاتف لاستدعائه للمثول أمام القضاء بشأن التهم الموجهة إليه، مع احتمال أنه عاش لحظات خوف رهيبة من أن يقرر القاضي إيداعه رهن الاعتقال الاحتياطي أو تحت الحراسة في المستشفى، ما لم يكن عرّابوه قد أخبروه بما قاموا به في الكواليس. ولاشك أنه بات شاعرا أن سمعته وسمعة العصابة، التي يرأسها، تلطخت في أقاصي الدنيا وأدانيها، وباتت ممارساته الإجرامية معروفة، بحيث ستبتعد أي امرأة يمر بجانبها من الآن فصاعدا، وستشير الأصابع في كل مكان إلى أياديه المتسخة بدماء ضحايا القتل والتعذيب...
 
أتصور أنه سيعيش، من الآن فصاعدا، ممزقا، كما لم يعش من قبله غيره، بين شخصية بن بطوش وشخصية إبراهيم غالي، وسيتساءل أمام المرآة: أنا من أنا؟ وربما تذكر، إن كان قد قرأ القصيدة أو استمع إلى الأغنية، بقية البيت: وما سري وما موضعي؟ وأتصور كذلك أنه سيحتار أي اسم سيختار، كي يرضي عرابيه الذين استعملوه كقربان لبلوغ هدفهم الخبيث، وسيعيش اضطرابا ذهنيا ورؤيويا، لأن سؤالا وجوديا سيستمر في تأريقه: هل هو رئيس كما يقال له ويخيل له أم مجرد مجرم تتابعه العدالة بجرائمه كما بقية المجرمين، ويطارده الضحايا وعيون كل من يلتقيهم ووسائل الإعلام؟!
 
وما من شك، أيضا، أنه سيسأل نفسه بأي وجه أو بأي قناع سيلتقي مع سكان مخيمات تندوف: هل بالوجه الذي كان يُقدّم لهم نفسه كزعيم ورئيس، لما يعرفون أنه غير موجود في واقعهم الغارق في المأساة، أم بوجه المجرم الذي تناهى إلى علمهم أنه مثُل أمام قاض إسباني بلا ألقاب ولا بروتوكول زائف وأنه ترك رقم هاتف وعنوان لاستدعائه في وقت لاحق للعودة لمواجهة التهم التي تلتصق به؟!
 
سيجد بن بطوش وغالي يتصارعان في داخله وسيعيش إلى حد ما، وهو الممثل الفاشل في المسرحية الرديئة التي ألّفتها المخابرات الجزائرية بشكل مشترك مع جهات إسبانية قادها العداء إلى الغباء، كما شخصيات مسرحيات الإيطالي بيرانديلو ازدواجية المسرح داخل المسرح باضطراب هوياتي قد يقود إلى الجنون. ولن أتفاجأ إذا ما سمعت يوما أنه خرج يصرخ في الناس: أنا من أنا؟ رجاء أخبروني هل أنا هو أنا أم إنني هو؟ أنا لم أعرف نفسي في المرآة، فالرجاء ممن يعرفني أن يخبرني من أنا؟ أنا بن بطوش أم غالي؟ أنا رئيس وزعيم أم مجرد مجرم؟ أنا من درب التبانة أم من مجرة أخرى؟
 
وأسدل الستار...